; حوادث الاختطاف تحولت من عادة إلى أزمة | مجلة المجتمع

العنوان حوادث الاختطاف تحولت من عادة إلى أزمة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999

مشاهدات 12

نشر في العدد 1335

نشر في الصفحة 28

الاثنين 01-فبراير-1999

اليمن

كيف ولماذا نشأت جماعة الجهاد في اليمن ؟

  • الحكومة تغاضت عن الجماعة لتوازنات سياسية... والمعارضة اليسارية ضخمت من وجودها لثارات عقائدية

تتلاحق عمليات الاختطاف في اليمن منذ ست سنوات دون أن تنتهي إحداها بحادث مؤسف من أي نوع، لكن عام ۱۹۹۸م انتهى بحادث غير متوقع على هذا الصعيد، إذ أسفر حادث اختطاف 16 سائحًا عن مصرع أربعة منهم.

مراحل العملية كانت متسارعة متلاحقة حتى أن الرأي العام لم يسمع بها إلا مع نهايتها المأساوية، مما أسهم في فتح المجال للإشاعات والتخمينات والانتقادات بشأن الضعف الواضح الذي تعاني منه الحالة الأمنية، كما أثارت الاهتمام بعدد من الملفات.

الملف الأهم الذي تركزت حوله الاهتمامات هو ملف تيار الجهاد، وحقيقة تواجده في الساحة اليمنية، ومدى نشاطه وعلاقاته الداخلية والخارجية، وبالطبع فقد انعكست الخلافات السياسية بين فرقاء الوسط السياسي على عملية التناول فالحزب الاشتراكي وحلفاؤه وجدوا في الحادثة فرصة لتوجيه اتهامات شبه مباشرة ضد السلطة بأنها مسؤولة عن وجود هذا التيار ودعمه في فترة ما بعد الوحدة، كما انتهز الفرصة عدد من الكتاب المعادين للتيار الإسلامي لتشويه صورته ووضع كافة فصائل الحركة الإسلامية تحت رحمة تهمة الإرهاب وقتل الأبرياء.

الحكومة اليمنية التي كانت الحادثة أكثر من صدمة مفاجئة لها كان الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي لها طوال السنوات الماضية يرتكز على إنكار وجود جماعات متطرفة تتبنى نهجًا مسلحًا ضد الآخرين، لذلك كان الحادث - الصدمة بداية سقوط مقولة السلطة نهائيًا، أو هكذا بدأ الأمر على الأقل، ووردت – للمرة الأولى – أسماء التطرف والجهاد الإسلامي، وجيش عدن - أبين الإسلامي على ألسنة بعض المسؤولين.

والحقيقة أن كلتا النظرتين ظلتا طوال السنوات الماضية تتعاملان مع الموضوع بطريقة غير سليمة، فالطرف الأول ظل يبالغ في تصوير خطورة (الجهاد الإسلامي) ويسرف في الحديث عن معسكرات تدريب تشرف عليها «منظمات  الإرهاب الدولية»، فقد كان واضحًا أن اليسار اليمني لا يزال يخوض فصلاً جديدًا من صراعات مع التيار الإسلامي ...وفي المقابل فإن السلطة كانت تعرف الحجم الحقيقي لتيار (الجهاد)، ولكن تعقيدات السياسة لم تسمح إلا بأن يظل هذا التيار متواجدًا بأشخاصه وعلاقاته مثل غيره من التيارات «المشاغبة» الأخرى من باب الثقة بقدرة الدولة على السيطرة على الأوضاع متى أرادت ذلك، وربما خوفًا من فتح أبواب جديدة للمشاكل القبلية والمذهبية والسياسية.

أما بالنسبة لتيار (الجهاد) فالواقع أن كلمة «تيار» لا تكاد تنطبق عليه تمامًا، فهو لا يمثل تيارًا فكريًا وسياسيًا ذا وجود ملموس، لكنه موجود في أشخاص ومجموعة غير معروفة العدد بالتحديد، ربما لطبيعة هذا التيار التي تجعل الآخرين يحذرون ويتخوفون من التعامل معه، وربما لأن اليمن تضم تيارًا إسلاميًا غالبًا على الساحة الإسلامية هو تيار (التجمع اليمني للإصلاح) الذي يتمتع بشعبية وقبول جماهيري مؤثرين، وله علاقات قوية في كل طبقات المجتمع اليمني شعبيًا ورسميًا.. مما يجعل تيار الوسطية الإسلامية صاحب الصوت الأعلى في الواقع.

 كثيرون يعيدون بداية ظهور تيار (الجهاد) في اليمن إلى أواخر الثمانينيات، حيث كان عدد كبير من المتطوعين اليمنيين يشاركون في الجهاد الأفغاني، ومن بين أولئك كان هناك عدد من الشباب اليمني من المناطق الجنوبية، حيث كان النظام الشيوعي يحكم بقيادة الحزب الاشتراكي، ومع تشابه النظامين الشيوعيين في كابول، وعدن ظهرت فكرة امتداد (الجهاد) من أفغانستان إلى اليمن الجنوبية آنذاك.. وبدأت تتكون المجموعة الأولى التي أخذت تبشر بأن يوم الجهاد المسلح ضد الشيوعيين في عدن قد اقترب أوانه، ومع ذلك فقد كانت المواجهة مع نظام (عدن) الماركسي أمرًا غير سهل لاعتبارات كثيرة.. ثم جاءت الخطوات المتسارعة لتحقيق الوحدة اليمنية التي تمت بالفعل في مايو ١٩٩٠م  لتخلط الأوراق كلها في الساحة، ومن ضمنها ورقة (الجهاد) المسلح ضد النظام الشيوعي في عدن، الذي تلاشي رسميًا في الدولة الجديدة، لكن سيطرة الاشتراكيين على المناطق الجنوبية ظلت قائمة بصرامة لا تتفق مع معطيات واقع ما بعد الوحدة.. الأمر الذي سبب احتكاكات دموية بين الإسلاميين والحزب الاشتراكي.. مثل حادثة مسجد الرحمة أو حادثة (المراقشة)، حيث اصطدمت قوات الحزب الاشتراكي في أبين مع مجموعات من المعروفين بانتمائهم لتيار (الجهاد) بقيادة طارق الفضلي ،وكانت هذه المجموعة قد اتخذت من تلك المنطقة مركزًا لها .

كانت تلك الحادثة عام ١٩٩٣م، لكن الظهور الأول لمجموعة (الجهاد) كان نهاية عام ١٩٩٢م عندما اتهم عدد من الأفراد بالمسؤولية عن تفجيرات حدثت في عدن، واستهدفت قوات أمريكية اتخذت من المدينة قاعدة تموينية للقوات التي ذهبت إلى الصومال بدعوى إنقاذه من المجاعة والاقتتال الأهلي، بالإضافة إلى ذلك فقد ترددت اتهامات ضد عناصر تنتمي إلى المجموعة نفسها بمسؤوليتها عن بعض محاولات الاغتيال التي تعرض لها عدد من قيادات الحزب الاشتراكي.

وبالرغم من كل تلك المشكلات والتداعيات التي ارتبطت باسم مجموعة (الجهاد) إلا أنها ظلت مشوية بقدر كبير من الغموض، ولم يعرف لها أطروحات فكرية أو سياسية، باستثناء ما كان يتداول في أوساط محدودة عن معارضة هذه المجموعة لاستمرار وجود الحزب الاشتراكي في ظل دولة الوحدة، كما كان لها موقف شديد الخصومة ضد تيار الإخوان المسلمين الذين تبنوا إقامة (التجمع اليمني للإصلاح) بعد الوحدة وأعلنوا قناعتهم بمواصلة جهودهم الإسلامية في إطار القوانين القائمة والقبول بنظام التعددية السياسية والانتخابات النيابية كوسيلة للتغيير السلمي.

بعد الظهور العاصف في حوادث تفجير الفنادق في عدن عام ١٩٩٢م، وحادثة جبال المراقشة عام ۱۹۹۳م تضاءلت الضجة حول مجموعة (الجهاد)، ولاسيما أن توالي المشكلات السياسية بين قطبي السلطة آنذاك فرض نفسه على الجميع، لكن اسم (الجهاد) عاد للتداول أثناء حرب ١٩٩٤م، حيث يقال إن مجموعة من المنتمين لتنظيم (الجهاد) شاركت في الحرب ضمن التجمع اليمني للإصلاح، ونسبة ممن عملوا تحت هذه الراية كانوا ضمن من شاركوا في الجهاد الأفغاني، لكنهم عندما عادوا لليمن انخرطوا في تجمع (الإصلاح)، باعتبار أن ظروف اليمن تختلف عن ظروف أفغانستان، وأنه يمكن مواجهة العلمانيين ضمن منظومة العمل السياسي. 

والثابت أنه بعد انتهاء حرب الوحدة، تم استيعاب مجموعة (الجهاد) ضمن أجهزة الدولة وانخرطت قيادتها في عضوية المؤتمر الشعبي العام.. لكن عناصر من تلك المجموعة ظلت غير مستوعبة، وذاعت أنباء عنها خلال الأشهر الأخيرة بأنها قد عاودت نشاطها في أبين، واتخذت لها معسكرًا للتجميع والتدريب، وفق الأخبار التي تكاتفت أحزاب المعارضة- المتحالفة مع الاشتراكي - على ترديدها طوال الفترة الماضية، ولعل ذلك هو الذي أضفى على الأمر عدم الاهتمام باعتبار أن المعارضة تمعن في المبالغة في تصوير مثل هذه الوقائع... وخاصة أنها ذات تاريخ طويل في العداء للإسلاميين، كما أنها ترى فيما تسميه تنظيم (الجهاد) خاصة عدوًا ساعد خصومهم في السلطة أثناء المشكلات السياسية التي عاشتها اليمن بعد الوحدة، وفي المقابل تجاهلت السلطة الأمر ولم تعطه اهتمامًا كبيرًا، واستمر الخطاب الإعلامي لها يؤكد عدم وجود معسكرات للجماعات الأصولية، فيما فسره بعض المراقبين بأنه وسيلة لتفادي الاتهامات الدولية بإيواء اليمن لـ «الإرهابيين».

في الفترة الزمنية نفسها اصطدم بعض عناصر المجموعة المشار إليها بالسلطة المحلية في منطقة أبين نتيجة خلافات بين أحد رموزها والمحافظ، وتطورت المشكلة إلى الاعتقال واشتداد درجة التوتر في المنطقة التي شهدت بعد ذلك حادثة الاختطاف المأساوية الأخيرة... مما أكد للمراقبين أن تلك الأحداث قد اكتسبت أوصافًا خلطت بين السياسي والشخصي والقبلي، وعندما حدثت عملية الاختطاف التي انتهت سريعًا بالمذبحة، اختلطت الأوراق وراح كل طرف يقدم تفسيره لما حدث وأسهمت النهاية السريعة في عدم اتضاح الصورة الحقيقية لدوافع الخاطفين.

مشاكل ما بعد الحادث

خلف الحادث مشكلات غير هينة لليمن على المستويين الداخلي والخارجي، حيث برزت في اللحظات الأولى مشكلة إطلاق النيران على السائحين، فبينما ألقت السلطات باللائمة على الخاطفين واتهمتهم بأنهم بدأوا بقتل السائحين مما استدعى تدخل قوات الأمن لإنقاذ البقية... لكن تصريحات بعض السائحين وبيانات منسوبة لمجموعة الخاطفين اتهمت قوات الأمن بأنها السبب في المذبحة. 

وتحولت قضية من أطلق النيران على السائحين إلى مشكلة بين اليمن وبريطانيا، حيث انتقدت الأخيرة أسلوب إنهاء الحادث بالتدخل السريع وعدم إعطاء الفرصة للوساطات كما يحدث عادة في عمليات الاختطاف، لكن المصادر أكدت أن تدخل قوات الأمن السريع جاء بعد هروب أحد السائحين من منطقة الاختطاف وإخبارهم بأن الخاطفين بدأوا بقتل الرهان تنفيذًا لتهديداتهم ويبدو أن البريطانيين لم يقتنعوا بتلك التفسيرات، مما دفع الحكومة اليمنية للموافقة على وصول فريق من رجال الأمن البريطانيين والأمريكيين لمتابعة مجريات التحقيقات وهو أمر أثار احتجاجات داخل اليمن، وربما داخل أجهزة الدولة نفسها باعتبار ذلك يمس أمرًا من أمور السيادة الوطنية لكن سرعان ما ظهرت تصريحات رسمية تؤكد أن وجود المحققين الأجانب يختص بالاطلاع فقط على نتائج التحقيقات، لكن حتى هذا التوضيح وجد في المعارضة من يعترض عليه بحجة أن عملية الاطلاع على النتائج لا تستدعي وصول هذا العدد من بريطانيا وأمريكا .. وأن موظفين في سفارتي البلدين كانوا قادرين على أداء المهمة.

 تأجيل محاكمة الخاطفين إلى ما بعد عيد الفطر المبارك خفف من سخونة القضية إلى حد ما لكن إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص الذين يحملون جنسيات بريطانية بتهمة الاشتراك في عمليات عنف في اليمن أضاف للأزمة بعدًا جديدًا، ومتهمين آخرين من جنسيات متعددة قدموا من بريطانيا نفسها، ولذلك فمن المنتظر أن تشهد الأسابيع القادمة اتساع مجال الأزمة، وانكشاف أجزاء غامضة من الصورة التي ازدادت غموضًا بفعل الدماء التي غطتها، ويفعل التوتر المتشنج الذي صبغ تعامل الأطراف الداخلية والخارجية مع تداعيات الحادث.

الرابط المختصر :