; ماذا دار بين الدكتور القرضاوي والسكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالدوحة | مجلة المجتمع

العنوان ماذا دار بين الدكتور القرضاوي والسكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالدوحة

الكاتب حسن علي دبا

تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993

مشاهدات 13

نشر في العدد 1081

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 28-ديسمبر-1993

د. القرضاوي: كثير مما يحدث الآن من عنف في مصر والجزائر سببه غياب التيار الإسلامي المعتدل

إذا كانت مؤسسات الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية في حالة عمل دائم منذ فترة ليست بالقصيرة اهتمامًا بالظاهرة الإسلامية، فإن معرفتنا لإحدى هذه المؤسسات وهي «مؤسسة (RAND) » التي تبلغ ميزانيتها مائة مليون دولار لا تبعث على الدهشة.

وفي سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي اهتمام مماثل، حيث يحرص بعض العاملين فيها على استطلاع آراء علماء ومفكري العالم الإسلامي في القضايا الساخنة التي يمر بها العالم.

مؤخرًا قامت السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالدوحة بزيارة إلى الدكتور «يوسف القرضاوي» الداعية والمفكر المعروف ومدير مركز أبحاث السنة والسيرة بجامعة قطر بمكتبه ودار بينهما حوار اطلعت عليه المجتمع، ورأت أن تقدم صورة منه للقارئ.

سألت «مارغاريتا دايان راغسديل»([1]) «د. يوسف القرضاوي» عن: رغبتها في اللقاء معه للتعارف، فقال: ليس هناك في الإسلام ما يمنع التعارف ﴿وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ﴾ (سورة الحجرات آية: 13)

وبعد أن أكدت السكرتير الأول للسفارة الأمريكية متابعتها لأعمال «د. القرضاوي» سواء خطبة الجمعة التي يبثها تليفزيون قطر كل أسبوع من مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة أو برنامجه الأسبوعي الذي يذاع بالتلفزيون أيضا مساء كل جمعة .

 بعد ذلك سألته عن رأيه بالذات فيما يحدث في «مصر والجزائر» من أحداث «العنف والتطرف»

 فقال فضيلة د. يوسف القرضاوي: ليس كل ما يحدث من أحداث عنف من عمل الإسلاميين، فهناك أشياء تبرأوا منها ولم يتحملوا مسئوليتها، مثل العنف في المدارس والحافلات وحادثة الأزبكية، وقهوة ميدان التحرير «بمصر» فهناك جهات يهمها ارتكاب حوادث مثيرة فظيعة لتحمل أوزارها للإسلاميين.

وأضاف الدكتور القرضاوي قائلًا: ليست كل الدوافع إسلامية، فكثير مما يحدث دوافعه تآمرية  - في مصر مثلا-. وخصوصًا أن معظم الذين يقومون بهذه الأعمال أبناء الصعيد، والصعيد عنده تقاليد راسخة أشبه بالعقائد التي لا يتنازل عنها، وهي الثأر للدم أو العرض فهذا أمر لا تهاون فيه عندهم، وكثير مما يحدث الآن هو عمليات ثأر وانتقام.

قالت السكرتير الأول: ولكن كثيرًا من الغربيين لا يعرفون مثل هذا ....

قال د. القرضاوي: هذه مهمتكم أنتم، وعلى الذين يعيشون في العالم العربي والعالم الإسلامي أن ينقلوا هذه الأشياء على ما هي عليه، ويصححوا الأخطاء والأوهام، حسب معرفتهم بالواقع.

«لماذا يُرفض قيام حزب ديني في مصر؟»

وعن أسباب ودوافع هذا العنف قال د. القرضاوي: إنه من نتائج غياب التيار الإسلامي المعتدل الذي لم يجد ما يُعبر عنه خلال القنوات الرسمية والقانونية، كما سمح للتيارات الأخرى.. ففي مصر مثلًا سُمح للشيوعيين أن يكون لهم حزب، وأن يكون لهم صحيفة، وأن يكون لهم حق التجمع والدعوة، في حين لم يسمح للإسلاميين.... والحجة في هذا أنه لا يريد قيام أحزاب على أساس ديني.

 والسؤال هو: كيف يمكن أن يسمح لحزب على أساس يُنكر الدين ويرفضه ولا يسمح لحزب يعتمد الدين أساسًا للتشريع والتوجيه في مجتمع المفروض أنه يقوم على الدين –أصلًا.

 الدين ليس فيه شيئًا على الهامش ولكن الدين جوهره وحياته.

وإذا قيل إن هذا قد يسبب مطالبة الأقباط بحزب، فهذا لا مانع منه، نحن شخصيًا لا نمانع أن يكون للأقباط حزب يتبنى مطالبهم، وإن كان الإسلاميون الذين طالبوا بحزب إسلامي قد فتحوه للمسلمين ولغير المسلمين، قالوا: إننا نطالب بمبادئ إنسانية عامة : «سيادة قيم الإيمان، والقيم الأخلاقية العليا التي جاءت بها كل الرسالات السماوية، ومقاومة الإلحاد والإباحية والتهتك والمسكرات والمخدرات، وتربية الشباب على الفضيلة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإقامة الشورى وحريات الناس، وصيانة الأعراض والحرمات» وهذه أشياء لا يختلف عليها مسلم ومسيحى ويتفق عليها كل المؤمنين بالدين... وبالفعل جاهر بعض المسيحيين المصريين بالانضمام إلى هؤلاء المطالبين بحزب إسلامي.

وأضاف د. القرضاوى: ثم ما المانع من قيام حزب إسلامي؟ وهناك في أوروبا عدد من الأحزاب التي تقوم على أساس مسيحي فالحزب الديمقراطي المسيحي، والحزب الاشتراكي المسيحي في أكثر من بلد من بلدان أوروبا.. نعرف أن ذلك في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا... وبعضها تولى مسئولية السلطة والحكومة أكثر من مرة. 

فلماذا يُمنع الإسلاميون وحدهم من ممارسة حقهم؟ وهل يجوز - في منطق العدل والإنصاف-  أن يُحرم الإنسان من ممارسة حقه السياسي لمجرد أنه إنسان متدين، ويقيم شعائر الله، ويُحِل حلاله ويحرم حرامه؟

«الشارع المصري يتهم أمريكا»

ثم سألت السكرتير الأول: لماذا لا تُعطى الحكومة الحق للإسلاميين في أن يكون لهم حزب؟

أجاب فضيلة د. القرضاوي: إذا أردت الصراحة فإن الشارع المصري يتهم الأمريكان بأنهم وراء ذلك، يقولون: إن أمريكا هي التي لا تريد هذا الأمر، وتُخوِّف فيه أصحاب السلطة. فقالت: وما مصلحة أمريكا في هذا الأمر؟

قال فضيلته : ليس لأمريكا أية مصلحة في هذا، بل هذا في الواقع ضد مصلحتها، ليس من مصلحة أمريكا أن تعادى الإسلام أو تعادي القوى الإسلامية أو تعادي التيارات الإسلامية المتوازنة والمعتدلة إطلاقًا، ولكن هناك أناس وقوى من مصلحتها أن يظل الإسلام شيئًا مخوفًا ومكروها، فهم يُخيّلون لأصحاب القرار في أمريكا والقوى المؤثرة أن الإسلام بعبع مخيف، وأنه يمثل ما يسمونه «الخطر الأخضر» الذي يجب أن يُحذِّر منه بعد زوال «الخطر الأحمر» الشيوعي... وهذا في الحقيقة وهم، فالإسلام  -خصوصًا فيما يمثله تيار الوسطية-الذي نحن من دعائه ليس خطرًا على أحد، بل هو رحمة الله للعالمين، والعالم كله عامة في حاجة إلى الإسلام والمسلمون خاصة.

سألت مارغاريتا عن قوة هذا التيار الوسطى وما يمثله ....

قال د. القرضاوي: إن «تيار الوسطية» هو الذي يمثل تيار القاعدة العريضة والجمهور الأعظم، كل ما في الأمر أن آخرين صوتهم عالٍ والإعلام المحلى والإعلام العالمي يريد أن يُضخمهم لدوافع وأهداف ما .... لكن« تيار الاعتدال» في الواقع هو «الأعظم والأغلب».

«التطرف في العالم كله، فلماذا يركز على مصر والجزائر»

وعن ظاهرة التطرف والعنف قال د. القرضاوى للسكرتير الأول : إن «ظاهرة التطرف والعنف» ليست ظاهرة إسلامية، بل ظاهرة بشرية، وظاهرة عالمية وموجودة في كل العالم: ألا يوجد في أمريكا تيار ضد الملونين، وهذا الذي تسبب في حوادث «لوس أنجلوس» وما وقع فيها من أشياء؟ ألا يوجد في بريطانيا الجيش الجمهوري الأيرلندي والصراع بين الكاثوليك والبروتستانت؟ ألا يوجد الآن في أوروبا هذه النزعة في ألمانيا وغيرها، وهي «النازية الجديدة» التي تواجه الأجانب إلى حد القتل، فقد قتلوا النساء في بيوتهن. المعاداة لكل ما هو أجنبي؟ ثم ألا يوجد في إسرائيل أيضا تطرف وعنف.

فلماذا يركز على ظاهرة التطرف والعنف في البلاد الإسلامية وحدها؟ مع أن الذين يتبنون العنف في البلاد الإسلامية لعلهم أعذر من غيرهم، لأن عليهم من الضغوط ما ليس على غيرهم.

«حقيقة الجزائر والديمقراطية»

عن الجزائر سألت «السكرتير الأول» للسفارة الأمريكية بالدوحة د. يوسف القرضاوي عن رأيه في الأحداث هناك.

فقال فضيلته: لماذا تنادون بالديمقراطية في العالم كله، وتتبنوها وتدافعون عنها وتقاومون كل من يقف في سبيلها وتحاولون إسقاطه إلا في البلاد الإسلامية؟؟ عندما جاءت صناديق الانتخاب بالإسلاميين عن طريق انتخابات نزيهة تشرف عليها السلطة الحاكمة نفسها من قبل، وأعطتهم الأغلبية رفض العالم الغربي هذا الأمر، ولم يقبل أن يصل الإسلاميون إلى السلطة، فلماذا يزنون بميزانين ويكيلون بمكيالين.

قالت السكرتير الأول: إن هؤلاء الناس الذين وصلوا إلى السلطة، وصلوا بالديمقراطية لكنهم لا يريدون أن يستمروا يريدون أن يلغوا الديمقراطية بعد ذلك.

قال د. القرضاوي: إننى كنت في الجزائر، وقد سمعت الشيخ «عباس مدنى» -بنفسه- حينما سُئِل هذا السؤال في التليفزيون الجزائري وأنكر هذا، وقال: من قال هذا؟ أنا المتحدث الرسمي لجبهة الإنقاذ ولم أقل هذا ... فالاعتماد على كلمة تصدر من خطيب مسجد في بلدة من البلدان أو حي من الأحياء ليس من العلمية أو من الموضوعية في شيء.

وأضاف: ولنفترض أن هؤلاء لن ينفذوا ما وعدوا به من الاستمرار في الديمقراطية، فسنجعل لهم الفرصة، وقد كانت الجزائر تُحكم قبل ذلك «حكمًا ديكتاتوريًا» على يد «الاشتراكية الماركسية» المعادية للغرب والموالية للسوفييت، فلماذا صبروا عليها وسكتوا عنها؟، وحين يأتي الإسلاميون فهم الذين يرصدون ويقاومون.... لندع لهم الفرصة، لنرى ماذا سيفعلون؟ كما أعطيت الفرصة لغيرهم من الليبراليين والثوريين؟

"المستقبل .. إلى أين "

وفي النهاية قالت مارغاريتا: إنه رغم وجاهة ما تقوله عن تيار «الوسطية الإسلامية» ففي رأى أن التيار الذي يغلب ويسود في النهاية هو تيار التطرف والعنف.

فقال فضيلة د. القرضاوي: أنا على عكس ما تقولين، وأعتقد أن «التيار الإسلامي» الذي سيغلب في النهاية ويسود هو تيار «الاعتدال والوسطية».

لماذا؟

لأنه: هو الذي يمثل روح الإسلام، ولأنه هو الذي تعتنقه الأكثرية، ولأن التطرف دائمًا قصير العمر، ولا يستمر طويلًا. فإن المنبت لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، كما في الأثر.…

(1) مارغاريتا دايان راغسديل... السكرتير الأول بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالدوحة لها سنة ونصف السنة بدولة قطر تتحدث اللغة العربية الفصحى، وتعرف اللهجة الخليجية واللهجة المصرية.

الرابط المختصر :