الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
- مقدمة:
الحديث عن شخصية سعد بن معاذ طويل وجميل.. لا يمله الإنسان؛ لأنه حديث يصور جوانب متعددة من الحياة الإنسانية توشك أن تبلغ قمة المعاني السامية.
فهذه الشخصية الفذة معروفة مشهورة على مدى التاريخ الهجري، وستظل هكذا تطفو فوق صفحات التاريخ لتعطي المثل الحي النقي لروح الأخوة الإسلامية، وللأريحية الصافية، وللبذل والعطاء والتضحية، والذكاء، والقوة والاستشهاد.
- كيف دخل الإسلام؟
جلس مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة في بستان بالمدينة يتكلمان عن الإسلام، وعرف الخبر سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وكانا يومئذ سيدي قومهما من بني عبد الأشهل من الأوس، فحمل أسید حربته وحقده وحنقه، وذهب إلى البستان ليمنع الرجلين من الكلام عن الإسلام، فكلمه مصعب بهدوء لا يحاول أن يستفزه، بل كان يريد أن يهدئ من روعته واضطرابه لعله يسمع الحديث الطيب ويسلم كبعض الناس الذين سبقوه إلى الدين الجديد. وما أن سمع أسيد كلمات عن الدعوة، وآيات من القرآن حتى أشرق وجهه ورغب في أن يكون مسلمًا، وأبلغهما أن وراءه رجلًا إن اتبعهما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وكان يقصد سعد بن معاذ سيد الأوس. وعرفهما أنه سيرسله إليهما. وقد فعل.
ولما ذهب سعد وسمع مبادئ الإسلام وما يدعو إليه، قام يغتسل ويطهر ثوبه ويشهد شهادة الحق ويركع لله.
الحوار:
قلت لسعد بن معاذ:
- وماذا صنعت بعد أن أسلمت؟
قال سعد بصوت عال كأنه لا يزال داعيًا:
- رجعت إلى قومي ودعوتهم إلى الخير، وشوقتهم إلى الإسلام، وكنت أبين لهم فضيلة الإيمان وما تترك هذه العقيدة في القلب من الراحة والاطمئنان، وأخذت أسفه عبادة الأصنام والأحجار.
- وهل اتبعك بعض القوم؟
- ما حان مساء ذلك اليوم إلا وقد أسلم جميع بني عبد الأشهل رجالًا ونساء.
- كنت يا سعد رجلًا ذائع الصيت، محبوبًا، كريمًا، شجاعًا، مسموع الكلمة، وقد ساعدك ذلك على أن تكون من الدعاة المخلصين.
- نعم.. لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
- وبعد الهجرة.. ماذا حدث؟
قال سعد وهو يستمد كلامه من الذاكرة والتاريخ:
- قبل الهجرة كان مصعب بن عمير قد نزل في بيتي حيث يلتقي بأعداد كبيرة من الناس.. وحين هاجر المسلمون من مكة.. استقبلتهم المدينة فاردة ذراعيها بكل ترحاب، ومن حسن الحظ أن جعل الرسول صلى الله عليه وسلم أخًا لي من المهاجرين.. آخى بيننا. وكان أخي في الإسلام هو القائد الإسلامي العظيم أبو عبيدة عامر بن الجراح.. وكان ذلك هو الحظ السعيد، فقد تعلمت من أبي عبيدة الكثير.
وسألت سعد بن معاذ:
- وما دورك في غزوة بدر؟
- كان الرسول عليه السلام يسأل الناس أن يشيروا عليه، ولما عرفت أنه يريد أن يعرف رأي الأنصار تقدمت وقلت للنبي الكريم:
- لكأنما تريدنا يا رسول الله؟
قال: «أجل».
قلت: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت ونحن معك، فوالذيبعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينيك، فسر بنا على بركة الله.
وكان النصر للمسلمين في بدر..
قلت لسعد:
- وماذا عن غزوة أحد؟
- استشار النبي الكريم أصحابه، وقرر أخيرًا الخروج من المدينة لاستقبال العدو وقهره قبل الدخول إلى المدينة.. والتقى الجيشان عند جبل أحد.. وحدث ما حدث من الرماة.. فتحوا ثغرة لخالد بن الوليد ليهاجم المسلمين من الخلف.. واستشهد منهم خمسة وستون شهيدًا من ضمنهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء. وبعد العودة إلى المدينة سمع الرسول بعض الأنصار يبكون قتلاهم، فدمعت عينا رسول الله حزنًا على حمزة وقال: «لكن حمزة لا بواكي له».
فسمعته أنا وأسيد بن حضير، وذهبنا إلى دار بني عبد الأشهل وأمرنا النساء أن يذهبن إلى بيت رسول الله يبكين عمه حمزة. ولكن الرسول عندما سمع بكاءهن ونواحهن خرج عليهن وهن على باب مسجده ونهاهن عن النواح، وقال لهن: «ارجعن يرحمكن الله، قد أسأتن بأنفسكن».
ثم قال الرسول عليه السلام: «رحم الله الأنصار؛ فإن المواساة منهم ما علمت قديمة. مروهن فلينصرفن».
قلت لسعد:
- هذه الحادثة تدل على صدق حبك يا معاذ لرسول الله، فقد اشتركت معه في معركة أحد. ولما عدت من الجهاد بعثت النساء من أهل بيتك يبكين عند رسول الله تخفيفًا لحزنه على عمه حمزة. ولكن دورك في غزوة الخندق كان عظيمًا، ألا تحدثنا عنه؟
قال سعد بن معاذ:
- عرفنا أن اليهود نقضوا العهود، وأنهم كعهدهم على أخبث حال، فكان السيف هو ما نعطيه لهم.. أي القتال. ووقعت جريحًا وأنا أقول: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه.. اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة.
- يا لك من فارس عظيم ومحارب فذ یا سعد بن معاذ!
خاتمة:
دام حصار المشركين للمسلمين في الخندق ما يقرب من شهر، حتى أرسل الله ريحًا شديدة في ليال باردة قارسة أطفأت نيرانهم وقلعت خيامهم، فاضطربوا وانكفأت قدورهم فانقلبوا خاسئين، وكفى الله المؤمنين شر القتال، بعد أن اختلف المشركون واليهود. ولما طلع الصباح، انصرف المسلمون إلى المدينة ووضعوا السلاح.
وعند الظهر من ذلك اليوم، أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وكان جبريل معتجرًا بعمامة من إستبرق، راكبًا بغلة عليها سرج وعليها قطيفة من ديباج، وقال للنبي:
- أو قد وضعت السلاح يا رسول الله؟
قال النبي: «نعم».
قال جبريل:
- فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم. إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإنني عامد إليهم فمزلزل بهم.
وهكذا تم القضاء على بني قريظة، وكان سعد بن معاذ هو الحكم في أمرهم، وقد أمر بأن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء. وقد نفذ الرسول فيهم الحكم جزاء وفاقًا لما نكثوا من العهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم، وقد استجاب الله تعالى لدعاء سعد يوم الخندق فأقر له عينة من بني قريظة كما أراد.
ولما انقضى شأن اليهود كان جرح سعد قد انفجر فمات منه شهيدًا.
وفي الليلة التي توفى فيها سعد، جاء جبريل عليه السلام إلى النبي وقال له:
- يا محمد.. من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟!
فقام رسول الله مسرعًا يجر ثوبه إلى بيت سعد بن معاذ فوجده قد مات، ثم سمع الناس بوفاة سعد فاجتمعوا له وشيعوه، وكان الرسول يسير مع المشيعين بجنازة سعد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
بسرعة الصاروخ.. كيف سرَّعت دول عربية التغيير فـي المناهـج الدراسيــة لمصلحــة اليهــود؟
نشر في العدد 2180
29
الخميس 01-يونيو-2023