العنوان حول زيارة روجرز - وليس في عالم اليوم «تقدم» يتم تحت الوصاية!!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 11-يوليو-1972
مشاهدات 12
نشر في العدد 108
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 11-يوليو-1972
حول زيارة روجرز
وليس في عالم اليوم «تقدم» يتم تحت الوصاية!!
نشرتْ مجلة «يو. اس. نیوز اندورلد ريبورت» مقالًا مطولًا للرئيس الأمريكي نيكسون.. هو بمثابة برنامج انتخابي أو شروع بتجديد الثقة من كاتبه لدى الشعب الأمريكي ولدى العالم. وفي حديثه عن السياسة الخارجية وردت فقرات نوردها هنا لعلاقتها بواقع المسلمين.
جاء في مقال نكسون:
«لقد تعلمنا قبل كل شيء أنه ليس في مقدورنا أن نقرر وحدنا مستقبل هذه البلدان –البلدان النامية- اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا.. وهذا لا يعني أننا فقدنا اهتمامنا في هذه الشئون ولكنه يعني أننا أخذنا ننظر إلى دورنا نظرة مساعدة.. لا نظرة توجيه.. أن احتمالات التقدم في العالم النامي هائلة جدًا. ولكن لا يمكن تحقيقها إلا إذا استطاعت الشعوب النامية أن تكيف مستقبلها بنفسها وبطرقها الخاصة بها» والأغلبية الساحقة من المسلمين تقع في دائرة الدول النامية.. والاهتمام بهذه القضية.. إنما هو اهتمام بأمر المسلمين ومن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم.
ولكن ماذا في كلام نكسون:
● إنه ليس في مقدور أمريكا تقرير مستقبل الدول النامية.
● إن سياسة أمريكا في المستقبل ستأخذ -وفق كلام نيكسون- طابع المساعدة.. لا طابع التوجيه.. «والتوجيه تعبير ملطف عن الوصاية والإملاء»
● أن تقدم البلدان النامية رهين بقدرة هذه البلدان وحدها على «تكييف» مستقبلها بطرقها الخاصة.. أي بحرية واستقلال وأصالة.
وإذا كان روجرز قد قام بجولته في منطقتنا هذه ليخدم مصالح بلاده فإنما كان يمثل وجهه نظر نکسون باعتباره عضوًا في إدارتهِ وشـكلًا للسياسة الخارجية الأمريكية.
فهل كانت الخطوات الأمريكية العملية متمشية مع السياسة التي أعلنها نيكسون في مقاله المطول؟ إن الكلام الجميل لا قيمة له ما لم يكن جميلًا أيضًا في أرض الواقع. إن المسلمين في العالم وفي هذه المنطقة بالذات قد وجدوا عننا مدمرًا من السياسة الأمريكية. وأي بلاء ينزل بالمسلمين أشد هولًا.. وأفدح ضررًا من وجود إسرائيل واحتلالها لفلسطين ومقدسات المسلمين؟ وهل قامت إسرائيل.. وهل استطاعت أن تستمر في عدوانها وتوسعها إلا بتشجيع ودعم الأمريكيين؟
يجب أن يعلم الأمريكان أن هذه المنطقة ليست رقعة جغرافية عادية.. إنها منطقة فيها مقدسات المسلمين وركائز حضارتهم.. ومنها انطلق وجودهم التاريخي.. ووفق هذا الوجود يتطورون ويمضون في طريقهم نحو مستقبلهم. ولن تستطيع سياسة الظلم والعدوان إن تغير هذه الحقيقة فلو أنفق الأمريكان كل أموالهم ورصدوا جميع إمكاناتهم لتغيير هذه الحقيقة لعجزوا عن بلوغ أهدافهم. لقد حاولت أمم من قبل تدمير منطقتنا هذه عن طريق حروب الإبادة والمحو والسحق.. وكانت النتيجة أن ذهبت تلك الأمم وبقينا نحن. إن ألف عام أخرى في المستقبل مليئة بالحروب والاضطهاد ضدنا لن تستطيع أن تمحونا ولا أن تمحو تاريخنا. والإقرار بهذه الحقيقة تترتب عليه نظرة جديدة إلينا.. لا منًا.. ولا عطفًا.. ولا فضلًا.. وإنما نظرة جديدة تنبثق من التعامل مع الحقائق.. لا مع الأوهام. لن ينفع الأمريكان في المستقبل وجود إسرائيل.. فطالما اعتمدوا على قواعد مثل هذه ثم اضطرتهم حركة التاريخ تغيير سياستهم بشكل مفاجئ بعد أن طوى المدى التاريخي هذه القواعد المؤقتة. ولن ينفعهم العملاء المنفصلون عن أمتهم الخادمون لمصالح القوى الأجنبية.. فحسب العملاء فشلًا.. وحسب المعتدين عليهم خسرانا.. أن يعيش هؤلاء العملاء في غيبة الوعي.. فإذا تفجر الوعي اليوم.. أو غدًا أو بعد غد خابت كل الحسابات والتقديرات ولن ينفعهم التخويف بالشيوعية.. فالشيوعية لا تجد مناخًا أنسب ولا مجالًا أرحب من مجال «التسلط الأمريكي».. حين يوجد في منطقة ما.
فحركة التجنيد للشيوعية تشتد.. وإقبال الجماهير عليها يتزايد لا إعجابًا بالفلسفة الماركسية.. ولا اقتناعًا بالوسائل الشيوعية في التنمية.. ولا افتنانا بروائع الحرية من الأنظمة الشيوعية. كلا.. لا يقبل الناس على الشيوعية بفعل مؤثر من هذه المؤثرات.. انهم يقبلون عليها ويسقطون في خداعها وتعاستها تحت شعار مقاومة «التسلط الأمريكي»، لذلك فإن أبرع وسيلة لمكافحة الشيوعية هي: أن يكف الأمريكان عن تسلطهم.. وأمريكا تعرف ذلك من تجاربها.. ولكنها تعجز عن تغییر سياستها التقليدية التي وصلت إلى درجة التحجر. إن حركة الوعي العام في المنطقة تتطور بسرعة... وإذا بقي الأمريكان على سياستهم التقليدية هذه فإن مستقبل مصالحهم في بلادنا مظلم.. حتى بمقياس تبادل المصالح. ولا سبيل إلى كبت حركة الوعي العام لأنه من قبل لا سبيل إلى إيقاف حركة التاريخ.. وفي هذه الحال ليس هناك حل إلا بالتعامل مع الحقائق وترك التعامل مع الأوهام. والأمريكان يخافون -واليهود يعمقون هذا الخوف- بأن مجرد تغییر سیاستهم سينزل الضرر بإسرائيل. وهذه حقيقة.. ولكن هناك حقيقة أخرى وهي: أن على الأمريكان ان يقارنوا بين مستقبل مصالحهم لفترة مؤقتة.. وبين مصير مصالحهم إلى الأبد. فإذا أرادوا أن يضحوا بمستقبلهم البعيد في سبيل حاضر من صنع اليهود، فليجمدوا على سياستهم الحالية، وإذا أرادوا عكس ذلك فعليهم أن يبدأوا بالخطوة العملية المتمثلة في التخلي تدريجيًا عن إسرائيل.. والمتمثلة أيضًا في الكف عن سياسة الوصاية والإملاء. إننا نأمل في قدوم عالم جديد يختفي فيه -بقدر الإمكان- الظلم والاضطهاد واحتلال الأراضي بالقوة.. وينتعش فيه مبدأ تبادل المصالح على قدم المساواة بلا وصاية ولا تدخل ولا إملاء. وإذا كان نيكسون يقول في مقاله: ليس في عالم اليوم ازدهار من وراء الجدران فنحن نقول.. ومن قبل ليس في عالم اليوم ازدهار ولا تقدم يتم تحت الوصاية.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل