العنوان خروج المرأة يصادم الفطرة
الكاتب د. محمد علي البار
تاريخ النشر الثلاثاء 22-مايو-1979
مشاهدات 36
نشر في العدد 446
نشر في الصفحة 21
الثلاثاء 22-مايو-1979
نشرت جريدة المدينة الغراء في عددها الصادر ١٩ -٥ -١٣٩٩هـ، الموافق ١٦ -٤ -١٩٧٩م تحقيقًا صحفيًا مع الدكتور فاروق أخضر الأمين العام للهيئة الملكية للجبيل وينبع تحت عنوان بارز: "استغلال المرأة أحد ثلاثة عوامل لتقليل العمالة الأجنبية في المملكة"، وجاء فيه ما يلي:
إن نصف سكان هذا البلد "المرأة" لم تتح لهم الفرصة لدخول كثير من مجالات العمل، فقد كان ولا بد من الاستعانة بالعقل واليد الأجنبية لمساعدة المملكة العربية السعودية لتنفيذ خطتها الخمسية الثانية، ثم ذكر الدكتور فاروق أخضر ثلاثة عوامل لتخفيف العمالة الأجنبية أحدها "استغلال النصف الآخر من المجتمع استغلالًا اقتصاديًا كفئيًا".
ونريد هنا أن نناقش الدكتور فاروق أخضر مناقشة هادئة حول خروج المرأة للعمل؛ إذ يبدو هذا الرأي -وإن كان خاطئًا في نظرنا إلا أنه- قد تغلغل إلى بعض أجهزة الدولة ذاتها رغم معارضة المسئولين لهذا الاتجاه حتى اليوم.
وسنركز المناقشة حول جدوى خروج المرأة حول النقاط التالية:
أولًا- الناحية البيولوجية والنفسية، وتركيب المرأة الجسدي والنفسي، وهل يسمح بخروج المرأة للعمل أم لا؟
ثانيًا- الجدوى الاقتصادية والاجتماعية من خروج المرأة للعمل واختلاطها بالرجال.
ثالثًا- حكم الدين الإسلامي الحنيف في خروج المرأة للعمل، وتركها منزلها، واختلاطها بالرجال، ونرجو في هذه النقطة أن يشاركنا فيها علماء الإسلام الأفاضل، وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس دائرة الإفتاء في المملكة.
- خروج المرأة للعمل وتركيب المرأة النفسي والجسدي:
أثبتت الدراسات الطبية المتعددة أن كيان المرأة النفسي والجسدي قد خلقه الله -تعالى- على هيئة تخالف تكوين الرجل، وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملاءمة كاملة، كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة الأسرة، وسيدة البيت، وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها وأسرتها نتائج فادحة في كل مجال، ويقول تقرير هيئة الصحة العالمية الذي نشر في العام الماضي إن كل طفل مولود يحتاج إلى رعاية أمه المتواصلة لمدة ثلاث سنوات على الأقل، وإن فقدان هذه الرعاية يؤدي إلى اختلال الشخصية لدى الطفل، كما يؤدي إلى انتشار جرائم العنف الذي انتشر بصورة مريعة في المجتمعات الغربية، وطالبت هذه الهيئة الموقرة بتفريغ المرأة للمنزل، وطلبت من جميع حكومات العالم أن تفرغ المرأة، وتدفع لها راتبًا شهريًا إذا لم يكن لها من يعولها؛ حتى تستطيع أن تقوم بالرعاية الكاملة لأطفالها، وقد أثبتت الدراسات الطبية والنفسية أن المحاضن وروضات الأطفال لا تستطيع القيام بدور الأم في التربية، ولا في إعطاء الطفل الحنان الدافق الذي تغذيه به.
- الاختلاف على مستوى الخلايا:
إن هيكل المرأة الجسدي يختلف عن هيكل الرجل، بل إن كل خلية من خلايا جسم المرأة تختلف في خصائصها وتركيبها عن خلايا الرجل.
وإذا دققنا النظر في المجهر لهالنا أن نجد الفروق واضحة بين خلية الرجل وخلية المرأة؛ ستون مليون مليون خلية في جسم الإنسان، ومع هذا فإن نظرة فاحصة في المجهر تنبئك بالخبر اليقين: هذه خلية رجل، وهذه خلية امرأة، كل خلية فيها موسومة بميسم المذكورة، أو مطبوعة بطابع الأنوثة.
وفي الصورة التالية نرى الفروق واضحة بين خلية دم بيضاء لرجل، وأخرى لامرأة، كما نرى الفرق جليًا بين خلية من فم امرأة، وخلية من فم رجل، ثم ننظر في الصورة على مستوى أعمق من مستوى الخلايا، إلى مستوى الجسيمات الملونة (الصبغيات أو الكروموسومات)، هذه الجسيمات الملونة موجودة في كل خلية، وتقاس بالأنجستروم (واحد على بليون من الملليمتر) في ثخانتها، وهي موجودة على هيئة أزواج، منها زوج واحد مسئول عن الذكورة والأنوثة.
ففي خلية الذكر نجد هذا الزوج كما هو موضح في الصورة على هيئةx y ، بينما هو في خلية المرأة على هيئة x x ، والصورة التالية توضح هذه الفروق الثلاثة.
إن الجسم الملون (صبغ) للذكورة يختلف في شكله المميز عن صبغ الأنوثة، بل ولا يقتصر الاختلاف على الشكل والمظهر، إنما يتعداه إلى الحقيقة والمخبر؛ فصبغ الذكورة قصير سميك بالنسبة لصبغ الأنوثة، ومع ذلك فهو يجعل الخلية الذكرية أكثر نشاطًا، وأقوى شكيمة، وأكثر إقدامًا من شقيقتها الأنثوية.
- الاختلاف على مستوى النطفة:
وإذا سرنا في سلم الفروق، وارتفعنا إلى مستوى الخلايا التناسلية سنجد الفرق شاسعًا، والبون هائلًا بين الحيوانات المنوية (نطفة الرجل)، وبين البويضة (نطفة المرأة)؛ تفرز الخصية مئات الملايين من الحيوانات المنوية في كل قذفة مني، بينما يفرز المبيض بويضة واحدة في الشهر.
ونظرة فاحصة لخصائص الحيوان المنوي الذي يقاس بالميكرون (واحد على مليون من الميتر) تجعلنا نوقن بأنه يجسد خصائص الرجولة، بينما نرى البويضة تجسد خصائص الأنوثة، فالحيوان المنوي له رأس مدبب، وعليه قلنسوة مصفحة، وله ذيل طويل وهو سريع الحركة، قوي الشكيمة، لا يقر له قرار حتى يصل إلى هدفه، أو يموت.
بينما البويضة كبيرة الحجم (5 / 1 ميليمتر)، وتعتبر أكبر خلية في جسم الإنسان الذي يحتوي على ستين مليون مليون خلية، وهي هادئة ساكنة، تسير بدلال، وتتهادى باختيال، وعليها تاج مشع يدعو الراغبين إليها، وهي في مكانها لا تبرحه ولا تفارقه، فإن أتاها زوجها، وإلا ماتت في مكانها، ثم قذفها الرحم مع دم الطمث.
وإذا دققنا النظر في قطرة صغيرة من مني الرجل تحت المجهر لهالنا ما نرى؛ مئات الملايين من الحيوانات المنوية تمخر عباب بحر المني المتلاطم، وهي تضرب بأذيالها لتجري في طريقها الشاق الطويل الوعر المحفوف بالمفاوز والمخاطر حتى تصل البويضة، وفي أثناء هذه الرحلة الشاقة الهادرة تموت ملايين الحيوانات المنوية، ولا يصل إلى البويضة إلا عشرات الألوف.
وهناك على ذلك الجدار تقف هذه الحيوانات تنتظر أن يؤذن لها بالدخول، وتتحرك يد القدرة الإلهية المبدعة فتبرز كوة في جدار البويضة أمام حيوان منوي، قد اختارته الإرادة الإلهية ليلقح تلك الدرة المكنونة، ويلج الحيوان المنوي سريعًا إلى هذه الكوة والفرجة ليقف وجهًا لوجه أمام البويضة، وهناك يفضي لها بمكنون سره، ويعطيها أسرار الوراثة، وتعطيه، ويتحدان ليكونا النطفة الأمشاج التي يخلق الله -سبحانه وتعالى- منها الإنسان كاملًا.
- مستوى الأنسجة والأعضاء:
وإذا ارتفعنا من مستوى الصبغيات -الكروموسومات- والخلايا إلى مستوى الأنسجة والأعضاء، وجدنا الفروق الهائلة الواضحة لكل ذي عينين بين الذكورة والأنوثة؛ فعضلات الفتى مشدودة قوية، وهو عريض المنكبين، واسع الصدر، ضيق البطن، صغير الحوض نسبيًا، لا أرداف له، ولا عجز كبير، يتوزع الدهن في جسمه توزيعًا عادلًا، وطبقة الدهن في الغالب الأعم محدودة بسيطة، وينمو شعر العانة متجهًا إلى السرة، كما ينمو شعر عذاريه، وينمو شعر ذقنه وشاربه، ويغلظ صوته ويصبح أجشًا، بينما نجد عضلات الفتاة رقيقة ومكسوة بطبقة دهنية تكسب الجسم استدارة وامتلاء مرغوب فيه، خاليًا من الحفر والنتوءات الواضحة المتعاقبة التي لا ترتاح العين لرؤيتها.
كما يقول أستاذ علم التشريح الدكتور شفيق عبد الملك في كتابه "مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء"، ويواصل الدكتور شفيق كلامه فيقول: ولا تقتصر هذه الطبقة الدهنية على استدارة الجسم، وستر ما يعتوره من حفر أو نتوءات، بل إن بعض المناطق الخاصة تحظى بنصيب وافر منها، مثل: الثديين اللذين يكبران ويستديران ويتخذ كل منهما شكل نصف كرة، وكذلك منطقة الزهرة، والأليتان، وكما يستدير الفخذان، وغيرهما من مواضع خاصة.
ويتسع الحوض متخذًا شكلًا مناسبًا، يتفق مع العمل الذي خصص له، ويكتمل نمو أعضاء التناسل الباطنة كالرحم والمبيض الذي يقوم بعملية الأبياض السابقة للطمث، وكذلك الأعضاء التناسلية الظاهرة كالمشفرين الكبيرين، ويتخذ كل منهما شكله، وحجمه، وقوامه، وبنيانه، وموضعه في البالغ، ويظهر في منطقة الزهرة والإبطين، وينعم الصوت بعد أن كان مصبوغًا بصبغة الطفولة.
وغرض كل هذه التغيرات في الفتاة اكتساب جمال المنظر، ورشاقة القوام، ونضارة الطلعة مما يتفق مع حسن، ونعومة، ونضارة الأنوثة، وكلها عوامل قوية للإغراء" أ. هـ.
وتختلف الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة اختلافًا يعرفه كل إنسان؛ فللمرأة رحم منوط به الحمل، فإن لم يكن حمل فدورة شهرية، وطمث (حيض) حتى تحمل، أو تتوقف الحياة الجنسية للمرأة، وللمرأة أثداء لها وظيفة جمالية، كما لها وظيفة تغذية الطفل منذ ولادته إلى فطامه بأحسن وأنظف وأليق غذاء، ليس هذا فحسب، ولكن تركيب العظام يختلف في الرجل عن المرأة في القوة والمتانة، وفي الضيق والسعة، وفي الشكل والزاوية.
وإذا نظرنا لحوض المرأة مثلًا وجدناه يختلف عن حوض الرجل اختلافًا كبيرًا، يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح ما يلي:
"يمتاز حوض السيدة عن حوض الرجل بالنسبة لقيامه بوظيفة هامة إضافية، تتطلب منه بعض الضروريات اللازمة التي لا يحتاج إليها حوض الرجل، فنمو الجنين في الحوض وطرق تغذيته، وحفظه، ثم مروره بتجويف الحوض، ومن مخرجه وقت الولادة مما يستلزم بعض التغييرات والتعديلات التي يسهل معها إتمام الولادة بالنسبة للأم والطفل، وتنحصر كل هذه التغييرات في أن يكون تجويف حوض السيدة أوسع وأقصر.
وأن تكون عظامه أرق، وأقل خشونة، وأبسط تضاريسًا"، ثم يذكر الدكتور (١٩) فرقًا بين حوض الرجل والمرأة ينبغي على طالب الطب أن يحفظها ويعيها، ويختم ذلك بقوله: "وأن تكون رقة العظام ونعومتها وبساطة تضاريسها وصغر شوكاتها وقلة حفر غورها ظاهرة جلية في أكثر عظام الهيكل في المرأة، غير أنها تتجلى بأوضح شكل في عظام الحوض للأنثى، التي بلا نزاع تشارك صفات عظام الهيكل الأخرى بقسط وافر في صفاتها المميزة للأنوثة، زيادة على تكيفها النوعي الخاص بما يناسب ما يتطلب منها القيام بعمل تنفرد به دون غيرها من عظام الهيكل" أ هـ.
وخلاصة القول إن أعضاء المرأة الظاهرة والخفية، وعضلاتها، وعظامها تختلف إلى حد كبير عن تركيب أعضاء الرجل الظاهرة والخفية، كما تختلف عضلاته وعظامه في شدتها وقوة تحملها.
وليس هذا البناء الهيكلي والعضوي والمختلف عبثًا، فليس في جسم الإنسان ولا في الكون شيء إلا وله حكمة سواء علمناها، أم جهلناها، وما أكثر ما نجهل، وأقل ما نعلم.
والحكمة في الاختلاف البين في التركيب التشريحي والوظيفي (الفسيولوجي) بين الرجل والمرأة هو أن هيكل الرجل قد بني ليخرج إلى ميدان العمل ليكدح، ويكافح، وتبقى المرأة في المنزل تؤدي وظيفتها العظيمة، التي أناطها الله بها، وهي الحمل والولادة، وتربية الأطفال، وتهيئة عش الزوجية؛ حتى يسكن إليها الرجل عند عودته من خارج المنزل.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: ٢١).
والفرق تراه في الرجل البالغ والمرأة البالغة كما تراه في الحيوان المنوي والبويضة، البويضة ساكنة هادئة لا تتحرك إلا بمقدار، وعليها التاج المشع، والحيوان المنوي صاروخ مصفح، وقذيفة تنطلق عبر المخاطر والمفاوز لتفوز بغرضها وغايتها، أو تموت، ليس ذلك فحسب، بل ترى الفرق في كل خلية من خلايا المرأة، وفي كل خلية من خلايا الرجل، تراه في الدم، والعظام، تراه في الجهاز التناسلي، تراه في الجهاز العضلي، وتراه في اختلاف الهرمونات: هرمونات الذكورة، وهرمونات الأنوثة، وتراه بعد هذا وذاك في الاختلاف النفسي بين أقدام الرجل، وصلابته، وخفر المرأة ودلالها.
وإذا أردنا أن نقلب الموازين، وكم من موازين قد قلبناها فإننا نصادم بذاك الفطرة التي فطرنا الله عليها، ونصادم التكوين البيولوجي والنفسي الذي خلقنا الله عليه.
وتكون نتيجة مصادمة الفطرة، وتجاهل التكوين النفسي والجسدي للمرأة وبالًا على المرأة، وعلى المجتمع، وسنة الله ماضية.
﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: ٦٢).
﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ (فاطر: ٤٣).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل