العنوان خط الأحداث «الساخنة» في العالم اليوم يأخذ بُعدين
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 23-يناير-1979
مشاهدات 23
نشر في العدد 429
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 23-يناير-1979
□ بُعد عالمي يتمثل في المواجهة الساخنة بين المعسكرين الشرقي والغربي في عدة مناطق هامة في العالم إلى الحد الذي أعطى قمة «غواديوب» (اللقاء الأوروبي- الأمريكي) أهمية كبرى تم فيها دراسة انعكاسات الأحداث في تلك المناطق على المصالح الغربية، فمن الخشية من تحرك «الدب الروسي» بانفعال مدمر تحت تأثير الوخز الذي تمارسه الولايات المتحدة عليه خصوصًا فيما يتعلق باعتراف الولايات المتحدة ببكين وتصاعد الخلاف الفيتنامي- الكمبودي الذي يخفي خلفه صراعًا روسيًّا- صينيًّا، إلى التخوف من نقص الإمدادات النفطية بسبب الحالة غير المستقرة في الدول النفطية وخاصة الإسلامية منها، إلى القلق من احتمال توقف مباحثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية.
□ بُعد إسلامي عربي يتمثل في تطور الأحداث بصورة سريعة وخطيرة في آن واحد، فمن توقيع معاهدة «كامب ديفيد» وما أحدثته من انقسام للصف العربي إلى مساندة الولايات المتحدة ومعارض لها مما صعّد الخلاف المصري السوداني- الليبي من جهة والخلاف اليمني الشمالي- واليمني الجنوبي من جهة أخرى إلى إعادة قضية الصحراء المغربية إلى الأذهان مرة أخرى وتصاعد أحداث جنوب لبنان، إلى الاضطرابات الخطيرة في إيران وتركيا وأفغانستان وما تحمله من معنى المواجهة السوفيتية- الأمريكية المقنعة لاقتسام مناطق النفوذ في هذه المنطقة من العالم التي تعتبر قلب الكرة الأرضية النابض.
حتى رحيل الشاه الأخير من إيران في الآونة الأخيرة يبدو وكأنه يشير إلى شيء ما فهو يخرج من الأرض التي أراد لها «المخططون» أن تلتهب يزور ويتشاور مع رؤساء الدول التي أراد لها «المخططون» أن تستكين وتخضع لأكذوبة «السلام» تحت المظلة الأمريكية.
«دلالات الأحداث»
لا شك أن هذين البعدين للأحداث مؤشر أكيد على أنها تسير في خط مرسوم له دلالات معينة يتحتم علينا أن نحاول فهمها ومن ثم العمل على مواجهتها أو رسم التصورات السليمة للحد من أثرها بعيدًا عن الانفعالات غير المدروسة أو التي تدرس على يد مدرس أمريكي أو روسي ...!
• فالبعد العالمي للأحداث يبدو وكأنه يهيئ الرأي العام العالمي لحدث ما قد يكون خطيرًا كحرب عالمية ثالثة أو أنه إخافة للرأي العام من أصوات قعقعة السلاح التي تُسمع في كل مكان لتمرير أمر ما له أبعاده على العالم كاقتسام نهائي لمناطق النفوذ بين المعسكرين الشرقي والغربي كبديل مؤقت للمواجهة العسكرية يتيح للاستعمار فرصة أكبر لنهب ثروات العالم في جو مستقر نوعًا ما ويتيح للدولة اليهودية في فلسطين أن تنمو وتكبر مستفيدة من هذا الهدوء العالمي ومن دلالات الأحداث في عالمنا العربي الإسلامي.
• أما البعد الإسلامي العربي للأحداث فيحمل دلالات خطيرة يمكننا إجمالها فيما يلي:
أولًا: إلهاء المنطقة الإسلامية (العربية على وجه الخصوص) بالفتن الطائفية حيث إن المستعمر يعلم أن من مقاتل الأمة الإسلامية أن تثار فيها الفتن الطائفية التي إن اشتعلت فهي صعبة الإخماد.
بالنظر إلى الخريطة العربية نجد أنها تنقسم إلى قسمين: قسم يضم الدول التي من السهل إثارة الفتن الطائفية فيها وهي التي تشكل مظهر المساند لدول المواجهة مع العدو الصهيوني كالعراق ودول الجزيرة والخليج، وقسم يضم الدول التي لا تطالها الفتن الطائفية كمصر والسودان والمغرب العربي، وهذه تكاد تكون مستسلمة للحلول السلمية، بل وتعتبر نقط ارتكاز الخط الأمريكي المساند للصهيونية في الوطن العربي.
فهل يراد يا ترى توفير جو من الهدوء لإسرائيل في غمرة إشغال العالم العربي بين فتن طائفية واستسلام الخط الأمريكي؟
إذن فلا بد أن نتحقق مليًّا من جواب هذا السؤال وأن نعمل على إحباط هذين العنصرين (الفتن والاستسلام) ليتسنى لنا مواجهة العدو المشترك والاستفادة من ظرف حاجة المعسكرين الشرقي والغربي لثرواتنا وموقعنا الإستراتيجي في العالم.
ثانيًا: احتمال تحرك الفئات اليسارية واستعادة نشاطها لتكون مصدر إشعال الفتن مستغلة عدة ظروف مواتية:
أولها: ظرف التقارب الأوربي والصيني، وهذه بالطبع يستفيد منها الموالون للصين.
ثانيها: ظرف فقدان ثقة الأنظمة للحماية الأمريكية وخصوصًا بعد تخلي الولايات المتحدة عن الشاه مما يضطر الأنظمة لفتح باب الحوار مع الاتحاد السوفيتي كنوع من صنع توازن يضمن لهم استجلاب الحماية الأمريكية مرة أخرى.
ثالثها: ظرف التعاون الطبقي لكبت الحريات الذي صنعته السياسات السابقة واحتمال تأثر باقي الشعوب العربية والإسلامية التي تعيش نفس ظروف الإيرانيين بالثورة الإيرانية على الظلم والفساد ... إلخ.
رابعها: ركوب المد الديني واستغلال خوف الأنظمة من تصاعد المد الإسلامي تحت تأثير الدعاية والتضخم التي تشنها الصحف الغربية الموثوقة سياسيًّا ضد المد الإسلامي.
كل هذه الأسباب مجتمعة قد تضع احتمالًا لا بأس به بتحرك اليساريين مما يجعلنا نتساءل:
ترى هل يُراد الاستفادة من احتمال تحرك اليساريين لإثارة البلبلة والفوضى والاضطراب في الدول الإسلامية مرة أخرى لإلهاء الشعوب، خصوصًا وأن موقف اليسار بين المتخاذل نسبيًّا من القضية الفلسطينية له أثر كبير في عدم خشية اليهود من تعكر جو الهدوء الذي قد تصنعه لهم الأحداث الحالية؟.
ثالثًا: الدلالة التي نستنتجها من الأحداث أن العمل جار لضرب الإسلام الذي بدأ بالكاد يصحو في نفوس المسلمين بعد أن سئموا الحلول الشرقية والغربية لما هم فيه من تعاسة وذل، وذلك عن طريقين:
• قرن التوجه الإسلامي لدى الشعوب الإسلامية بالفتن الطائفية والمذهبية؛ مما يعطي انطباعًا سيئًا عن حتمية الحل الإسلامي لمشاكل الأمة الإسلامية وقضاياها الهامة.
• تخويف الأنظمة من المد الإسلامي والحركات الإسلامية عن طرق تضخم أثرها إعلاميًّا وتحميلها نتائج ما يحدث في إيران وتركيا والمناطق التي قد تثور فيها الفتن؛ مما يخلق فجوة وهوة بين الحكومات وبين تفهم مقاصد الإسلام من إشاعة جو من العدل والرحمة والعزة والكرامة وإشاعة مفاهيم العقيدة الإسلامية التي تنقذ الناس مما هم فيه من تذبذب وقلق وتقضي على داء الفساد الذي بات يرهق الشعوب ويقلق ضمائرها مما يقلل من فرص التلاحم بين الحكام والمحكومين لتفويت الفرص على المستعمرين، «وحتى لا تسهم هذه الحركات الإسلامية في صنع الأحداث»، على حد قول الواشنطن بوست نقلًا عن البيت الأبيض الأمريكي الذي أمر رئيسه كارتر وكالات المخابرات المركزية بجمع معلومات دقيقة عن الحركات الدينية الإسلامية... الآن كارتر يعلم ما هي الأحداث التي يمكن أن يصنعها الإسلام في حال وجود حاكم يدعمه.
فهل يا ترى تعي الحكومات لأبعاد الخطر الذي تواجهه في حيال انسياقها وراء رغبة الغرب في القضاء على الإسلام الذي بدأ يصحو في نفوس المسلمين؟
وهل يا ترى نستطيع أن نعي نحن المسلمون أننا نحن المستهدفون لكل ما يجري من حولنا وأننا الخاسر الوحيد من تطورات الأحداث ودلالاتها من جوانبها الثلاثة؟
وهل نستطيع أن نبدأ الآن (وخصوصًا في منطقة الخليج والجزيرة) أن نبدأ عهدًا جديدًا يكون هدفنا الوحيد فيه حماية منطقتنا عن طريق التلاحم بين الحكام والمحكومين على أساس يرضي الطرفين ألا وهو الإسلام؟
وهل تكون الأحداث منبهًا لنا إلى ضرورة الحفاظ على المنطقة عن طريق الإسلام وليس عن طريق ضرب الإسلام أو مخادعته والتودد مرة أخرى للقوى الشرقية والغربية؟ نرجو ذلك ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ (محمد: 7) ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ (المجادلة: 21).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل