العنوان خلافات الكنيسة تؤزم العلاقات بين اليونان وتركيا
الكاتب شادي الأيوبي
تاريخ النشر السبت 20-ديسمبر-2003
مشاهدات 27
نشر في العدد 1581
نشر في الصفحة 38
السبت 20-ديسمبر-2003
تازمت العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية من جهة والكنيسة الأرثوذكسية التركية من جهة أخرى في الفترة الأخيرة بشكل كبير، ووصل الخلاف حد المهاترات والتهجم عبر وسائل الإعلام، وامتد ليشمل جهات غير كنسية، حتى إن بطريرك أثينا وسائر أنحاء اليونان وصف الأتراك في إحدى مواعظه بـ البرابرة الذين يحاولون دخول العالم الأوروبي المسيحي المتحضر، مما عرضه لانتقادات شديدة في كلا البلدين. ورغم أن البطريرك سارع إلى تصحيح تصريحاته فإن الأزمة كانت قد وصلت بين الكنيستين إلى حد جعل الكثيرين يطالبون بتدخل رسمي لاحتوائها وإيجاد علاقة متوازنة بين رأسي الأرثوذوكسية.
التعيينات فجرت الخلافات وكانت التعيينات لعدد من أساقفة المناطق اليونانية قد فجرت الخلاف بين بطريرك أثينا خريستوذولوس والبطريرك المسكوني في أنقرة «فرثوماليوس، حيث يعتبر الأخير أن الكنيسة اليونانية تخطت صلاحياتها التي لا تخولها تعيين رتب كنسية عليا في مناطق معينة من اليونان تتبع كنسيًا للبطريرك المسكوني.
الأزمة الأخيرة ليست الأولى بين الكنيستين فالعلاقات بينهما كانت تاريخيًا محل شد وجذب
وتوتر، حيث كانت المناطق اليونانية منذ قرون المسيحية الأولى تتبع كنسيًا بطريركية أنقرة إلى حين إنشاء اليونان كدولة مستقلة في العشرينيات من القرن الماضي حيث انفصلت بعض الأبرشيات اليونانية واستقلت بذاتها، الأمر الذي لم يقبله البطريرك المسكوني بسهولة ولم يكن ثمة اعتراف صريح منه بهذا الانشقاق لكن الظروف لم تكن تسمح له بأن يمنع أو يغير.
وهكذا ما إن انتصف القرن الماضي حتى كانت الكنيستان في وضع معقد وعلاقات غير مستقرة، فبطريركية أثينا تتقاطع وتتجاور مع أبرشيات تابعة رسميًا للبطريرك المسكوني في تركيا مما يعني عمليًا عدم أحقية بطريرك أثينا ومن يتبعه بزيارة أي من تلك الأبرشيات رسميًا دون دعوة رسمية وإذن من البطريرك المسكوني وكذلك الأمر بالنسبة للأبرشيات التابعة للبطريرك المسكوني فقد كان رعاتها بحاجة إلى إذن رسمي من بطريركية أثينا ليقوموا بزيارات رسمية للأبرشيات التابعة لها، وكانت الوقائع والاحتكاكات اليومية تزيد من الضيق الذي يشعر به رجال الكنيسة من هذه الحالة الشادة، وكان رجال البطريركية في أثينا بشكل خاص يتوقون إلى التخلص من هيمنة البطريركية المسكونية والاستقلال بشؤون كنيستهم، لكن ذلك لم يكن سهلًا لأن البطريرك المسكوني الذي يقيم في أنقرة وسط أكثرية مسلمة كان يعتبر أبرشيات اليونان. امتدادًا ضروريًا له إذ لو انتزعت منه لما بقي له عمليا أي مناطق ذات أهمية الأمر الذي كانت تدركه بطريركية أثينا، لكن مطالبها وسعيها للاستقلالية التامة لم تتوقف يومًا من الأيام.
وهكذا بموجب الاتفاقيات المنظمة للعلاقات بين الكنيستين، كانت كنيسة أثينا ترشح الرهبان الذين سيتولون المهام الكنسية للمناطق التابعة للبطريرك المسكوني، دون أن يحق لها المساهمة في الاختيار وكانت هذه النقطة من أهم ما يزعج بطريركية أثينا مما حدا بها إلى التصريح أخيرًا برغبتها في تعيين رعاة لتلك المناطق دون الرجوع إلى البطريرك المسكوني.
وصف الأتراك بالبرابرة لم يكن مقصودًا لذاته
ويبدو أن بطريرك أثينا ندم على إحدى تصريحاته التي أعرب فيها عن استعداده الزيارة أنقرة لحل الخلافات بين الكنيستين وأراد أن يخلق سببًا كافيًا للتراجع عن الزيارة فعمد إلى تصريحاته النارية، واصفًا الأتراك بأنهم أمة من البرابرة التي تسعى إلى دخول الحظيرة الأوروبية المسيحية، مشيرًا إلى أنه لا مكان للبرابرة في أوروبا.
وهكذا تملص خريستوذولوس من زيارة أنقرةالتي يبدو أنها لم تكن تنسجم مع رغبته بالتصعيد مع البطريرك المسكوني، فقد صار شخصًا غير مرغوب به لدى الأتراك.
ورأى بعض المراقبين أن خريستوذولوس هدف من خلال تصريحاته تلك إلى أمور منها:
إحراج موقف البطريرك المسكوني الذي سبق أن دعا في مناسبات عديدة إلى تسريع عجلة اندماج تركيا في الاتحاد الأوروبي.
إحراج الحكومة بهدف دفعها إلى مساندته في نزاعه مع البطريرك المسكوني سيما أنها تعيش فترة حرجة تحتاج فيها إلى هدوء سياسي مع استعدادها لانتخابات العام القادم التشريعية ومع قرب بدء الألعاب الأولمبية.
الظهور بمظهر القائد الشعبي الذي يتجرأ على قول ما لا يستطيع أهل السياسة التصريح به، وهذاالموقف ربما دفعه إليه بعض معاونيه. اندماج تركيا في أوروبا لن يكون بأي حال في. صالح بطريرك أثينا لأنه سيعزز من مكانة البطريرك المسكوني تجاهه، حيث سيتمتع بمقدار أكبر من حرية الحركة والتعبير كمواطن أوروبي - الأمر الذي يتمتع به خريستوذولوس اليوم، وستزداد صلاحياته على الأبرشيات الأرثوذوكسية المشمولة بقانون البلاد الجديدة الكنسي لتشمل الصلاحيات الإدارية إضافة إلى الصلاحيات الروحية التي يتمتع بها اليوم.
وكذلك فقد جعلت تصريحات خريستوذولوس النارية، من محاولات بعض معاونيه تدبير لقاء بينه وبين البطريرك المسكوني شبه مستحيلة، وقد صرح عدد من هؤلاء أنه يحرق أوراقه بنفسه متصورًا أنه أصبح قائدًا عامًا للشعب اليوناني، بينما عبرت جهات في البطريركية المسكونية أن الكثيرين سوف ينقلبون ضده بعد تلك التصريحات، وهو بالفعل ما جرى.
وأعربت تلك الجهات عن يقينها أن بطريرك أثينا لا يمكنه التراجع عن أقواله ومواقفه الراهنة. وأنه سيحاول فعل المستحيل لدعمها وإمضاء ما نوى القيام به من انتخابات للأبرشيات اليونانية بشكل مستقل، وأضافت أن السهم قد انطلق من القوس ولا يمكن استعادته، غير مستبعدة حدوث تطورات متلاحقة بعد فترة الأعياد الكنسية القادمة
ومهددة بأن عقوبات كنسية ستقع بالجملة، ويبدو أن خريستوذولوس، يسعى لاستباق الأحداث لتثبيت وضع مغاير للوضع الحالي خوفًا
من أن تؤثر الأحداث فيما بعد على طموحاته، لكن مهمته لن تكون بهذه البساطة خصوصًا أنه بدا بمظهر المهاجم المتهور في وجه فرثوماليوس الذي احتفظ بشيء من اتزانه ولم ينجر إلى المهاترات العنيفة، على أن الكلمة الأخيرة والمرجحة لإحدى كفتي النزاع تتداخل فيها عوامل وقوى عديدة، مما يجعل الطريق طويلًا أمام الرجلين ومستحيلًا أمام الوسطاء والمهدئين .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل