العنوان خواطر حول خطاب سمو ولي العهد
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مايو-1972
مشاهدات 22
نشر في 101
نشر في الصفحة 5
الثلاثاء 23-مايو-1972
خواطر حول خطاب سمو ولي العهد
أثار خطاب سمو ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء؛ خواطر شتى حول ملامح المجتمع الكويتي وطبيعته والهوية الحضارية التي يقوم عليهـا بناؤه وعلاقاته وحركته.
لقد جاء في الخطاب أن الكويت قد ساهم في بنائها وحمايتها الشعب الكويتي بأسره، ممثلًا في فئاته الأساسية الثلاث: أبناء البادية، والعمال، والتجار، وإن على الذين يعملون هذه الأيام لبث الفرقة في مجتمعنا أن يذكروا أن هذه الفئات الثلاث ساهمت في بناء البلاد، ويجب علينا أن نؤمن بأن صمود الكويت أمام كل ما واجهته من مشاكل ومصاعب؛ إنما هو راجع إلى إيماننا بوطننا وإيماننا بوحدتنا وتكاتف بعضنا بعضًا؛ مما ألف بين قلوبنا، وجعل منا تلك القوة التي استطاعت التغلب على جميع الصعاب وفي أحلك الظروف وقال سموه: «إنه لمما يحز في النفس ما نسمعه هذه الأيام من نغمات غريبة تمس وحدتنا الوطنية، وتسعى إلى إشاعة الفرقة في صفوف شعبنا الواحد، هادفه إلي تجزئته إلى فئات متنافرة وأحزاب متناحرة؛ فهذا تاجر، وذاك عامل، وهذا يميني، وذلك يساري، إلى آخر تلك التسميات والتجزئات التي ما ابتلي بها مجتمع إلا مزقته، وقضت على وحدته وتماسكه، ولقد عاش شعبنا مر الحياة وحلوها أسرة واحدة تشدها عرى وثقى من التراحم والتكافل»
ولعلنا اليوم في أمس الحاجة لأن نحدد المرحلة الفاصلة والعوامل المسؤولة التي أثرت في علاقات المجتمع الكويتي الذي كان أسرة واحدة في ظروف الحياة الحلوة والمرة تشده عرى التراحم والتكافل، ثم أخذت المحاولات اللامسؤولة تحوله إلى مجتمع متصارع متمزق تشيع فيه تلك «النغمات الغريبة» من شعارات اليمين، واليسار، والصراع الطبقي بين الرأسمالية والبروليتاريا وبين القومية العربية والقومية المحلية وحركة الثورة العالمية!! والذي يعنينا هنا أعمق مما تناولته التعليقات البسيطة: كيف تحولت علاقة التكافل والتراحم بين فئات الشعب المختلفة إلى علاقة صراع حاقد وإلى روح خصام عدائية. لماذا اختفت روح الوحدة والأخوة والتكاتف، وحلت روح التنافر والشقاق؟
● قبل أن يطغى الغزو الحضاري الغربي على مجتمعاتنا، ويحمل معه أمراض المجتمع الغربي السياسية والاجتماعية، كان الناس أمة واحدة، أمة اكتملت عناصر وحدتها القومية ومقوماتها كما لم تكتمل لأي أمة أخرى على ظهر الأرض.. لها رب واحد، ونبي، واحد، ودين يوحد فكرها وسلوكها وعاداتها، أمة لها تاريخ حضاري أصيل وراق، ولها رسالة مقدسة للإنسانية كلها ودور قيادي خطير للرحمة والهداية تؤديه بكل تفان، وتجاهد في سبيله حتى النهاية.
مجتمع التكافل والتراحم الذي أشار إليه خطاب سمو ولي العهد لم يكن إلا نتاجًا طيبًا للصياغة الأخلاقية التي صاغ الدين الإسلامي مجتمعنا على قواعدها، لقد علم الدين أفرادنا أن يحبوا بعضهـم، ويتعاونوا، ويتكافلوا، وبنى المجتمع على قواعد الأسرة، وحقوق الجيرة، وفعل الخيـر، وإيثارالخلق على الكسب المادي، وعلمنا أننا أمة واحدة بأغنيائنا وفقرائنا نتعاون ونتعامل بالقسط والعدل؛ وفق شريعة الله وعدله، وليس وفقًا لتشريعات الرأسماليين أو الحزب الحاكم.
يومها كنا نعرف أننا مجتمع واحد وأمة واحدة «أمة محمد -صلى الله عليه وسلم» وإنه علينا أن نحب بعضنا، ونعاون أولى القربى والجيران والفقراء والمساكين، كان أغنياؤنا لا يظلمون الفقراء، بل يرحمونهم ولم يكن الفقراء بالتالي يحقدون على الأغنياء، لم يكن هناك عملاء لمعسكر، وأولياء لمعسكر آخر، لكن الفكر كان واحدًا وكان حقًا وكان الالتزام به واجبًا مقدسًا وعبادة وتقوى، وكان الولاء لله وحده لا نتخذ من دونه وليًا ولا نصيرًا.
أما روح التطاحن السياسي والطبقي وتالتالي الخصومة الفاجرة التي تلوث علاقاتنا.. وعلاقة القسوة من جانب والحق من الجانب الآخر.. هذه كلها ليست ظواهر أصيلة تنبع من حضارتنا وديننا الذي غفلنا عن تعاليمه؛ ولكنها صورة طبـق الأصل لروح الحضارة الغربية الخاوية، وصورة طبق الأصل لمظاهرها؛ الخلقية، والاجتماعية، والنفسية، من هناك جاء تقسيم الأمة إلى يمين ويسار، وجاءت الماركسية والصراع الطبقي، وجاءت الرأسمالية وديمقراطيتها ومظالمها، وجاء انحلال الأسرة و «ميكانيكية العلاقات» المفتقرة لروح الحب والتراحم والتكافل وهذه مصطلحات غير معروفة في قاموس الحضارة الغربية، إنها مصطلحات ربانية جاءت في نصوص الدين، وعاشت في واقع مجتمعه الإسلامي.
وإذا وضعنا النقط فـوق الحروف فإن إيماننا بالله قبل كل شيء هو الذي علمنا أن نتحد، ونتكاتف، ونتراحم؛ وهو وحده الذي ألف بين قلوبنا، قال تعالى: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ﴾ (الأنفال: 63).
﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103).
ولا يوجد مجتمع من المجتمعات يخلو من الصراع «بكافة أشكاله» ما دام هناك ظلـم وجاهلية، والالتزام الحقيقي بالإسلام هو الطريق الوحيد لتطهير المجتمع والقضاء على التباغض والتمزق الداخلى؛ وهو الطريق الوحيد لوحدة متينة وعميقة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
برقية جمعية الإصلاح الاجتماعي إلى مؤتمر وزراء التربية العرب في ليبيا
نشر في العدد 3
113
الثلاثاء 31-مارس-1970