; دراسات في السيرة (الحلقة العاشرة) | مجلة المجتمع

العنوان دراسات في السيرة (الحلقة العاشرة)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 12-نوفمبر-1974

مشاهدات 11

نشر في العدد 225

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 12-نوفمبر-1974

دور المستشرقين في محاولات تشويه السيرة.. والمستغربون دخلوا وراء أساتذتهم جحر الضب!! 

رأينا في الحلقة السابقة قوة الأدلة الواردة في توثيق «ابن إسحاق» ومن سبقه من علماء الحديث والسير، ومبلغ عناية المسلمين في تحقيق الروايات التي لها علاقة في هذا الفن من العلوم، وزيادة في الحذر ندرس كل رواية-يذكرها ابن إسحاق أو غيره- من حيث سندها ومتنها ولا نأخذ إلا ما كان صحيحًا أو حسنًا، ذلك لأن السيرة يقوم على معظم رواياتها أحكام شرعية، ولا يجوز أن نبني أحكامًا على أقوال ضعيفة لا تثبت أمام النقد العلمي. وبعد هذه الصورة المشرقة من جهود سلفنا الصالح- رضوان الله عليهم - في تدوين السيرة، نأتي إلى عرض صورة مظلمة ليس فيها بصيص من نور تلك هي: 

دور المستشرقين في تشويه السيرة: 

ناصب اليهود والنصارى الدعوة الإسلامية العداء منذ أيامها الأولى، وأكل الحقد قلوبهم وهم يرون قيام دولة الإسلام في المدينة، واستنفدوا كل مكائدهم في حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته، وما فتئوا في حربهم التي أعلنوها قبل أربعة عشر قرنًا تارة بالدس والوقيعة وتارة بالبطش والتنكيل، ولم يخمد أوار هذه الحرب في يوم من الأيام. ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ (البقرة:120) 

عندما فشل النصارى في حروبهم الصليبية، واحتلالهم العسكري لبلاد المسلمين لجأوا الى ما سموه «البحث العلمي»، وحرية النقد تحت شعار الموضوعية وهم أبعد الناس عن الموضوعية والمنهج العلمي، ومن منطلق الكذب والدس والافتراء، قام المبشرون والمستشرقون وبدأوا أعمالهم عن طريق عدد من الرهبان الغربيين الذين قصدوا الأندلس إبان عظمتها ومجدها وتثقفوا في مدارسها وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم وتتلمذوا على علماء المسلمين. 

ومن هؤلاء الراهب الفرنسي «جربرت» الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام ٩٩٩م، وبطرس المحترم وجيرار دي ریمون. 

وفي عام ۱۸۷۳ عقد أول مؤتمر المستشرقين في باريس، ثم تتالت المؤتمرات وتطور الاستشراق حتى أخذ شكله الحديث في هذا العصر (1)

فالمستشرقون إذن: علماء غربيون من اليهود والنصارى انصرفوا إلى دراسة الحضارة الإسلامية والآداب العربية، وإذا علمنا أن معظم المستشرقين من الرهبان المتطرفين، اتضح لنا أن غرضهم من هذه الدراسة، تشويه الإسلام وطمس محاسنه، وتحريف حقائقه، وهذا إلى جانب الدوافع الاستعمارية والسياسية. 

وعن هذه الأهداف المشبوهة يحدثنا «براون» فيقول:

«إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السود، وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوروبية، لذلك كان التبشير عاملًا مهما في كسر شوكة هذه الحركات. ذلك لأن التبشير يعمل على إظهار الأوروبيين في نور جديد جذاب، وعلى سلب الحركة الإسلامية من عنصر القوة والتمركز فيها (2). 

وتقول مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية: «إن شيئًا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي. ولهذا الخوف أسباب منها: إن الإسلام منذ أن ظهر بين مكة لم يضعف عدديًا، بل دائمًا في ازدياد واتساع. 

ثم إن الإسلام ليس دينًا فحسب، بل إن من أركانه الجهاد. ولم يتفق قط أن شعبًا دخل في الإسلام ثم عاد نصرانيًا». 

ويقول لورانس براون: «إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرًا، وأمكن أن يصبحوا نعمة له أيضًا. أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير» (3). 

فلورانس يريد استمرار فرقة المسلمين، حتى لو كان اتحادهم منفعة لأنه لا يستطيع أن يراهم إلا وهم فاقدو القوة والتأثير. 

ولهذا الغرض اهتم المستشرقون بدراسة السيرة وألفوا في ذلك الكتب التي أصبحت المرجع الأول للمستغربين العرب الذين أعمى الله أبصارهم، وعادوا من ديار الغرب ليترجموا لنا أقوال زويمر وبروكلمان وموير ومستر مرجوليوث، ثم طبعوا الكتب المترجمة وادعوا أنهم هم الذين ألفوها. ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج:46). 

ومن أهم ما كتبه المستشرقون في السيرة: ● موسوعة دائرة المعارف الإسلامية. ● موسوعة دراسة في التاريخ - أرنولد توينبي. ● »حياة محمد» من تأليف سير وليام موير. ● »الإسلام» من تأليف ألفرد جيوم. ● »الإسلام» من تأليف هنري لامنس. ● »تاريخ العرب» من تأليف فيليب حتي وظهر بالإنجليزية والعربية. ● »طريق الإسلام» ظهر بالإنجليزية وترجم إلى العربية من تأليف جماعة من المستشرقين اشترك في تأليفه ونشره جب. ● »محمد ومطلع الإسلام» بالإنجليزية من تأليف مرجوليوث ● »دراسات في تاريخ الثقافة الإسلامية» من تأليف ج. فون جروبناوم. ● «التطورات المبكرة في الإسلام» من تأليف مرجوليوث ● »مصادر تاريخ القرآن» بالإنجليزية من تأليف آرثر جيفري. 

ومن المجلات التبشيرية الدورية مجلة العالم الإسلامي التي تصدر بالإنجليزية، وأخرى بالفرنسية، ومجلة جمعية الدراسات الشرقية، ومجلة شؤون الشرق الأوسط التي تصدر بالإنجليزية في أمريكا (4). 

وسوف ننقل في هذه الحلقة آراء بعض المستشرقين، وليس بالإمكان تقصي كل ما كتبوه، وحسبنا في ذلك أمثلة متنوعة تبين بعدهم عن المنهج العلمي والأمانة التاريخية.. وكثيرًا ما ننقل الرأي دون أن نرد عليه لأسباب منها: لقد سبقنا فحول من العلماء تصدوا لرد هذه الآراء منهم محمد رشيد رضا في كتابه النفيس «الوحي المحمدي»، وبعضها نرد عليه مستقبلًا عندما نشرع في دراسة السيرة إن شاء الله، ومعظم آراء المستشرقين متهافتة وليست إلا شتائم ساقطة للرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم والإسلام. ونكتفي بنقل هذه الشتائم لندلل على أخلاقهم وآدابهم فيما سموه بالبحث العلمي. يقول «كيمون» المستشرق الفرنسي في كتابه «باثولوجيا الإسلام»: «إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكًا ذريعًا، بل هي مرض مريع، وشلل عام، وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منهما إلا ليسفك الدماء، ويدمن على معاقرة الخمور ويجمع في القبائح!! وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رءوس المسلمين، ويلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع العامة والذهول العقلي، وتكرار لفظة «الله» إلى ما لا نهاية، على عادات تنقلب إلى طباع أصيلة: ككراهة لحم الخنزير والنبيذ، والموسيقى، وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في اللذات» (5) 

ويقول سفوك هير غار نجه: «يجب أن نقرر أن قيمة محمد منحصرة في سائر ما يميزه عن جميع الهيستيريين» 

ويقول مارجليوث: «إن الباعث على رسالة هذا الرسول هي الشعوذة لا أكثر ولا أقل». وعن سبب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول القس لامانس: «كان محمد ذا شهية قوية جيدة وقد اكتظ جسمه فأصبح مهددًا بداء السكتة القلبية حتى مات» ویری دوزي «أن محمدًا- صلى الله عليه وسلم- كان سوداوي المزاج يلتزم الصمت ويميل إلى العزلة الطويلة» (6). 

ويتحدث مرجوليوث في كتابه «محمد» عن إسلام عثمان- رضي الله عنه- فيقول: إن إسلامه كان بسبب حبه رقية بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يرغب أن يتزوجها فلما بلغه أنها خطبت لغيره حزن وأخبر أبا بكر بما بلغه وصادف مرور رسول الله- صلى الله عليـه وسلم- فأسر أبو بكر كلمات في أذن الرسول وبذلك انتهى الأمر وأسلم عثمان وتزوج رقية» (7). 

ويكفي عرض هذه الشتائم ليدرك القراء منطق المستشرقين في التحقيق العلمي، وهل في مساجد المسلمين أوثان وأصنام؟! وهل كان صلى الله عليه وسلم متهالكًا على اللهو مشعوذًا سوداوي المزاج؟ وهل كان إسلام عثمان بسبب حبه لرقية؟! لم يذكروا لنا أدلة فيما ذهبوا إليه من بحث سوى خيالهم الكاذب، وحقدهم الدفين. اللهم إن ناقل الكفر ليس بكافر.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1ـ الاستشراق والمستشرقون: مصطفى السباعي ص 15 

2 التبشير والاستعمار ص ۳۲ 

3 الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي محمد البهي ص 515 

4 الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي. محمد البهي ص ٥٥٠ 

5 الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي. محمد البهي ص ٥٥٠ 

6 سيرة سيد المرسلين: محمد الحسيني 1/25 

7 محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف محمد رضا ص ۷۹

الرابط المختصر :