العنوان دراسات في السيرة النبوية
الكاتب محمد النايف
تاريخ النشر الثلاثاء 17-سبتمبر-1974
مشاهدات 8
نشر في العدد 218
نشر في الصفحة 26
الثلاثاء 17-سبتمبر-1974
تدوين السيرة النبوية بدأ منذ حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم-
العالم مدين للذين أنشأوا علمي الرجال والحديث
يكتبها النايف
متى بدأ تدوين السيرة؟!
رأينا في الحلقة السابقة: ما هي الفوائد التي نحققها إذا تأسينا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- حقًا، ثم تكلمنا عن أهمية السيرة النبوية في حياة المسلمين ومصادرها فأشرنا للقرآن الكريم وهو المصدر الأول، ثم للأحاديث الصحاح الثابتة في أمهات كتب الحديث، وتحدثنا عن ارتباط علم الحديث بالسيرة ارتباط السوار بالمعصم.
وفي هذه الحلقة نتحدث عن المصدر الثالث من مصادر السيرة: كتب السير والمغازي والتاريخ الإسلامي.
قيض الله رجالًا أمناء يحفظون سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- منذ ولادته حتى وفاته، فكانوا يصاحبونه أثناء حله وترحاله، وينقلون أموره الخاصة والعامة، وماذا يقول في حالة الرضى والغضب، ولأمر أراده الله في أن تكون سيرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واضحة جلية، كان من بين أصحابه الذين نقلوا سيرته، خادمه أنس بن مالك الذي استمر في خدمته عشر سنوات، وزوجه عائشة، وأبو هريرة الذي انصرف لخدمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسماع حديثه، ولم يشغله عن هذا الاختصاص حتى البحث عن الطعام والشراب فعاش مع أهل الصفة، وعبد الله بن مسعود خادم رسول الله الأمين الذي كان يدخل عليه في كل وقت ويمشي معه وكأنه من أهل بيته.
ولا غرابة بعد ذلك أن نعلم حياة رسول- صلى الله عليه وسلم- مع نسائه وأثناء مرضه، وماذا يقول قبل دخوله إلى الكنيف وبعد خروجه منه، بل إن عبد الله بن عباس قبل أن ينقل لنا «كيف كان- صلى الله عليه وسلم- يقوم الليل» نام وإياه في حجرة واحدة وشاهد بعينه الوقائع التي نقلها.
وأدى هؤلاء الصحابة- رضوان الله عليهم- أقوال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأفعاله إلى التابعين، والتابعون نقلوها إلى «تابعي التابعين»، وصار اسم هؤلاء «المحدثين، وأصحاب السير»، ثم وجد من يتابع سير هؤلاء المحدثين وأصحاب السير وكل ما يتعلق بحياتهم وصار اسم هذا العلم «علم الرجال» ومن علمي الحديث والرجال أوجد المسلمون طريقة علمية في البحث لم يسبقوا إليها، وصارت فيما بعد أساسًا لكل بحث علمي عند طلاب المعرفة والدارسين حتى من غير المسلمين.
تدوين السيرة:
من أبرز ما يعتمد عليه المستشرقون والمستغربون ومن نحا نحوهم: أن السنة النبوية والتاريخ الإسلامي لم يكتبا إلا في نهاية القرن الثاني، ولم يكن أحد من الصحابة على قيد الحياة فجاءت الوقائع والأرقام تقديرية وخالية من الدقة.
ويتمسكون بحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه مسلم في صحيحه من رواية عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» ولما كان اهتمام الصحابة منصرفًا إلى القرآن الكريم فالحكمة من عدم كتابة الحديث حتى لا يختلط بالقرآن، وإذا زال هذا المحذور فلا بأس من كتابة السنة، وقد ثبت هذا بأكثر من حديث صحيح:
روى البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنه لما فتح الله على رسوله- صلى الله عليه وسلم- عام فتح مكة، قدم رسول الله فخطب في الناس، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه، فقال: «يا رسول الله اكتبوا لي، فقال عليه الصلاة والسلام اكتبوا لأبي فلان»
وللبخاري زيادة عن الوليد بن مسلم، قلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا؟ قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «۱۱».
وروى البخاري عن أبي هريرة قال: «ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص، فإنه كان يكتب ولا أكتب» وهذا الحديث يدل أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يمنعه من ذلك.
وكتب- صلى الله عليه وسلم- في أمور الزكاة وعاجلته المنية فلم يخرجها إلى عماله، فقد روى البخاري عن أنس بن مالك أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: «بسم الله الرحمن الرحيم.. هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط..» «۱۲»
وثبت أن عليًا كان يكتب عن رسول الله أيضًا، فعن أبي جحيفة قال: «قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر». أخرجه البخاري
وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد، أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول في الغضب والرضا! فأمسكت، حتى ذكرت ذلك لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق» وأومأ بأصبعه إلى فيه حين قال ذلك.
أما قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه».
فالنهي كان حتى لا يختلط القرآن بالحديث، ويرى ابن حجر أن النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس.
ولقد نقل ابن كثير وعمرو بن الصلاح إجماع الأمة على جواز كتابة الحديث ولولا تدوينه لدرس في الأعصر الأخيرة.
ومن الصحف الباقية حتى يومنا هذا «صحيفة همام بن منبه» تلميذ أبي هريرة وفي الحقيقة هي صحيفة أبي هريرة وتسمى «الصحيفة الصحيحة» وقد عثر عليها الدكتور محمد حميد الله في مخطوطتين متماثلتين في دمشق وبرلين. «١٥»
وهناك صحيفة لعبد الله بن عمرو بن العاص، اسمها «الصادقة» وكان يقول: لقد حبب الحياة إلى أمران:
أحدهما هذه الصادقة... ثم قال: وأما الصادقة فهي صحيفة ما كتبت فيها إلا ما سمعت أذناي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «۱۲»
وهم الصحابة- رضوان الله عليهم- أن يجمعوا السنة النبوية في كتاب واحد، فذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن أبا بكر- رضي الله عنه- قد جمع الأحكام والسنن في كتاب ثم بدا له أن يمحوه، وعزم عمر بن الخطاب لكنه خشي أن ينصرف الناس عن القرآن الكريم، فاستخار الله ثم عدل عن فكرته.
وجاء في مقدمة صحيح مسلم أن عبد الله بن عباس كان معه سجل فيه فتاوى علي بن أبي طالب، وكان لمرويات ابن العباس كراريس عدة.
تدوين السيرة في عهد معاوية:
نقل صاحب كتاب الإعلام عن فهرست ابن النديم أن معاوية بن أبي سفيان استحضر عبيد بن شرية الجرهمي من صنعاء إلى دمشق وأمره بتدوین أخباره، فأملى كتابين: أحدهما/ «أخبار عبيد بن شرية في أخبار اليمن وأشعارها وأنسابها».
والثاني/ «كتاب الأمثال».
وعبيد بن شرية راويه من المعمرين وكان من الحكماء الخطباء في الجاهلية وقد أدرك النبي- صلى الله عليه وسلم- وأعلن إسلامه فهو صحابي.
وقال الذهبي: وفد على معاوية، وقيل له صحبة، ويقال عاش ثلاث مائة سنة. «۱۷» وإذا صح هذا الخبر فيكون معاوية- رضي الله عنه- قد تبنى كتابة السير والمغازي وتاريخ الأقدمين وعلى أي حال فالصحيفة الصحيحة كتبت في منتصف القرن الهجري الأول.
التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز:
وعندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وكثرت طبقات الرواة، وتفشى الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قبل الزنادقة وأصحاب الأهواء، وقل الاعتماد على قوة الذاكرة، وملكة الحفظ وصفاء الذهن.
عندئذ أمر عمر بن عبد العزيز ولاة الأمصار بكتابة الحديث فاستجاب له أبو بكر بن حزم قاضي المدينة وابن شهاب الزهري المدني. «۱۷»
ولم يكن عمر بن عبد العزيز أول من عمل على كتابة السيرة كما مر معنا- فالكتابة ما زالت منذ حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم-..
وأعلام التابعين الذين كتبوا في الحديث والسير في هذه الفترة وقبلها هم:
عروة بن الزبير:
هو عروة بن الزبير بن العوام بن خویلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- وهي ذات النطاقين.
جاء في وفيات الأعيان أن ولادته كانت في ست وعشرين للهجرة ووفاته في ثلاث وتسعين، وقال ابن سعد في أربع وتسعين، وقال محمد بن عمر: روى عروة عن أبيه «الزبير بن العوام» وعن زيد بن ثابت وأسامة بن زيد وعبد الله بن الأرقم وأبي أيوب والنعمان بن بشير وأبي هريرة ومعاوية وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والسيدة عائشة إلخ.. وكان ثقة كثير الحديث فقيهًا عاليًا مأمونًا ثبتًا. «۲»
وعروة أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وأحد علماء التابعين.. قال العجلي لم يدخل نفسه في شيء من الفتن.
وقال ابن شوذب: كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن ومات وهو صائم. «۳»
وقال الزهري: عروة بحر لا تكدره الدلاء، وكان يتألف الناس على حديثه. «۳»
وقد روى عن عروة ابن شهاب الزهري وغيره، وأخذ عنه الطبري وابن إسحاق والواقدي.
٥١ - ١٢٤
ابن شهاب الزهري:
هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب... بن زهرة القرشي الزهري.
روى عن أنس بن مالك وسهل بن سعد وأبي الطفيل والسائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة ورأى ابن عمر.
هذا عن الصحابة، ثم جلس إلى كبار التابعين في عصره: كسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
وروى عنه خلق كثير منهم: مالك، وأبو حنيفة، وعطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وابن جريج، وخرج له الشيخان البخاري ومسلم، وكتب السنن الأربعة، ولا يخلو مسند محدث ولا حافظ من تخريج أحاديث له، نشأ الزهري فقيرًا، وتوجهت عنايته أولا للقرآن الكريم فحفظه في ثمانين ليلة.
وقال الإمام مالك: «كان الزهري إذا دخل المدينة لم يحدث بها أحد من العلماء، حتى يخرج منها، وأدركت بالمدينة مشايخ أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عنهم، ويقدم ابن شهاب وهو دونهم في السن فيزدحم عليه»، ولقد وثقه جميع علماء الجرح والتعديل وشهدوا بعلمه وحفظه وصحة إسناده.
قال ابن خلكان: كتب عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- إلى الآفاق، عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه، وكان قد أمر الزهري، أن يدون حديث رسول الله، فصنع في ذلك كتابًا.. وقال الإمام مالك «۷»: أول من دون العلم ابن شهاب.
وما كان في تدوينه يقتصر على الحديث بل كان يدون في الحديث والسيرة والفقه.. قال أبو الزناد: كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس. «٦»
وهب بن منبه: «٣٤-١١٤»
هو أبو عبد الله وهب بن منبه اليماني الصنعاني صاحب الأخبار والقصص.
نشأ وهب في اليمن، وولي القضاء لعمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه-. وروى عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله. وروى عنه ابناه عبد الله وعبد الرحمن، وأخواه اسماعيل وهمام وعمرو بن دينار، وإسرائيل بن موسى، وأخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي. «۸» سئل أبو زرعة عن وهب بن منبه فقال: يماني ثقة، وقال الذهبي: كان ثقة صادقًا كثير النقل من كتب الإسرائيليات. «۹»
وقال الحافظ بن حجر: وثقه الجمهور وشذ الغلاس، وفي مدينة هيدلبرج بألمانيا قطعة من كتابه الذي ألفه في المغازي. «۱۰»
قال الإمام أحمد: كان يتهم بشيء من القدر ثم رجع.. وهنا يتساقط تضعيف الغلاس؛ لأنه رماه بالقدر.
عبد الله بن أبي بكر بن حزم:
عهد عمر بن عبد العزيز أثناء خلافته «۹۹- ۱۰۱» إلى القاضي أبي بكر بن محمد بن حزم وكان قاضيًا في المدينة المنورة، وهو- رضي الله عنه- إمام في الحديث والخبر، فقام بذلك وكتبت الأحاديث والأخبار والسنن في القراطيس، وأرسلت إلى دار الخلافة بدمشق ونسخت في الصحف والكتب وبعث بها إلى البلاد الإسلامية وكبريات المدن يومئذ، وخالته كانت من كبريات تلاميذ أم المؤمنين عائشة، وقد اختص بتدوين مروياتها بإيعاز من عمر: «۱۰»
- أبان بن عثمان بن عفان: المدني المتوفى سنة ١٠٥ هـ، الذي ألف في السيرة صحفًا، وكان تلميذًا ملازمًا لأنس بن مالك- رضي الله عنه.
- عاصم بن عمر بن قتادة: المتوفى سنة ۱۲۰ هـ.
- وشرحبيل بن سعد: المتوفى سنة ۱۲۳ هـ.
1، 7- وفيات الأعيان: ابن خلكان: 2، 420
٢- الطبقات الكبرى: 5، 179
٣- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: ٢٦٥
٤,٦ السنة ومكانتها في التشريع: ٣٩٤
٥- الجرح والتعديل: الرازي: ۷۱/ ۸
٩/٢٤
۸- تذكرة الحفاظ.
٩- الإسرائيليات: ۱۸ نعناعة.
۱٠- الرسالة المحمدية عن مختص جامع بيان العلم للحافظ ابن عبد الله.
۱۱، ۱۳، ۱۲- فتح الباري ١٨٥/١: لمحات في أصول الحديث: الدكتور محمد أديب صالح سنة ٥٨ حيث استفدنا منه في تدوين الحديث.
١٤,١٥- لمحات في أصول الحديث عن «علوم الحديث» «ص ١٦٣»
١٦- تجريد أسماء الصحابة للذهبي: ص ٣٦٦
۱۷- فتح الباري: ١٧٤/١
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلعوامل النصر والتمكين في سيرة سيد المرسلين ﷺ (1) فقه التعامل مع السنن الإلهية والأخذ بالأسباب ودورهما في تحقيق النصر الإلهي
نشر في العدد 2183
32
الجمعة 01-سبتمبر-2023
الصحابة الكرام لا يُحبهم إلا مؤمن ولا يُبغضهم إلا منافق أو جاهل
نشر في العدد 2173
29
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022