; • • دراسات في السيرة.. فشل الأنظمة المعاصرة.. وحتمية الإسلام | مجلة المجتمع

العنوان • • دراسات في السيرة.. فشل الأنظمة المعاصرة.. وحتمية الإسلام

الكاتب محمد النايف

تاريخ النشر الثلاثاء 06-أغسطس-1974

مشاهدات 13

نشر في العدد 212

نشر في الصفحة 39

الثلاثاء 06-أغسطس-1974

اتضح من الحلقات السابقة أن العالم اليوم يتخبط في دياجير الفوضى والانحلال، ويقترب من الهاوية والدمار. ولقد نقلنا ما فيه الكفاية عن الانحطاط العقائدي، والتمزق السياسي، والتفســخ الاجتماعي الذي يعانيه المجتمع البشري. والناس كل الناس على اختلاف نزعاتهم وميولهم.. قد كفروا بالأوضاع والأنظمة القائمة ويتطلعون بشوق إلى يوم الخلاص، ويتساءلون بلهفة عن المنقذ؟! أما الوثنيون فغير مرشحين أصلا لإحداث تغيير في العالم، لأنهم مشغولون بما يعانون من مجاعات وسوء استغلال وعقولهم قاصرة عن كل ابتكار وإبداع فما عودهم أسيادهم الإنكليز والأمريكان إلا تنفيذ الأوامر التي يطالبونهم بها، وما درجوا على تحمل المسئولية والتفكير بدون تبعية. وأي دور ينتظر الذين يعبدون البقرة ويتباركون بروثها؟!!. واليهود: لو كانوا يملكون وسائل الإنقاذ لحجبوها عن الناس! فهم ينظرون إلى غيرهم نظرة حقد وكراهية واستعلاء، وعندهم أن الناس ما خلقوا إلا ليكونوا عبيدا لهم. هذا إن كانوا يملكون. كيف وهم الذين غضب الله عليهم وأضلهم؟! ولقد نقلنا في الحلقة الثانية من تلمودهم ومن التوراة الكتاب الذي وضعوه بأيديهم، ومن البروتوكولات نقلنا من هذه المصادر ما يثبت كفرهم وإلحادهم وسوء نظرتهم إلى غير بني جنسهم، وعملهم من أجل الإفساد، ولهذا لا يوجد في العالم من ينتظر الخير على أيدي اليهود. وحقيقة الصراع في السيطرة على العالم ماثلة في النزاع القائم ما بين الرأسمالية والشيوعية، ولكل منهما مناطق نفوذ واسعة.. ويستحق المذهبان منا وقفة لنجيب على السؤال التالي: هل يملك أحدهما عناصر البقاء والاستمرار وإنقاذ العالم من خطر الانهيار؟؟. الرأسمالية الغربية: كفر الغربيون بالكنيسة منذ الثورة الفرنسية المشهورة، فمقتوا القسس والرهبان، ومجوا عقيدة التثليث وأسطورة العشاء الرباني. ولقد ذكرنا في الحلقة الثانية أنه في بريطانيا وحدها ومنذ الحرب العالمية الثانية أغلقت ٥٠٠٠ كنيسة، ولو كانت الكنائس قد أشبعت خواء الأوروبيين الروحي لما أغلقت!.. وبينا أن البابا بولس السادس - الذي أعلن تبرئة اليهود من دم المسيح وهو حق أراد به باطل - مجند في وكالة المخابرات الأمريكية، ثم نقلنا صيحة مطران بيروت للروم الكاثوليك «غريفوار حداد» ضد الكنائس. لكن إفلاس الكنائس في عالم القيم لا يمنع من بقائها سلاحا خبيثا يهدد العالم الإسلامي، ورايات يحملها المستعمرون الغربيون، إلى الشرق المسلم المؤمن بالله ومن أجل التمويه كتبوا عليها «اليونسكو، الصليب الأحمر، المدارس، المستشفيات، أماكن العبادة، الرحمة، الجامعات» وبعد أن تخلى الغربيون عن مسيحيتهم المشوهة، عبدوا العقل والعلم. ورأوا أن كل شيء لا يلمسه العقل مرفوض ومردود.. وعاشوا قرنين من الزمن في هذه الأوهام الجديدة، لكنها حياة مفعمة بالقلق والإجرام والضياع. واليوم عاد كثير من علماء أوروبا إلى الإيمان بالله من جديد، أدركوا أن العقل قاصر ومحدود ومن الخطأ الاعتماد عليه وحده.. وأن هناك عالما آخر لا تدركه العقول. وألف الأستاذ عباس محمود العقاد كتابا سماه «عقائد المفكرين في القرن العشرين» حشد فيه تجارب أكثر من أربعين عالما من علماء الغرب معظمهم آمن بالله وبالغيب، وإن كانوا لا يزالون حائرين في كنه هذا الإله ويفتقدون من يرشدهم إلى دعوة الأنبياء. وآخرون من علماء أوروبا كتب الله لهم الخير فراحوا يبحثون واهتدوا أخيرا إلى الإسلام، ودخلوا في دين الله أفواجا. وبعضهم كتب عن حقيقة اهتدائه إلى الإسلام، ومن أراد أن يعرف شيئا عن ذلك فليقرأ: - - لماذا أسلمنا. - رجال ونساء أسلموا بجزئيه. وفي هذين الكتابين أكثر من مائة مسلم من كبار العلماء في مختلف أنواع الاختصاصات. والأمر ليس مقصورا على الذين أسلموا ولا على من تحدث عنهم العقاد في كتابه السالف الذكر.. فكل الناس في المعسكر الرأسمالي يدركون خطورة ما هم عليه ويبحثون عن البديل ونكتفي هنا بشهادتين إحداهما شهادة الدكتور ألكسيس كاريل الطبيب المتخصص في بحوث الخلية ونقل الدم والأعضاء والمشتغل بالطب علما وجراحة وإشرافا على معاهد العلاج والنظريات العلاجية، وصاحب جائزة نوبل سنة ۱۹۱۲ ومدير معهد الدراسات الإنسانية بفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وتولى الإشراف على معهد روكفلر للتجارب العلمية، وتولى الإشراف على معهد الدراسات الإنسانية خلال الحرب العالمية الثانية. «1» يقول ألكسيس كاريل: «إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أي معرفة بطبيعتنا الحقيقية، أذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم، ورغباتهم. وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا، إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا..» «إن مبادئ «الدين العلمي» و «الآداب الصناعية» قد سقطت تحت وطأة غزو الحقيقة «البيولوجية» فالحياة لا تعطي إلا إجابة واحدة حينما تستأذن في السماح بارتياد «الأرض المحرمة».. إنها تضعف السائل! ولهذا فإن الحضارة آخذة في الانهيار لأن علوم الجماد قادتنا إلى بلاد ليست لنا. فقبلنا هداياها جميعا بلا تمييز ولا تبصر ! ولقد أصبح الفرد ضيقا، متخصصا، فاجرا، غبيا، غير قادر على التحكم في نفسه ومؤسساته». «ستفقد المادة سيادتها، ويصبح النشاط العقلي كالنشاط الفسيولوجي. وسيبدو ألا مفر من دراسة الوظائف الأدبية والجمالية والدينية، كدراسة الرياضيات والطبيعة والكمياء..» ثم يمضي الكسيس كاريل فيتوقع أن يأتي ذلك اليوم الذي يسأل علماء الصحة عن السبب الذي يحدوهم إلى الاهتمام بالأمراض العضوية دون الأمراض الروحية وكيف لا يعزلون الذين ينشرون الأمراض العقلية والأدبية.. وإن الحاجات الروحية لا تقل عن الاقتصادية. وهناك صيحة أخرى أطلقها «دالاس» وزیر خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في كتابه «حرب أم سلام»: «إن هناك شيئا ما يسير بشكل خاطئ في أمتنا. وإلا لما أصبحنا في هذا الحرج، وفي هذه الحالة النفسية.. لا يجدر بنا أن نأخذ موقفا دفاعيا، وأن يتملكنا الذعر.. إن ذلك أمر جديد في تاريخنا! إن الأمر لا يتعلق بالماديات، فلدينا أعظم إنتاج عالمي في الأشياء المادية، إن ما ينقصنا هو إيمان صحیح قوي. فبدونه يكون كل ما لدينا قليلا. وهذا النقص لا يعوضه السياسيون مهما بلغت قدرتهم، أو الدبلوماسيون مهما كانت فطنتهم، أو العلماء مهما كثرت اختراعاتهم أو القنابل مهما بلغت قوتها! فمتى شعر بالحاجة إلى الاعتماد على الأشياء المادية، فإن النتائج السيئة تصبح أمرا حتميا. إننا لا نستطيع أن نكافح الشيوعيـة السوفييتية في العالم، وأن نحبط أساليبها في الخداع والإرهاب والعنف، ما لم يكن لدينا إيمان، واستعانة بالوسائل الروحية في مجتمعنا الحديث المعقد، والتي تحول نفسها إلى أعمال خالصة من الدناءة، وظروف الحياة الذليلة، التي لا يمكن أن تنمو فيها الروح!» «2». ولو قدر للمسلمين أن ينظموا تبليغ الدعوة الإسلامية للأوروبيين، ويأخذوا بالوسائل الحديثة، ثم ينسقوا ما بين الجهود المشتتة لوجدنا أن الإسلام يدخل إلى كل بيت من بيوتهم.. ولكن التضليل الشيوعي خلا له الجو فكاد أن يكتسح فرنسا وإيطاليا والبرتغال ووصل إلى واشنطن ولندن. الشيوعية: هناك فرق واضح ما بين حقيقة الشيوعية والدعاية لها. هذا الفرق جعلني أتساءل هل هناك شيوعية حقا في العالم؟! لقد حاول الشيوعيون تطبيق الشيوعية، ومع أنهم قتلوا أكثر من ۲۰ مليونا من المواطنين قربانا إلى هذا النظام الجديد لكنهم فشلوا في كل شيء وتراجعوا. اعترفوا بحد من الملكية الفردية، وأقروا بفارق ولو كان بسيطا في أجرة العمال، وفي كل عام يزداد هذا التراجع وعاد السوفيات يعترفون بشيء ضئيل من الحرية الدينية أمام ضغط الواقع، وعجزوا خلال أكثر من نصف قرن، عن إماتة العقيدة الدينية في نفوس المؤمنين. وتراجعوا حتى أمام الرابطة القومية الضيقة ففشلت الشيوعية في القضاء على النزعات القومية والوطنية، وليس صراع السوفيات مع الشيوعيين في الصين إلا صراعا قوميا، وكذلك كان صراعهم مع المجر. وأفقروا بلادهم اقتصاديا فلا قيمة لنقدهم ولم تعد بلادهم -كمــا كانت- أول دولة في سلم الصادرات الزراعية. وأذلوا مواطنيهم فلا قيمة للفرد، وليس هو إلا كأداة من أدوات الإنتاج. ويكفي أن تعترف الشيوعية بشيء من الملكية الفردية واختلاف الأجور لنحكم بفشل النظام الشيوعي. لقد فر من جحيم الشيوعية: الدكتور هردن ريفي وتاريانا تشارنا فين وابنة ستالين التي كتبت ما يبكي القلوب لا العيون، ويفتت الأحجار لا الأكباد، بينما هي لم تكن ترى إلا النذر اليسير مما يقاسيه الشعب لأنها كانت تعيش في نعيم الكرملين «3» أما الزعماء والمفكرون الشيوعيون الذين كفروا بشيوعيتهم فلمن شاء أن يقرأ الكتب التالية: - الصنم الذي هوى - عائد من الجحيم - تجربة عربي في الحزب الشيوعي - اخترنا الحرية - تجربتي في الحزب الشيوعي ولو رد الحكام الحرية للمواطنين في السوفيات أو الصين لأصبحت الشيوعية في تلك البلاد أسطورة يذكرها الناس كما يذكرون أساطير اليونان القديمة. ولسوف يزداد اندحار الشيوعية وتراجعها سنة بعد أخرى. هذه صورة لفشل الأنظمة القائمة في العالم. أما في البلاد العربية: فلقد شهدنا والحمد لله مصرع كثير من المبادئ المستوردة التي علق الناس عليها آمالا عريضة، وافتتنوا بها، وظنوا أنها سفينة نوح في كل طوفان. شهدنا مصرع زعماء الاستقــلال والوطنية المزيفين، الذين امتصوا جهاد الشعوب الإسلامية، فصنع المستعمرون لهم هالة وجعلوا منهم أبطالا وسلموهم مقاليد الأمور، فكانوا أول من طعن الإسلام في الصميم، وأبعدوه عن حياة المسلمين كنظام حكم. شهدنا مصرعهم، ولم يعد أحد يؤمن بأنهم ما خلقوا إلا للحـكم والزعامة، ولا يجوز أن تشق عليهم عصا الطاعة. وشهدنا - بنعمة من الله - مصرع دعاة القومية وهم أنفسهم خرجوا على معتقداتهم وصاروا اشتراكيين ماركسيين، واستبدلوا النظـرة العالمية بالفكرة القومية. وشهدنا مصرع طواغيت عبدهم الناس، وأطاعوهم في كل شيء وظنوا أنهم خالدون لا ينالهم موت ولا فناء. لقد هزموا وتمرغت أنوفهم في التراب، وتمنوا الموت قبل أن يروه من هول ما أصابهم من ذل.. ثم أماتهم الله، وتخلى عنهم أقرب الناس إليهم وهتكت أسرارهم، وعلم القاصي والداني أن زعامتهم وألوهيتهم صنعتا في واشنطن على أعين كوبلند وجيفرسون كافريه!! وشهدنا مصرع الأحزاب «الاشتراشيوعية». التي نهبت وسلبت وأذاقت المواطنين ألوانا من البؤس والفاقة.. وأقفرت البلاد من خيراتها التي كانت تصدر لأقصى الغرب والشرق، وصار رؤساء هذه الأحزاب متسولين يستجدون ذات اليمين وذات اليسار.. واستيقظ السدنة بعد أحلام كانوا فيها يعيشون في جنات تجري من تحتها الأنهار.. استيقظوا من شدة الجوع الذي ينهش أجسامهم.. وكفروا بالاشتراكية والاشتراكيين. وتطلع الناس من جديد إلى الإسلام ليسد فراغا في ساحة القيم والأفكار، وكل الشواهد تؤكد بأن المستقبل للإسلام. لقد تكفل الله بحفظه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (سورة الحجر: 9) والإسلام دين الفطرة الذي ليس فيه تعقيد ولا غلو.. ويحفظ التوازن في حياة الإنسان فلا يطغى جانب على آخر. وهو دين أنزله الله الذي يعلم حاجات الإنسان في كل عصر ومصر، ولقد جرب من قبــل فكان خيرا للعالمين ونورا للمؤمنين.. والإسلام بعد ذلك لا يصطدم مع تجربة علمية قطعية وشهد له بذلك العدو قبل الصديق.. وهذه التجربة الرائدة الفريدة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنعد بقلوبنا إلى ذلك النبع العذب نستقي منه دروس العلم والعمل. «1» عقائد المفكرين في القرن العشرين. «2» المستقبل لهذا الدين. «3» عائد من الجحيم: أنطوان دومازه
الرابط المختصر :