; دراسات في السّيَرة حلقة ١٦ أسلوب المتغربين في كتابة السيرة | مجلة المجتمع

العنوان دراسات في السّيَرة حلقة ١٦ أسلوب المتغربين في كتابة السيرة

الكاتب محمد النايف

تاريخ النشر الثلاثاء 08-أبريل-1975

مشاهدات 17

نشر في العدد 244

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 08-أبريل-1975

 جُورجي زيدَان وخطته في الدس والتشويه

اعتماده على أقوال الباطنية:

 فاق جورجي زيدان في خبثه كل من كتب في السيرة، ووجد في كتب الرافضة ما يشبع حقده الدفين ويروي غليله..

فمن الكتب اعتمد بالدرجة الأولى على المسعودي وهو من شيوخ الشيعة ثم على كتاب «الإمامة والسياسة» والأغاني والكامل للمبرد والفهرست لابن النديم.

 يتنقل ما بين كتب المستشرقين والباطنية يصطاد منها الأخبار الملفقة والأحاديث الموضوعة.

ويطير فرحًا عندما يجد فرية حول القرآن الكريم فيسارع في نقلها.

 «ومع تشديد الصحابة في التعويل على مصحف عثمان دون سواه، فقد ظل عند بعض المسلمين نسخ من مصاحف أخرى أشهرها مصحف علي ويعتقد الشيعة أن عليًا أول من خط المصاحف عند وفاة النبي، وتنوقل مصحفه في شيعته وبقي عند أهل جعفر وقد ذكر ابن النديم في كتاب الفهرست أنه رأى عند أبي يعلى حمزة الحسيني مصحفًا بخط علي يتوارثه بنو حسن ومنها مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، ولكل منها ترتيب خاص في سورة»(٤)

 ۱۹۹/۱ تاریخ آداب اللغة العربية.

أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على مصحف عثمان وأتلف المصاحف الأخرى منها مصحف ابن مسعود، وهذا الإجماع يأخذه المسلمون جيلًا بعد جيل، وما زال القرآن مكتوبًا بلغة قريش.. وتشارك بعض طوائف الشيعة السنة في هذه القناعة. فلقد روى علي بن موسى المعروف بابن طاوس «٥٨٩- ٦٦٤» وهو من علماء الشيعة نقل عن الشهرستاني في مقدمة تفسيره عن سويد بن علقمة قال: سمعت - علي بن أبي طالب يقول: «أيها الناس، الله، الله، إياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حراق المصاحف، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، جمعنا وقال: ما تقولون في هذه القراءة التي اختلف الناس فيها، يلقى الرجل الرجل فيقول قراءتي خير من قراءتك، وهذا يجر إلى الكفر.

 فقلنا: ما الرأي؟ قال: أريد أن أجمع الناس على مصحف واحد، فإنكم إن اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافًا، فقلنا: نعم ما رأيت»(7).

وبنى- المؤلف- كل ما نقله من كلام الرافضة على حديث يستشهدون به ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن علي رضي الله عنه:

«هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا».

تاريخ التمدن الإسلامي ٤٤/١ والحديث هذا لا أصل له في كتب الحديث بل حتى في الأحاديث الموضوعة وقال ابن الجوزي عن حديث آخر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«إن أخي ووزيري وخليلي من أهلي وخير من أترك من بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب»

قال ابن الجوزي هذا حديث موضوع، وقال ابن حبان: مطر يروي الموضوعات لا تحل الرواية عنه. رواه من طريق ابن عدي بنحوه و مداره علي مطر هذا، مع أنه ليس في لفظه «وخليفتي ووصيي». (۸) وما يزال ينقل من الأخبار الملفقة حتى تظنه باطنيًا قد تخلى عن صليبيته يقول عن الدولة العبيدية في مصر: «وهي تنتسب إلى السيدة فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق جعفر الصادق. وأول من ظهر بالدعوة منهم عبيد الله المهدي في أواخر القرن الثالث للهجرة...

وقد بدأ الفاطميون حكمهم في مصر بدءًا طيبًا وعرفت في أيام المعز لدين الله والعزيز بالله، والحاكم بأمر الله رخاء عظيمًا واستقرارًا لم تعرفه منذ سنوات طويلة».

 ۱۰۲/۱تاريخ التمدن الإسلامي

 ورحم الله السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء في التاريخ الإسـلامي إذ لم يذكر أسماء حكام الدولة العبيدية، وكان على حق في ذلك، وأين عبيد الله المجوسي من فاطمة رضي الله عنها؟! والحاكم بأمره الذي دعا الناس لعبادته من دون الله.. فكيف يدعي أن مصر عرفت في عهد هذا الطاغية رخاء واستقرار، وهل كان الاستقرار عندما كان يأمر الناس أن يناموا في النهار ويعملوا في الليل؟

ويقول عن بني أمية:

«ومن الأسباب التي أيدت سلطان بني أمية أنهم كانوا يعولون في تأييده على الدهاء والسياسة والحزم، ولو كان فيها خرق لحرمة الدين أو إهانة لأهله، فإنهم قتلوا ابن بنت النبي، وضربوا الكعبة بالمنجنيق، ولعنوا ابن عم النبي وصهره على المنابر، وقتلوا من لم يلعنه وسنعود إلى تفاصيل ذلك في مكان آخر».

 «وقام معاوية يطلبها وينازع أعمام النبي وأبناء عمه عليهـا، والمسلمون يعتقدون حق هؤلاء فيها، وأن معاوية طليق لا تحل له الخلافة، ولكنه تمكن بدهائه وسعة صدره من التغلب عليهم جميعًا فأسس الدولة الأموية» (٥).

 تاريخ آداب اللغة العربية ٢٠٣/١ ويلتقي الصليبيون مع الباطنيين في

دراسات في السيرة

 

أسلوب المتغربين في كتابة السيرة

حرب الدولة الأموية التي قهرت أعداء الإسلام، ورفعت لواءه في عواصم الباطنيين الفرس، والصليبيين الروم

طعنة بإعلام غير القرون:

 اصطنع- جورجي-  للعرب في جاهليتهم نهضة دينية وأخرى حضارية، وسود صفحات كثيرة في تضخيم العصر الجاهلي حتى يبدو حدث النبوة أمرًا عاديًا.

 ثم حاول التقليل من أهميـة الفتوحات الإسلامية، عندما زعم أن اليهود والغساسنة والمناذرة وقفوا مع العرب الفاتحين، وأن دولتي الفرس والرومان كانتا في حالة احتضار ومر مرورًا سريعًا– لا يعدو أن يكون إشارة- على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم و حياته وأخلاقه وعن ظاهرة الوحي وأثرها في العرب.

 وعاد إلى أسلوب الطعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إيجاد تفسير مادي لكل حدث تاريخي فعن وقوف الأنصار أهل المدينة إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«اليهود يفضلون إسقاط عبادة الأصنام لتنهض المدينة وتسقط مكة.. خصوصًا إذا صارت مركزًا للدين الجديد.. واليهود أهل نظر في التجارة. ناهيك بما كان بين تينك المدينتين من المنافسة والمسابقة. لأن أهل مكة من العدنانية، وأهل المدينة قحطانية».

 ٤٧/١ تاريخ التمدن الإسلامي

 ويضرب مرة أخرى على وتر العصبية الجاهلية فيرى أن بني أمية أثاروا العصبية بين القيسية و المضرية أي بين اليمنية والعدنانية، ويعتقد أن الخلاف الذي نشب بين علـــى ومعاوية صورة عن هذه الحرب،فأهل المدينة من القحطانية، وأهل مكة العدنانية مع ابن سيدهم في الجاهلية أبي سفيان.

 ٣٣٤/٣ تاريخ التمدن الإسلامي وبعد الحديث عما يسميه عصبية جاهلية يشرع في شتم الصحابة والتابعين: فيكذب على معاوية رضي الله عنه أشد الكذب.

«واقتبس معاوية من الروم أسباب البذخ ودواعي الترف وقلدهم في أبهة الملك، فأقام الحرس يحملون الحراب بين يديه إذا مشى أو قام للصلاة، وبنى لنفسه قصرًا نصب فيه السرير وأوقف الحاجب ببابه وجعل الخلافة وراثية في نسله بعد أن كانت انتخابية.. وانتحل معاوية حكاية استلحق بها زياد بأبي سفيان وسماه زياد بن أبي سفيان بدلا من زياد بن أبيه».

۸۹/۱ تاريخ التمدن الإسلامي وذكر أمثلة عما ظنه غدر معاوية بأنه قتل عبد الرحمن بن خالد بن يزيد، والأشتر النخعي مالك بن الحارث.

و معاوية الصحابي الجليل كاتب الوحي وقاهر الروم ينعته جورجي زيدان بالغدر والانتحال وأنه طليق! ويتهم عليًا وطلحة والزبير أنهم أكثر الصحابة تطلعًا إلى الخلافة.

 ۸۳/۱ تاريخ التمدن الإسلامي ويتهم الصحابي عمرو بن العاص بأنه محتال:

«فاحتال عمرو على أبي موسى الأشعري حيلة غلب بها على عقله».

 أظهر أنه يريد خلع علي ومعاوية معًا ليختار المسلمون واحدًا سواهما.

 «فقبل أبو موسى ذلك. لكن عمرًا طلب إليه أن يتكلم قبله لأنه أرفع منه منزلة وأكبر سنًا، فانخدع أبو موسی».

٨٦/١ تاريخ التمدن الإسلامي.

 ففي حين يتهم عمرو بن العاص بالاحتيال يتهم أبا موسى الأشعري بالغفلة.. مع أن القصة مكذوبة، وعمرو بن العاص عزل معاوية كما في رواية الدار قطني وهذه الرواية تنتهي بحضين بن المنذر وهو من خواص علي الذين حاربوا معه (۹)

ويشدد في نقمته على عبد الملك بن مروان ويقول أنه خطب بمكة خطبة وصف عثمان فيها بالمستضعف ومعاوية بالمداهن ويزيد بالمأفون ثم قال: والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه.

٣٦٢/٣ تاريخ التمدن الإسلامي

 وعبد الملك بن مروان أحتج بقضاء الإمام مالك في موطأه وأبرزه في جملة قواعد الشريعة، وأخرج البخاري عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان: «إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله، ما استطعت وأن بني مد أقروا بمثل ذلك» (۱۰)

وهذه أمثلة قليلة مع أن طعنه وتجاوز هذا الحد بكثير.. ثم ينتقل محاولًا أن يصور لقرائه أنه في منتصف القرن الأول كان الفساد قد وصل إلى المدينة المنورة، ومال الناس عن حياة الجهاد والزهد فيقول: «فلما تولى عبد الملك بن مروان سنة ٦٥ هـ كانت المدينة أصبحت مسرحًا للهو و الغناء، ونبغ فيها طائفة من المغنين، وتكاثر فيهـا المخنثون وأهل القصف إلا من كان فيها من الحفاظ والقراء فعلم عبد الملك أن أعداءه هناك لا يخشى بأسهم لاشتغالهم بأنفسهم و ملاذهم».

۲۱۲/۱ تاريخ آداب اللغة العربية

 وهي من روايات المسعودي الذي قال عنه القاضي ابن العربي بأنه مبتدع محتال، ومعاذ الله أن تكون المدينة المنورة التي يأرز الإيمان إليها كما وصفتها هذه الرواية الملفقة ويتحدث من روايات المسعودي عن بذخ الصحابة والتابعين فعثمان كان يملك ۱۵۰,۰۰۰ دينار أرض..

 و ۰۰۰,۱۰۰دینار و ۰۰۰ ,۱۰۰۰ درهم ويقول قريبًا من هذا عن الزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، وأن مصعب بن الزبير بذل مليون درهم في زواج سكينة بنت الحسين.

87-86/1 تاريخ التمدن الإسلامي.

وفي روايات تاريخ الإسلام يسير على هذا الخط نفسه.. يصور خلفاء المسلمين وعظماءهم أنهم ناس مغامرون يعيشون من أجل المرأة، ويتخيل قصصًا غرامية يلبسها لهم وهم برءاء منها، وبين ثناياها الإشادة بالنصرانية التي ضلت عن طريق المسيح عليه السلام إن مر ذكرها (٦)

وترك تصورات جاهلية كالحج إلـى كربلاء وادعاء علم الغيب، والقسم ولا ينسى أن يصور بغير الله.. ولا ينسى أن يصور بعضًا من أعلامنا على أنهم مستبدون وطغاة وظلمة.

ولولا حرصي على الاقتصار على المسيرة لمضيت في عرض مناكير هذا الظالم، ولأخذت نماذج من روايات تاريخ الإسلام.

 ومن عجب أن يعيش ثلاثين عامًا في دار الهلال يهاجم الإســلام والمسلمين، وأن يجد من أبناء المسلمين اليوم من يعيد طباعة كتبه ويتطوع في نشرها بين المسلمين.

1- مذكرات جرجي زيدان.

 2- تاريخ التمدن الإسلامي.

 3- «حركة الفتح الإسلامي في القرن الأول»: للدكتور شكري فيصل ص: ۷۰

4-تاريخ آداب اللغة العربية: جورجي زيدان.

7-العواصم من القواصم: القاضي بن العربي ص/ ٦٩

 8- المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي.

 ۱۰/۹- أنظر العواصم من القواصم ص/ ۱۷۸

6- غادة كربلاء.

 

 

 

الرابط المختصر :