; دراسات في فقه الدعوة .. البيعة في العمل الجماعي | مجلة المجتمع

العنوان دراسات في فقه الدعوة .. البيعة في العمل الجماعي

الكاتب د.عصام البشير

تاريخ النشر الثلاثاء 21-نوفمبر-1989

مشاهدات 722

نشر في العدد 942

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 21-نوفمبر-1989

  • كل عقد قام على موازين الشرع ومحكمات الدين يلزم نفاذه.
  • بيعة العمل الجماعي عقد وعهد وميثاق مشروط.

البيعة لغة واصطلاحًا:

كلمة البيعة مشترك لفظي يدور في لغة العرب على معان.

 منها: الصفقة على إيجاب البيع (۱). يقال بايع فلانًا مبايعة أي عقد معه البيع والبيعة وأمسك يده علامة لتمام العقد والرضى.

 ومنها: المبايعة والطاعة (٢).

ومنها: المعاهدة والعهد والمعاقدة(۳).

يقال: بايعه عليه مبايعة: عاهده.

والمبايعة: المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعارضة المالية (1) كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بأن لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة:١١١)(5). والعهد: كل ما عوهد الله عليه وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد (٦).

والمبايعة: المعاقدة - ففي الحديث «ألا تبايعوني على الإسلام»: هو عبارة عن المعاقدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره(7).

البيعة في الاصطلاح: هي عقد قائم على الرضا، يملك به الأمر حق السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره في المعروف.

 البيعة في نظر ابن خلدون:

قال العلامة ابن خلدون: «اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايع لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيها بكلفه من الأمر على المنشط والمكره. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده، تأكيدًا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة مصدر باع وصارت البيعة مصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع، وهو المراد في الحديث في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم، وحيثما ورد هذا اللفظ، ومنه بيعة الخلفاء، ومنه إيمان البيعة، كأن الخلفاء يستخلفون على العهد، ويستوعبون الإيمان كلها لذلك فسمي هذا الاستيعاب إيمان البيعة (٨).

مشروعية البيعة في العمل الجماعي:

إن البيعة التي وردت بها النصوص هي من مفاهيم عقد الخلافة التي تعطى الأمير المؤمنين أو السلطان المسلم المتمكن، وتجعل أمره واجب الاتباع حتى في المباح إذا كان فيه مصلحة. أما بيعة العمل الجماعي فهي عقد وعهد وميثاق مشروط. فهي من جنس البيعات التعاقدية على عمل ما كبيعة بعض المجاهدين يوم اليرموك. وقد تعددت الشواهد على مشروعيتها أسوق منها طرفًا:

أنها عقد إمارة صغرى:

الإمارة إمارتان: إمارة كبرى وأخرى موقوتة محددة.

أما الكبرى فخلافة المسلمين أو الإمامة العامة، وأما الأخرى فإمرة السفر والحج. وكلا الأمرين ثابت شرعًا.

أما دليل الإمارة الكبرى فقد قال ابن حزم: الإمامة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ (النساء:٥٩) وأجمعت الأمة على وجوب الإمامة.

ولقد أمر سبحانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أما دليل شرعية الإمارة الأخرى فقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعًا «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم». وصيغة الطلب في الحديث للأمر لأنه فعل مضارع مقترن بلام الأمر فأفاد الوجوب.

وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل الثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم» فالحديثان ينصان على وجوب التأمير على جماعة قليلة في سفر عارض. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين وللدنيا إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع الحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس...» ثم قال بعد إيراده للحديثين المتقدمين فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة.. فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات(٩).

إمارة الحج:

أما إمارة الحج فقد قال الماوردي: ولاية الحجيج على ضربين: أحدهما: أن يكون على تسيير الحجيج والثاني إقامة الحج.

أما الأول فهو ولاية سياسة وتدبير وشرط المتولي أن يكون مطاعًا. من ذلك الحديث الذي دل على وجوب اتخاذ الإمارة للنفر القليل في السفر العارضي، ومن فقه إمارة الحج نرى إمارة الجماعات الإسلامية من هذا الباب بقياس الأولى لشرف موضوع الإمارة في العمل الإسلامي، وتجب الطاعة فيها بحكم البيعة التي التزم بها التابع لهم في جماعتهم كأمير السفر. وعقد البيعة والإمارة الموقوتة خطوات ضرورية ومرحلة لازمة نحو عقد الإمامة الكبرى تستمد حرمتها كاملة من كونها شُعبًا تصب في بيعة الخلافة المستقبلية الموعودة بإذن الله تعالى. فهي مرحلة متأكدة لاستئناف الخلافة تسقط بإقامتها.

طاعة الأمراء

والطاعة المعروفة المشروطة للأمراء بدرجاتهم المتفاوتة أمر لازم وهو من طاعة الله والرسول. إذ إن الشارع الحكيم يريد للناس أداء منضبطًا، وسلوكًا منتظمًا فالعصيان في معروف لا يؤدي إلا إلى التشاكس والفوضى، والإمارة بلا طاعة لا معنى لها، ولا فائدة منها، إذ المقصود منها أن تسوس أمور الناس بطريقة منتظمة حتى تجرى على بعض وتقوم على ساق ولا يتم ذلك إلا وفق الضوابط الشرعية المعتبرة.

(2) إنها عقد على عمل مشروع:

 لا يخرج عقد البيعة من كونه قائمًا على عمل مشروع، لا يتضمن شرطًا فاسدًا، أو أمرًا محذورًا، وكل عقد خلا من الموانع الشرعية وسلمت فيه المقاصد فإنه يلزم الوفاء به.

يقول ابن تيمية: «جميع ما يقع بين الناس من الشروط والعقود والمخالفات في الأخوة وغيرها ترد إلى كتاب الله وسنة رسوله، فكل شرط يوافق الكتاب والسنة يوفى به» ثم قال «وكذا في شروط البيوع والهبات والوقوف، والنذور وعقود البيعة للأئمة وعقود المشايخ، وعقود المتآخين وعقود أهل الأنساب والقبائل وأمثال ذلك فإنه يجب على كل أحد أن يطيع الله ورسوله في كل شيء، ويجتنب معصية الله ورسوله في كل شيء، «ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». إذن فكل عقد قام على موازين الشرع ومحكمات الدين فإنه يلزم نفاذه.

احترام العقود:

فإن قيل إن العمل المتعاقد عليه واجب بذاته في ميزان الشرع بدون هذا العقد فما فائدة هذا العقد؟

فالجواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

«فإذا حلف على ذلك كان ذلك توكيدًا وتثبيتًا لما أمر الله به ورسوله» (۱۰). فالعقد يزداد تأكدًا واستيثاقًا. ثم إن كل عقد بين المؤمنين فهو عقد محترم تجاري كان أو غيره. لكن حرمة العقود تزداد بحرمة المتعاقد عليه. فإذا كان عقد الإمارة موضوعه أشرف الموضوعات فالوفاء به مما يقرب إلى الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ (۱۱)-  وقال سبحانه: ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِ﴾ (۱۲) وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ  (۱۳) يقول ابن تيمية: «من كان حالفًا على ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور، أو الصلاة أو الزكاة أو صوم رمضان، أو أداء الأمانة والعدل ونحو ذلك لا يجوز لأحد أن يفتيه بمخالفة ما حلف عليه، والحنث في يمينه، ولا يجوز له أن يستفتي في ذلك، ومن أفتى مثل هؤلاء بمخالفة ما حلفوا عليه، والحنث في يمينه، فهو مفتر على الله الكذب، مضت بغير دين الإسلام، بل لو أفتى أحد العامة بأن يفعل خلاف ما حلف عليه من الوفاء في عقد بيع أو نكاح أو إيجار أو غير ذلك مما يجب عليه الوفاء من العقود التي يجب الوفاء بها وإن لم يحلف عليها، فإذا حلف كان أوكد. فكيف إذا كان ذلك في معاقدة ولاة الأمور التي هي أعظم العقود التي أمر الله بالوفاء بها (١٤).

(١) (۲) (۳) لسان العرب ٢٩٩/١ .

(٤) النهاية ١٧٤/١ .

(٥) فتح الباري ٦٤/١ .

(٦) التوبة-  ۱۱۱ .

(۷) لسان العرب ٩١٤٢.

(۸) مقدمة ابن خلدون ص ۲۲۹.

(٩) الفتاوى ۳۹۱/۳۸-  ۳۹۳.

(10) المصدر السابق.

(۱۱) المائدة (14).

(۱۲)  الفتح (۱۰).

(۱۳) النحل (۹۱).

(١٤) الخلافة ص ١٥.

الرابط المختصر :