; دراسة فكرية.. المنهج الإسلامي بين الوسيلة والغاية | مجلة المجتمع

العنوان دراسة فكرية.. المنهج الإسلامي بين الوسيلة والغاية

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 15-فبراير-1972

مشاهدات 20

نشر في العدد 87

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 15-فبراير-1972

دراسة فكرية

المنهج الإسلامي بين الوسيلة والغاية

الحلقة الأولى

يكتبها: أبو سمية

ذلك الإنسان الواعي بحركة التاريخ، وبأدوار الصراع بين الحق والباطل، وفق ذلك النمط التركيبي الذي سرد به القرآن قصص الصراع بين موكبي الحق والباطل.

 

لعلنا نستطيع أن نسأل سؤالًا ضروريًا وحيويًا:

- ماذا يعطي الإسلام للحياة؟

- ماذا تفعل الصلاة مثلًا؟

- ماذا تفعل الزكاة والصيام والحج؟

- ماذا تفعل التنظيمات الاجتماعية والمعاملات التي شرعها الإسلام؟

- ماذا يفعل الإسلام -عمومًا- في الحياة؟

- إن العطاء الذي يمنحه الإسلام للحياة، ليس في أنه یسن آدابًا أو قوانین أو نظمًا أو طرائف للتعامل مع الخالق، إن هذه النواحي لا تعدو أن تكون جانبًا من عمله في الحياة.

 والإسلام لا يقف في تعامله مع الحياة عند حد الوصف لها وإظهار شتى ما تعج به من تناقضات، وما تستلزمه هذه التناقضات من علاج، إن هذا كله مجرد عمل تجريدي للحياة، لا يرتفع إلى مستوى عمل الإسلام فيها، وكما قال «جوته» فإن مشكلة العالم ليست في وصفه، والتقاط صورة قوية له، وإنما المشكلة الهامة والحيوية هي في تغييره والتحكم في مجراه.

وفي الإسلام «ثورة» ثورة عارمة عاقلة، تحث الناس دائمًا على تغيير أنفسهم عن طريق الحساب الدائم والجهاد الأكبر مع النفس، وعن طريق تغيير النفس -الذات- الذي هو الأساس الأول في التغيير في الإسلام. عن طريق هذا التغيير، يندفع الإسلام لتغيير حركة المجتمعات البشرية؛ وبالتالي لتغيير مجرى التاريخ.

 ولعلنا لم نصل بعد إلى تحديد عمل الإسلام في الحياة تحديدًا واضحًا، إن هذا العمل هو بصورة أكثر وضوحًا جذب الناس دائمًا إلى «التغيير» على أسس عامة «ثابتة» يضعها الإسلام، وكلمة التغيير، كلمة غائمة الأبعاد، لكنها فيما يتعلق بالتغيير الإسلامي لا تحتمل هذه الغيوم، ذلك أن «الأيديلوجية الإسلامية» أيديلوجية واضحة سهلة تتناول الحياة تناولًا فطريًا واقعيًا لا فلسفيًا تجريديًا ولكي يتعرف الإنسان على كل أبعاد هذه الأيديلوجية لا يتطلب الأمر منه أكثر من أن يتعرف على الأصول الكبرى في الإسلام، مستوحاة من كتاب الله وسنة رسوله، ومستلهمًا تصورها من أحقاب الإسلام التي كان فيها الإسلام الكلمة التي تتحرك وترى بالعين المجردة على وجه الأرض، وعلى أية حال فإن هذه الأصول لا تخرج عن كونها فهمًا خاصًا للحياة على الأسس التي ارتضاها الله لها، أي على أساس الانبثاق الديني والتسيير الإلهي، وعلى أساس الجانب الإنساني الذي يتمسك به الإسلام في استيعابه للحياة، على أساس من هذا وذاك يستطيع المؤمن السير في طريق الحياة دون غموض ولا تعقيد.

ولا زلنا بصدد ذكر مزيد من الإيضاحات فيما يتعلق بوجهة النظر الإسلامية الكلية الشاملة الخاصة بواقع الحياة.

وما دمنا مصرين على إعطاء مرحلة الوجود البشري حقها في النظرة الإسلامية، فإننا نستطرد إلى القول بأن الإسلام، بعد أن ينطلق من قاعدتي الأساس الديني والإنساني للحياة، وبعد أن يعطي الإنسان الشعار الخاص بضمان خلافته في الأرض على أساس التطور والتغيير الدائم على أسس ثابتة، وبعد أن يتمكن كذلك من التأثير الكامل على نفسية الفرد عن طريق العبادات المختلفة التي يقوم بها نفسه، ويعدها لتحمل نصيبها في تطوير الحياة وتحقيق الخلافة في الأرض.

بعد هذا كله، وبعد أن يشعر الإنسان بوجوده الكامل منذ ولادته وإلى الأبد، بعد كل هذا يعطيه مصباح القيادة الحقة الصحيحة.

إن الإنسان في الإسلام، ودعنا نستعمل من الآن مصطلح «الإنسان المسلم» باعتبار هذا الإنسان وحده هو الذي خضع لعملية التقويم الأولى التي ذكرناها.

إن هذا «الإنسان المسلم» ينظر إلى الحياة التي يجتاز صعابها وآلامها وآمالها من خلال فهم واضح لا خداع فيه ولا مجاملة.

 إن القضية التي يخضع لها الناس في الأرض ذات فرعين: فهناك خلق -في جانب الحق- وهؤلاء هم المسلمون الحقيقيون منذ إبراهيم الذي كان ضيفًا مسلمًا، بل منذ آدم، وهناك خلق في جانب الباطل، منذ النمرود وفرعون وأبي جهل. وعلى الإنسان المسلم أن يحدد موقفه من كلا النوعين.

إن المسلم لا يقف في جانب الحق، باتخاذه رسومًا، ودفعه ضريبة تقليدية تثبت ولاءه للإسلام الذي هو الحق. إن المسلم مطالب بأن يعمل دائمًا على ضم الناس إلى صفوف الحق وليس له أن يستعمل في ذلك وسائل فوق طاقته -أو وسائل قهرية- إن دعوته دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والفكر المستنير والصدر المفتوح، والتسامح مع الآخرين، والمثالية الذاتية، والجهاد لفتح الآفاق أمام الدعوة وليس للإجبار والقهر. وحين يتبع المسلم هذا الأسلوب فإنه إنما يستوعب أكثر الأساليب ملاءمة للفطرة البشرية وتجاوبًا معها؛ فهذه الفطرة تكره العنف حتى ولو كان حقًّا، وهي لا تقبل المستبد حتى المستبد العادل بالرغم من فساد هذا التركيب، وهي لا تقبل الأدوية العاجلة الانفعالية، وإن الإقناع الذكي الهادئ وسوقها بلا إفراط وتفريط، هو العلاج الناجح؛ لا بد أن يفهم المسلم هذا، فلا يتعجل الثمار حتى وإن انتهى عمره أو جيله، دون أن تبدو في الأفق دلائل قوية على نجاح قضيته.

 لقد مات الرسول -عليه السلام- دون أن يخرج الإسلام عن الجزيرة العربية إلا على نحو فردي محدود، ولقد بقي الرسول في مكة ثلاث عشرة سنة يعالج الفطرة في صبر وتدرج، دون تعجل للنتائج، وعندما عاد النبي الكريم إلى مكة أعطى الفطرة جرعة من الدواء، كانت كافية لإشعالها بأذكى طاقات الإيمان حين قال للذين طردوه وحاولوا قتله وتعقبوه بالحروب والدسائس: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وليكن من وعي المسلم جيدًا أن الفطرة طيبة ونظيفة وأن الحق فيها أصيل وعميق وأن عليه فقط أن يصبر على إزاحة الصدأ والأتربة من فوق العقول والعواطف والضمائر.

 إن الإنسان المسلم، هو ذلك الإنسان الواعي بحركة التاريخ وبأدوار الصراع بين الحق والباطل وفق ذلك النمط التركيبي الذي سرد به القرآن قصص الصراع بين موكبي الحق والباطل. وبعض الأنبياء مات دون أن يحقق نجاحًا ملحوظًا! ونوح لم يفقد إيمانه بقضية الإيمان؛ لأن ابنه لم يقتنع بالوقوف إلى جانب الحق! والمرأتان اللتان كانتا تتقاسمان الفراش مع نوح ولوط كانتا في جانب الباطل! وعلى العكس من ذلك كانت « آسية» مع فرعون مصر.

فللحق إذن جنوده، وللباطل جنوده، واستعمال العنف أو الانفعال الوقتي في سوق الناس إلى الحق، ليس من مصلحة الحق، بل هو وبال عليه، إذ هو مثير للفطرة ضده، والحق دائمًا صديق للفطرة، فليحذر الإنسان المسلم إيجاد صدام بينهما مهما بلغ به الحرص على نشر كلمة الإسلام في الأرض.

أبو سمية

 

إلى «المجتمع»

شعر: محمد صيام

 

لا تليني في الحق أو تستكيني

ضد من جندوا لهدم الدين

فلقد جاءت الحقائق تترى
مثل شمس الضحى أمام العيون

معلنات للمخلصين بما لا
يقبل الشك، بل بكل يقين

إن في هذه البلاد أناسًا
لا يريدونها بغير مجـون

منحتهم من خيرها وأفاضت
من رضاها عليهمو كل حيـن

ويريدون أن تميد بها الأرض
فتهوى إلى قرار مكـين

ولقد جربوا الفساد فماذا
حصدوا منه غير ذل وهـــــون؟

هل نسوا الأمة الكريمة لما
تبعتهم باءت « بنصر» مبين؟

فهوى بندها وخارت قواها
واستباح الأعداء كل الحصون

أو ليسوا «طلائع» النصر فيها؟
أو ليسوا روادها من سنين؟  

 أفما آن أن يفيئوا إلى الحق
بعيدًا عن كل حقد دفين؟

يا دعاة الإصلاح فاسدوا إليهم
كل نصح بكل رفق ولين

وخذوهم إلى الهداية حتى
تنقذوهم من الهوى والجنون

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نظرات اقتصادية في سورة البقرة (6)

نشر في العدد 2173

35

الثلاثاء 01-نوفمبر-2022

الإسلام و.. الثروة

نشر في العدد 62

26

الثلاثاء 01-يونيو-1971

الحقّ الذي عاد..

نشر في العدد 77

21

الثلاثاء 14-سبتمبر-1971