; دراسة في مراجع أهل الكتاب.. أضواء على التلمود | مجلة المجتمع

العنوان دراسة في مراجع أهل الكتاب.. أضواء على التلمود

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-1972

مشاهدات 15

نشر في العدد 111

نشر في الصفحة 16

الثلاثاء 01-أغسطس-1972

ما هو التلمود؟

أخذ الربيون والحاخامات تعاليمهم ومبادئهم عن الفريسين الذين كانوا متسلطين على الشعب أيام المسيح عليه السلام يحضونه على أتباع ظواهر شريعة موسى، ويحفظون لأنفسهم تفسير التقليدات المتصلة إليهم.

وبعد المسيح عليه السلام بمائة وخمسين سنة خاف أحد الحاخامات المسمى يوداس أن تلعب أيدي الضياع بهذه التعاليم، فجمعها في كتاب سماه «المشنا».

وكلمة مشنا معناها الشريعة المكررة؛ لأن شريعة موسى عليه السلام المرصودة في الخمسة كتب التي كتبها مكررة في هذا الباب، أما الغرض من المشنا فهو إيضاح وتفسير ما التبس في شريعة موسى وتكملة تلك الشريعة على حسب ما يدعون.

وقد زيد في القرون التالية على كتاب المشنا الأصلي شروحات أخرى صار تأليفها في مدارس فلسطين وبابل، ثم علق علماء اليهود على المشنا حواشي كثيرة وشروحات مسهبة دعوها باسم «غامارة» فالمشنا المشروحة على هذه الصورة مع الغامارة كونت التلمود، فكلمة التلمود معناها كتاب تعليم ديانة وآداب اليهود.

وهذه الشروحات مأخوذة عن مصدرين أصليين؛ أحدهما المسمى تلمود أورشليم وهو الذي كان موجودًا في فلسطين سنة ٢٣٠، وثانيهما تلمود بابل وهو الذي كان موجودًا فيها سنة ٥٠٠ بعد المسيح، ولا يحتوي على أقل من أربع عشرة ملزمة وهو تارة يكون بمفرده، وأخرى مضافًا مع المشنا وتلمود بابل هو المتداول بين اليهود.

ويوجد في نسخ كثيرة من التلمود المطبوع في المائة سنة الأخيرة بياض أو رسم دائرة بدلًا عن ألفاظ سب في حق المسيح ومريم والرسل عليهم السلام كانت مذكورة في النسخ الأصلية، ومع ذلك لم تخل من طعن المسيحيين، ويستفاد من الشروحات أن كل ما جاء في التلمود بخصوص باقي الأمم غير الأمة اليهودية كلفظ «أميين أو أجانب أو وثنيين» المراد منها المسلمون والمسيحيون وغير اليهود عمومًا.

ولما اطلع المسيحيون على هذه الألفاظ هالهم الأمر و تذمروا ضد اليهود، فقرر المجمع الديني لليهود وقتئذ في بولونيا سنة ١٦٣١ أنه من الآن فصاعدا تترك أمكنة هذه الألفاظ على بياض أو تعوض بدائرة على شرط أن هذه التعاليم لا تعلم إلا في مدارسهم الخاصة فقط؛ فيشرحون للتلميذ مثلًا أن المسيحيين مجبولون على الخطايا، ولا يجب استعمال العدل معهم ولا محبتهم أصلًا، وقد اعتنى بطبع التلمود طبعات مختلفة، والمستعمل منها هي النسخ التي طبعت منها في مدينة البندقية وهي الطبعة الكاملة، أما ما طبع في مدينة «أمستردام» في سنة ١٦٤٤ وفي «سلزباج» سنة ١٧٦٩ وفي «فارسوفيا» سنة ١٨٦٣ وفي مدينة براغ سنة ۱۸۳۹ فكلها مشطورة وما لم يذكر من الألفاظ السالفة الذكر إلا في النسخ المطبوعة في مدينة البندقية يشيرون إليه في باقي النسخ المطبوعة في مدينة البندقية.

ويعتبر التلمود من قديم الزمان كتابًا منزلًا مثل التوراة، بل إن الإنسان إذا تأمل أقوالهم عن التلمود يجدهم يعتبرونه أعظم من التوراة ذاته.

وجاء في التلمود أن أشيعا النبي هو الذي قسم أبوابه وفصوله «أشيعا ٣٣ ر» وأن الحديث مساو لشريعة موسى. وقال الحاخام المشهور «روسكي» في إحدى وصاياه: «يا بني التفت إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى»، وذكر في كتاب الحاخامات المؤلف في سنة ١٥٠٠ بعد المسيح أن من يقرأ التوراة بدون المشنا و الغامارة فليس له إله.

ويدعي الحاخامات لتلمودهم عصمة مطلقة؛ فقد جاء في كتاب يهودي اسمه «كرافت» مطبوع في سنة ١٥٩٠ «أعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء»، ولم يكتف الحاخامات بالتعالي على الأنبياء فحسب، بل هم يدعون بأنهم أعلم من الله «سبحانه وتعالى»، وجاء في التلمود «صحيفة ٧٤» أن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغييرها ولو بأمر الله، وقد وقع يومًا الاختلاف بين الباري وبين علماء اليهود في مسألة، وبعد طول جدال تقرر إحالة فصل الخلاف إلى أحد الحاخامات الربيين، واضطر الله -تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا- أن يعترف بغلطه بعد حكم الحاخام المذكور، وهذه العصمة لا تختص فقط بالحاخامات، بل بكل ما يتعلق بهم أيضًا، فقيل إن حمار الحاخام لا يمكن أن يأكل شيئًا محرمًا!! . . 

والحاخامات الذين ألفوا التلمود يأمرون بالطاعة العمياء لهم، ويدعون أن ما جاء في التلمود من التناقض بين أقوال الحاخام «هلال» والحاخام «شماي» صادر كله من الله، وحتى يبرر اليهود هذه العصمة لأنفسهم؛ فإنهم يدعون أحيانًا أن شريعة التلمود جاءت شفاهية لأنها إذا كتبت لضاقت الأرض عنها، ويقول الرابي مناحم كباقي الحاخامات: إن الله تعالى يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها في السماء!..

تلك هي منزلة التلمود عند اليهود، وهي أرفع من التوراة المنزلة ذاتها، وأعظم من أقوال الأنبياء، وفي الحلقة القادمة نتعرض لتعاليم التلمود وتفاصيله، إن شاء الله..

الرابط المختصر :