; دروس من أحد (الحلقة الأخيرة) | مجلة المجتمع

العنوان دروس من أحد (الحلقة الأخيرة)

الكاتب منير الغضبان

تاريخ النشر الثلاثاء 22-أبريل-1975

مشاهدات 40

نشر في العدد 246

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 22-أبريل-1975

أحد جبل يحبنا ونحبه.. هكذا خلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الجبل الأشم، أو قل هذا الصديق الأنيس. ومن أجل هذا نتعاطف معه، واليوم يتعاطف معنا، كما نحس بالحنين نحوه يوم تزلزل وكان عليه الرسول وأبو بكر وعمر وعثمان.

فناداه الحبيب: اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهیدان. بجانب الشهداء السبعين هناك وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، هؤلاء الشهداء الذين كانوا ثمرة مرة للمخالفة ورمزًا رفيعًا للصمود على مدى التاريخ.

31- تحدي الطاغوت، وبالرغم من الجراحات التي أثقلت جند الله. كان الجيش يخرج مع إطلالة الفجر لملاحقة المشركين ومطاردتهم. نستمع إلى مشاعر الجيش وآلامه على لسان أحد جنوده الذي يقول:

شهدت أحدًا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا وأخ لي. فرجعنا جريحين. فلما أذن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالخروج في طلب العدو. قلت لأخي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها. وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكنت أيسر جرحًا. فكان أخي إذا غلب حملتُه عَقَبَة، ومشى عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. أما بيان الله عن الحملة فكان: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (آل عمران: 172).

32- حسبنا الله ونعم الوكيل: أبو سفيان تحتقن روحه في حلقه يوم عاد مع جيشه دون أن يستأصل شأفة المسلمين. وقلبه يخفق رعبًا أن يلحق به جيش محمد. فالتقى. وهو يغذ السير- بوفد من بني عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة. قال: ولم؟ قالوا: نريد المسيرة. قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدًا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم هذه غدًا زبيبًا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم.

إنها محاولة نفشى لتحقيق نصر موهوم كاذب. وبحسب أن ما حل به من الرعب يوم أبلغ بمسير محمد إليه سوف ينزل بالمسلمين. ولكن هيهات يا أبا سفيان. فاسمع شهادة الله فيهم يوم بلغهم النبأ: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران:173- 174- 175).

33- الفئة المسلمة صفوة الله من خلقه: وقد تكون مثخنة بالجراح، وقد تكون عبقة بالآلام، وقد تكون مثقلة بالتضحيات. ولكنها تبقى صفوة الله من خلقه. ولو تبجح الكفر وجنوده، ولو طغى الباطل وتمرد. فهذه في ميزان الله خواء. فالمواساة إذن من الله يوم تطبق الأرض على المؤمنين. يقول الله لنبيه الكريم: ﴿وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (آل عمران:176- 177- 178).

جـ- لقطات من أحد

1-                       نحو أحد

قالوا هلم إلى أحد جبل الكرامة والسمو يحبنا نحبه ملء الدنان
أقوى أسير بجنبكم. أم هل أطير إلى هناك لأشهد الجبل المصان
في كل رمشة مقلة، وبكل رعشة خافق. وبكل دمعة عاشق روت جنان
 سيروا إلى أحد بنا.

هل قد وصلنا نحوه. أم هل تزلزل فاستبان
اثبت أحد؛ إن النبي عليك والصديق قاما، والشهيدان اثنيان
 بعدها الصحب أفادوا؛ اتئد من ها هنا أدخل وذياك البيان
 أترى الحجار السود هذي من ثوى فيها؟! من الراقد في قلب الجمان
 حمزة هذا، وهذا مصعب ثم ابن جحش جنبهم يكفيك ما تلقى فحدث ما تعان
 

بين يدي حمزة

واقشعر الرأس من هول البطولات التي دوت هنا فاهتز منها الخافقان
حمزة يمشي يهد القوم هــدًّا يذعر القوم منه ويزول الجانبان
حمزة يردي أسود الساح صرعى ويَروّي الرمل في الدم المصان
 أسد الله الذي جندل للكفر كماة، ورمى الشرك ذبيحًا بين ضرب وطعان
 حمزة هذا أتاه السهم غدرًا فهوى مثل هوي الصقر من أعلى مكان
 عانق الدّم رمال البيد، فامتصت دماه. حاول الزحف فخانته اليدان
لمس التّرب، بوجه أنور. فإذا الأرض التي حنت للقياه رخيات العنان
 في بكاء وعويل مأتم حله بها. فالحمز قد جاورها هذا الأوان
إنها تسعد فيه. إنما الثاكل يا صاحي محمد إنما الباكي عليه الفرقدان
 

في أتون الحقد

تلك هند تشهد الأرض هوى فيها أبا يعلى سعدى الجبان
حمزة هذا القتيل؟. قاتل البكر مع العم. وذباح أخ ثم أب يوم الرهان
 يهجم الحقد على الميت، يشق البطن. للآذان والأنف جدعًا في افتتان
تأكل الأكباد هند. علها للغيظ تروي ثم لا تستطيع لوكا فتدير الكأس ثان
تجعل الآذان والأنف قرطا. ويلها وحش رهيب. قدمن صخر صوان
إيه يا زوج أبي سفيان قد فزت بطولات بطولات وأمجاد وشان
 

النبي المفجوع

ورسول الله عن حمزة نادي ما دهاه؟ أين غاب البدر من هذا العيان
ثم يمضي قائد الركب فيلقى عمه أشلاء في الساح، ويلقى كبدًا ملقى مهان
عفر الدم برمل الأرض من تسعين جرح ثم لا أنف فيه لا آذان
حلم الأرض أصيب اليوم من جراء حقد الكفر، من أمثال هذا الشنآن
وبمثل الحمز إني ما أصبت، ما وقفت موقفًا أغيظ من هذا، وثأري لن يدان
آه لولا حزن أخت اللبث. لولا سنة بعدي يقوم الناس فيها كل آن
لتركت الليث في البيد صريعًا طعمة الوحش غذاء الطير، للحشر يصان
 

في قلب المعركة

وإذا جاري بجنبي قال: يا صاح أفق أقبل معي وانظر تعال
أحد هذا وهذا السفح قد تم به ذاك اللقا بدء القتال
ها هنا الإيمان دوى وهنا الكفر تلوى جر ذيل الانخذال
 فلواء الشرك يهوي إن عبد الدار قد صار بنوه في زوال
انظر السفح الذي بعد. هنا كان الصراع المر، تقتيل الرجال
هذه التلة في الخلف تراها. ها هنا كان الرماة تركوا رمي النبال
 قلت: يا صاح رويدًا إن في القلب لهيبًا، إن في الصدر اشتغال
ويح رأسي ما أراه؟ كل جيش الكفر ينقض من الخلف فتنهد الرجال
وجنود الحق ترتاع فلا تلوي على صوت إلى يثرب تشتد الرحال
 وإذا الأرض تميد، وإذا الشرك يريد اليوم أن يرفع رايات الضلال
 يأبي أنت وأمي يا محمد جيشك المغوار يرتاع فما تفعل في هذا المجال
 كل إجرام الدنا يسعى لأن تفنى. إذ التوحيد يغدو حلمًا طيف خيال
 

الرسول البطل

ثبت الحق كطود شامخ. إن يزل من هذا المكان أحد ما كان للحق زوال
يهشم الوجه، وتدمى الوجنتان والثنايا كسر أهلًا بساعات النزال
ثم تنحط السهام كلها صوب النبي كي يباد ممكن هذا؟! محال أبدًا الف محال
 إن دون المصطفى من كل عين درقة. من كل قلب قلعة صحبًا وآل
 يا أبا طلحة أعط الظهر للسهم لينصب به. ما لحم هذا. إنما صخر جبال
 ذاك سهم فر من ظهر أبي طلحة نحو المصطفى في لمح أبصار الرجال
طلحة الخير أتى السهم محمد!! أبدًا هذي يدي الترس لتنشل تزال
يا أبا وقاص لو تلقى نبيك. عتبة يدمي النبي. سعد يومي ألف سهم في النضال
ومع السهم نداء من رسول الله. يا سعد! فداك الأب والأم لهاتيك النصال
وأبي جاء كالكلب العقور. نابحًا لا عشت إن عاش الدعي لحظة بعد المقال
أخذ السهم محمد رسول الله وارتج به ثم رماه. وبعنق المدعي حط الرحال
فإذا الباغي ينادي قاتلي الآن محمد. لو بصاق كان منه أو سعال
 ثم يهوي مثل ثور خائر من ذبح أتاه فارتمى حتى غدا بين النعال
 

 

اللحظة الحاسمة

قال: صحبي انظر الصخرة هذي صال في قمتها الهادي وجال
 أيها الصحب أقلبًا نابضًا في البيد حدت أم حصاة رمقت هذا القتال
ها هنا قد جاء شرك الأرض في البيض ليردي سيد الخلق قتيلًا لا محال
ذلك الحب الحيي إنه أنعم فتيان قريش قمة الناس بهاء وثراء وجمال
يدفع الموت عن الهادي بلحم ودم فيه بسيف الحق يهوي لا يبال
قطعته البيض أشلاء ترى بعد سقوط ابن عمير يصل الهادي اغتيال
 بنت كعب لرسول الله ترنو فتراه يدفع الموت. جراحات ثقال
 تقذف الماء، وتستل حسامًا. هاك يا تاريخ ربات الحجال
قائد الركب يجيل الطرف في يمناه في يسراه يلقاها دفاعًا ونضال
تم تهوي أثر جرح غائر حل بها، قد رنق الوجه ابتسام وجلال
 

إنما النصر الثبات

عجز الطاغوت أن يزحف شبرًا جثث الحق تقيم السد عال
 فانكفى يحسب أن القتل نصر، ومضى في البيد يخشى أن يغال
 من جنود الله تنساح فتأتيه وفي القلب وجيب هو قد هد الوصال
 إنما النصر صمود والضحايا راية تعلن للكون أعاجيب النضال
 إنما النصر ثبات الحق في الساح وليس القتل عارًا في النزال
 إن من يصمد للباطل يومًا سوف يرديه صريعًا! لا محال.
 

 

لولا ثبات أحد

إنه لولا ثبات أحد ما انساح فتح في أقاصي الأرض في كل مجال
إنه يمضي ليجتاح بلاد العرب في آسيا وأفريقيا ونحو ذرى الأورال
ذلكم عقبة يثوي في بحار الأطلسي. طارق يأخذ منه الراية الكبرى تشال
اقتحم البحر وألقى رملة في قلب أسبانية حتى تداعت تحت أفياء الهلال
ذاك في الغرب. وفي الشرق يقود الركب رامي الألف سهم خير خال
تلكم أمجاد كسرى بيدي سعد تهاوى. سعد يهوي ساجدًا للمتعال
يأخذ الراية منه الثقفي حيث يجتاح سهول الهند يمضي في أقاصي الصين إلقاء الرحال
إنه لولا ثبات أحد. ما انساح هذا الفتح أو كان لنا ذكر يقال
 

لقد كانت الفقرة الأولى من البيان ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران:139). فمن كان مؤمنًا فهو الأعلى لا محالة وكانت الفقرة الأخيرة من البيان ﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (آل عمران:179) فلن يذر الله المؤمنين على ما هم عليه حتى يتميز الخبيث من الطيب بالمحن والآلام.

لا وهن ولا حزن. فالمؤمنون هم الأعلون ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران: 139).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرابط المختصر :