العنوان دروس من كتاب الله
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 03-يونيو-1975
مشاهدات 11
نشر في العدد 252
نشر في الصفحة 46
الثلاثاء 03-يونيو-1975
دروس من كتاب الله
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) َلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (من سورة النساء آية 60 – 65).
تقديم
أحاول أيها القاري أن أقدم إليك دروسًا من كتاب الله تعالى متوخيًا في اختيارها ضرورة الحاجة إليها، ومتوخيًا في تفسيرها الاعتماد على أوثق المصادر، وتقديم هذا التفسير أبسط أسلوب وأسهله، ومتوجًا في نهاية الكلام بما استنبطه العلماء من الأحكام، وربط ذلك بحال المسلمين اليوم ليدرك كل قارئ أین هو من دین الله تعالى فهمًا وتطبيقًا، والله أسأل أن يرزقني التوفيق والسداد، وأن يهدينا جميعًا لأقوى الإيمان وأحسن العمل، أمين.
شرح المفردات الغربية
يزعمون- آية 60 - ومعناها هنا: يدعون.
الطاغوت- آية 60 - ومعناها: كثير الطغيان سواء كان من الإنس أم من الجن.
بليغًا- آية 64 - مؤثرًا فيهم واصلًا إلى المراد.
شجر- آية 65 - حدث من اختلاف بين الطرفين.
من سبب نزول الآيات
قال السيوطي في أسباب النزول: أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال: كان أبو برزة الأسلمي كاهنًا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فانزل الله ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾... إلخ، وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد عن ابن عباس ما يفيد أن قومًا من المنافقين حدثت بينهم وبين قوم من المسلمين خصومة فدعاهم المسلمون إلى التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن المنافقين دعوهم إلى التحاكم إلى الكهان حكام الجاهلية فأنزل الله تعالى الآيات.
وقال الألوسى في تفسيره «روح المعاني» أخرج الثعلبي وابن أبي حاتم من طرق عن أبي عباس أن رجلًا من المنافقين يقال له «بشر» خاصم يهوديًا فدعاه اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف «لأنه كان يأخذ الرشوة كما جاء ذلك في روايته» ثم أنهما احتكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فلم يرضَ المنافق وقال: تعالَ نتحاكم إلى عمر بن الخطاب فقال اليهودي لعمر رضي الله عنه: قضى لنا رسول الله فلم يرضَ بقضائه، فقال للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم.. فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما، فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب عنق المنافق حتى برد- مات- ثــم قال: هكذا أقضي لمن لم يرضَ بقضاء الله ورسوله، فنزلت الآيات.. وهناك روايات أخرى في أسباب النزول منها الصحيح ومنها الضعيف وكلها تدور حول المعاني المذكورة.
تفسير الآيات
خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم خطابًا يدعوه فيه إلى التعجب من شأن هؤلاء الذين يزعمون ويدعون أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي محمد وبما أنزل إلى موسى من قبل محمد ومع هذا الادعاء بالإيمان بالقرآن وبالتوراة تراهم إذا نزل بهم أمر، أو وقعوا في خصومة، أو احتاجوا إلى تبيان حكــم فإنهم يُعرضون عن كتاب الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ويطلبون التحاكم إلى أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المسلمين، وهم الطواغيت والشياطين سواء أكانوا من الإنس أم من الجن وكان الواجب عليهم أن يكفروا بكل طاغوت، وبكل من ليس على دينهم، ولا يؤمن إيمانهم، ولا يلتزم بكتاب الله تعالى وقرآنه وسنة نبيه.
قال الألوسي: ولعله في مقابلة الطاغوت وفي معناه كل من يحكـم بالباطل.
وقال: يحتمل أن يكون الطاغوت بمعنى الشيطان.
والآية تفيد التعجب من كل من يدعى الإسلام ثم لا يُحكّم هذا الإسلام في قضاياه، إنما يحكم الشيطان.
وكل من لم يحكم بما أنزل الله فهو شيطان، لأنه يحكم بالباطل. إذ الحق هو الحكم بما أنزل الله فقط وما عدا ذلك فهو حكم باطل، والحكم بسنة رسول الله وبالإجماع وبالقياس هو حكم بما أنزل الله تعالى.
والآية التي معنا قبلها آية ألزمت جميع المسلمين أن يردوا كل أمورهم إلى كتاب الله وسنة رسوله إن كانوا مؤمنين حقًّا ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (النساء:59).
وفي ختام الآية التي نحن بصدد تفسيرها يقول تعالى في الذين يتحاكمون إلى غير القرآن والسنة ويرتضون حكم الشيطان ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾(النساء:60).
وهنا يجب أن يدرك جميع الذين يتحاكمون إلى القوانين المستوردة من الشرق أو من الغرب أنهم بذلك وضعوا أنفسهم ووضعوا أممهم تحت رحمة الشيطان- إن كان للشيطان رحمة- وأنهم بذلك ضلوا عن الحق وأضلوا أممهم وأن مسؤوليتهم أمام الله كبيرة وعظيمة وخطيرة.. ولأن يحيا الإنسان معلقًا في خطاطيف من حديد طيلة حياته خير له ألف مرة من أن يعذب يوم القيامة بعدد كل فرد في الأمة حكمه بقانون غير قانون الله.
وفي الآية (٦١) بين سبحانه وتعالى موقف المنافقين من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنهم إذا دعاهم مخلص ليحكموا بالقرآن والسنة ويلجئوا إليهما في كل أمورهم فإن نفاقهم يتغلب عليهـم ويجعلهم لا يسمعون ولا يطيعون، بل يعرضون إعراضًا ملموسًا وينفرون نفورًا واضحًا. وهنا يستطيع كل من يدعي الإسلام أن يكشف عن نفسه بسهولة ليعلم هل هو من الصادقين أم هو من المنافقين. وكتاب الله لا يجامل ولا يحابي، إنما يضع كل إنسان في موضعه الذي يستحقه.
ثم قال تعالى في الآية (٦٢)﴿فَكَيْفَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيْبَةٌ بمَا قَدَّمَتْ أيْدِيْهِمْ﴾ إلى آخر الآية. والمعنى: فكيف يكون حالهم إذا أحاطت بهم المصائب من كل جانب بسبب اتباعهم للشياطين وعصيانهم رب العالمين، فذلت أممهم، واحتلت أرضهم، وضاعت بركة أموالهم وأولادهم، وركبتهم الهموم، وغشيتهم الأمراض وفر منهم الاستقرار؟ حينئذ يندمون بعد فوات الأوان، ويعتذرون بأن قصدهم كان حسنًا وأنهم ما أرادوا إلا خيرًا، ولو وُفِّقوا لعلموا أن الخير كله في اتباع كتاب الله وسنة رسوله، وليس في اتباع الشيطان الذي لا يريد بهم إلا السوء والشر والضلال بعيد الأثر طويل الأمد.
ثم فضح الله أمر هؤلاء المنافقين وبين أنه تعالى لا يخفى عليه ما في قلوبهم في آية (٦٣) وأصدر تعالى أمره إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عن هؤلاء المنافقين ما دام هو يحكم بكتاب الله، وما دام الصادقون من المؤمنين يرتضون هذا الدين والتحاكم إليه، وما دام أمر المنافقين لا يتعداهم إلى غيرهم، ولا يؤثرون إلا في أمثالهم، حينئذ يكفيهم في الدنيا أن يعرض عنهم رسول الله والمؤمنون، وأن يعظوهم ويقولوا لهم قولًا بليغًا مؤثرًا فربما أفاد بعضهم، أما إن حاولوا أن يثيروا الفتن في الأمة ويبلبلوا الأفكار ويسمموها فإن لهم شأنًا آخر هو رفع السيف فوق رؤوسهم حتى يتوبوا أو يقتلوا.
وفي الآية «74» أوضح سبحانه وتعالى أنه لم يرسل رسله وينزل كتبه إلا ليطاع الرسول بإذن الله وأمره ويتبع الكتاب ويطبق في جميع شؤون الحياة، فمن آمن بالله ولم يطعه وآمن بالرسول ولم يتبعه فقد كذب في إيمانه، ونافق في عقيدته، ولم يفقه عن الله شيئًا، ولم يعلم عن الدين ما يجب.
وهو بذلك ضال يعيش مع الهوى ويخضع للشيطان.
ثم بين تعالى أنه لا يغلق باب التوبة على أحد، ولا يحرم من رحمته من تاب.
لذلك لو جاء المنافقون إلى رسول الله أثناء حياته، أو تضرعوا إلى ربهم تائبين صادقين خاضعين لحكم الله وحكم رسوله لوجدوا الله توابًا رحيمًا، يغدق عليهم من فضله، وينشر عليهم من رحمته، ويكفر عنهم ما ارتكبوه من أخطاء.
ثم يختم الله تعالى الموقف كله بالآية «65» التي يقسم تعالى فيها بذاته بأنه لا يعتبر أي إنسان مؤمنًا إيمانًا ينجيه من النفاق ويخرجه من الكفر في الدنيا، ويبعده عن عذاب الله في الآخرة إلا اذا استوفى ثلاثة شروط:
1- أن يحكموا رسول الله في كل أمر يختلفون فيه، والمراد تحكيمه في كل أمر من أمور الدنيا والآخرة، والمراد من تحكيم رسول الله هو تحكيم دين الله، لأن الرسول لا يحكم إلا بما جاء في كتاب الله نصًا أو استنباطًا.
2- أن لا يجد المسلم حرجًا وضيقًا في قلبه بعد أن يسمع حكم الله وحكم رسوله.
3- أن يخضع باطنه ويستسلم لحكم الله وحكم رسوله كما يخضع ويستسلم ظاهره لهذا الحكم بحيث ينطبق عليه معنى الإسلام ظاهرًا وباطنًا فإن نفر باطنه أو دل ظاهره على عدم الخضوع للإسلام فهو كافر وليس بمسلم.
والأمة تشمل الفرد والجماعة والدولة في كل شأن من شؤون الدنيا والآخرة التي وضع الإسلام لها أحكامًا وقضى فيها أو أمرنا أن نبحث عن حكم الله فيها بالاجتهاد والاستنباط وغيرهما من طرق معرفة أحكام الإسلام.
ملخص الأحكام الشرعية المأخوذة من الآيات:
1- فرض على كل مسلم أن يكون التشريع الإسلامي هو المصدر الوحيد لجميع ما يلزمه من الأحكام، سواء كانت خاصة بالفرد أم بالمجتمع أم بالدولة وهذا هو مقتضى الإيمان.
2- كل من أظهر الإسلام ثم أخذ أحكام دينه أو دنياه من غير الكتاب والسنة فهو منافق وإن صلى وصام وحج البيت ألف مرة، ولذا قال الإمام جعفر الصادق: «لو أن قومًا عبدوا الله تعالى، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصاموا رمضان، وحجوا البيت ثم قالوا لشيء صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا صنع خلاف ما صنع أو وجدوا في أنفسهم حرجًا لكانوا مشركين».
3- كل من تحاكم إلى غير الكتاب والسنة فهو متحاكم إلى الشيطان وهو ضال حينئذ عن الحق ويتحمل وزر نفسه ووزر من يعولهم ويرعاهم.
4 - واجب على كل مؤمن أن يكفر بكل ما لا يتفق مع دينه ويتبرأ منه مهما كان مصدره.
5- كل من دعى إلى العمل بالكتاب والسنة في نفسه أو بيته أو مجتمعه، وفي عبادة أو معاملة أو قانون فلم يرض بالتحاكم إليهما وقدم غيرهما فهو منافق نفاق الكفر بنص الآية الكريمة.
6 - لا تسمى الأمة أمة إسلامية بأي حال إذا نبذت أحكام الله وارتضت أحكام غيره «الشيطان» كبديل عن كتاب الله وقانونه، لأن الإسلام معناه الاستسلام لأحكام الله تعالى عن رضا واقتناع.
7 - كل مصيبة تصيب الأمة حين تعرض عن دين الله فهي جزاء أعراضها.
8 - على العلماء والمخلصين من المسلمين أن يعرضوا عن المنافقين، ويبتعدوا عن مخالطتهم ومجالستهم بعد أن يعظوهم ويلزموهم الحجة.
9 - من لم يطع الرسول فكأنه لم يؤمن برسالته، لأن الغرض من الإيمان بالرسول هو طاعة هذا الرسول.
10 - باب التوبة مفتوح لكل فرد أو جماعة أو دولة ممن عصوا الله وأعرضوا عن أحكامه وعاشوا في النفاق الكفري، وأغضبوا الله عليهم.
11 - أقسم الله بذاته العلية على نفي الإيمان من كل إنسان يدعيه ولكنه لا يحكم دين الله في قضاياه، مع الرضى بهذا الحكم والخضوع له ظاهرًا وباطنًا، وبذلك فصل الأمر تفضيلًا بينًا.
خلاصة
أرجو أن يقرأ كل مسلم هذه الآيات عدة مرات متفهمًا معناها وعارضًا نفسه عليه ليعلم أين هو منها، فإن ما أخشاه أن يكون عدد كبير جدًا ممن يدعون الإسلام قد خرج من هذا الدين وصار من الكافرين خصوصًا بعد أن فتحت الأبواب أمام جميع تيارات الكفر والانحلال والاستهتار بالقيم، وبعد أن صار الإعراض عن الدين أمرًا مألوفًا وصار الطعن في هذا الدين، والتصريح أو التعريض بعدم صلاحية أحكامه دأب الكثيرين، ولا حساب ولا عقاب، بل يعاقب من يقول كلمة الحق، ويعلى كلمة الله، ويصرخ في وجه الأمة وا غوثاه، مما أخشاه على هذه الأمة في حاضرها ومستقبلها إن لم تتدارك أخطاءها، وترجع إلى ربها ودينها وعزها المستمد من الله تعالى.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
بسرعة الصاروخ.. كيف سرَّعت دول عربية التغيير فـي المناهـج الدراسيــة لمصلحــة اليهــود؟
نشر في العدد 2180
30
الخميس 01-يونيو-2023