; دستورنا | مجلة المجتمع

العنوان دستورنا

الكاتب حسن الهضيبي

تاريخ النشر الثلاثاء 08-فبراير-1983

مشاهدات 40

نشر في العدد 607

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 08-فبراير-1983

في هذه الأيام التي يكثر فيها الكلام عن الدستور، ولجنة الدستور، وكيفية وضعه، وماذا ينص فيه، يتساءل الناس عن معنى قول الإخوان المسلمين «القرآن دستورنا» ومكان هذا الكلام من الدستور المرتقب، وما ينبغي أن يكون عليه الدستور الجديد حتى يكون متفقًا مع ما جاء في القرآن الكريم من أحكام.

ليست دعوة الإخوان المسلمين شيئًا جديدًا، وإنما هي الدعوة التي أمرنا الله تعالى بتبليغها إلى آخر الزمان ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ (آل عمران: ١٠٤). وقد أذن الله لهذه الدعوة أن تنشأ في مصر، ثم تجتاز حدودها إلى جميع البلاد الإسلامية، حتى لم يعد «الإخوان المسلمون» اسمًا لجمعية أو هيئة في مصر، ولكنه أصبح علمًا على بعث فكرة الإسلام الخالص النقي، ونهضة المسلمين في جميع مشارق الأرض ومغاربها. 

ولما كان هذا البعث لا يتفق مع ما وقع فيه المسلمون بسبب تركهم دينهم، وعدم اتباع أوامره ونواهيه، والأخذ بفضائله من جهل وذل واستعباد، كان أعداء الإسلام، والمستعمرون، وطلاب المنافع الحرام، والجهلة من كبراء المسلمين، حربًا على دعوة الدين: يشوهون من مقاصدها، وينسبون لها ما ليس منها بالكذب والافتراء وتزييف الوقائع، حتى لقد أخبرني بعض العائدين من السويد أن الجرائد نشرت صور نفر من الناس مقطوعي الأيدي، يظن أنهم من مشوهي الحرب، وكتبت تحتها: هكذا يقطعون الأيدي في القاهرة من أجل السرقة. وأخبرني بعض مراسل الصحف الأجنبية، أن القوم في إنجلترا يعتقدون أن دعوة الإخوان المسلمين هي دعوة إلى ترك جميع مظاهر المدنية، والرجوع إلى عيشة البدو في الصحراء. 

فرأیت - لذلك - أن أعبر عما يمكن أن يشتمل عليه الدستور الجديد من مبادئ مأخوذة من القرآن.

***

وقبل ذلك يجب أن نعلم أن القرآن الكريم، لم يقم على القوانين وما اشتملت عليه من عقوبات ومعاملات وعبادات فقط، فإن القرآن نحو ستة آلاف آية، ومجموع آيات الأحكام فيه لا يزيد عن خمسمائة آية، فصلها العلماء، وبنوا عليها فقهًا كثيرًا لا يختلف إلا في قليل عن أحكام العصور الحديثة. وإنما قام القرآن على تهذيب الأخلاق وتزكية النفوس وتطهيرها، وإصلاح المجتمع من المفاسد والعمل على سد الذرائع للجرائم كافة؛ وما العقوبات التي وردت فيه إلا عقوبات صارمة، الغرض منها كف الناس عن الشر إن لم يثمر فيه التهذيب وتجاوزوا حدهم بعد أن استوفوا حقوقهم.

فنحن حين نطالب بالعمل حسب كتاب الله وسنة رسول الله، لا نبغي من وراء ذلك تطبيق الأحكام الواردة في القرآن فحسب، ولكننا نرجو أن يجعل القرآن منهاجًا يسار عليه في الحياة ويطبق بحذافيره.

وكان هذا حسبنا من كل دستور آخر، لأن القرآن هو الدستور الكامل الشامل الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في بناء الأمة إلا عالجها، تارة بالتفصيل، وتارة بالإجمال، تاركا لها أن تمضي في التفصيل على ما تقتضيه مصالحها ولا تتعارض مع الأصول التي وضعها.

هل الحكم بالقرآن فرض؟!

ولنذكر الآيات التي تدل على أن الأخذ بكتاب الله فرض علينا، لا يحق لنا أن نتحلل منه بأي وجه من الوجوه، ولا ينبغي أن نتعلل في عدم تطبيقه بالظروف والملابسات، لأن هذه الظروف والملابسات من فعلنا، ويجب العمل على إزالتها.

هذه هي الآيات فاقرأها إن شئت:

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (النساء: ٥٩).. 

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ (آل عمران: ۱۰۳)

﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (النساء: ١٤). 

﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (المائدة: ٤٨)

﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة:49-50)

﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (الأنعام: ١١٤) 

﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام: ١٥٣).

﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام: ١٥٥).

﴿المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (الأعراف: 1-3)

﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44)

﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (المائدة:45)

﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (المائدة:47).

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (المجادلة:5).

هذه هي آيات بينات، فيها برهان قاطع على وجوب الحكم بكتاب الله، ولا يقول بغير ذلك إلا من رضي لنفسه الكفر والظلم والفسق. ومحاداة الله ورسوله وعدم الاعتصام بحبل الله. فهو قليل الحظ من التوفيق والهداية.

أحكام القرآن

اشتمل القرآن - فيما اشتمل عليه - على أحكام عملية يمكن تلخيصها فيما يلي:

1 - العبادات:

 وهي ما شرعه الله تعالى لتنظيم علاقته بخلقه، كالصلاة والصوم والزكاة، والصدقات، والحج، إلخ...

۲ - المعاملات:

وهي الأحكام التي تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض، وتقيم الروابط بينهم على العدل والرحمة والتعاون والمحبة والتعاون ورفع أسباب الضر والعدوان، واجتلاب الخير والمنفعة للناس جميعًا ويدخل في ذلك نوعان:

المعاملات المدنية: من بيع وإجارة، ورهن، وشركة، إلخ. وهذه القوانين في الشريعة كأحدث القوانين في العصر الحاضر إلا ما حرم الله فهو حرام إلى يوم القيامة.

والأحوال الشخصية: من زواج وطلاق، وعدة، وثبوت نسب إلخ.. وهذه قد أمرنا فيها بترك الناس وما يدينون، فإن جاءوا إلينا حكمنا بينهم بما أنزل الله.

3- العقوبات:

وقد شرعت لحفظ حياة الناس وأعراضهم وأموالهم: تأديبًا للناس، وزجرًا لهم عن ارتكاب الجرائم، مثل عقوبات القتل والسرقة، وقطع الطريق، وأهل الفساد، والزنى والقذف أي القصاص والحدود.

4- أحكام نظمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم:

وبيان حقوق ولي الأمر على الرعية، وحقوق الرعية على ولي الأمر، وأحكام الشورى، والعدل، والمساواة بين الناس.

5 - وأحكام أخرى شرعت للحرب والقتال:

 وتنظيم علاقة المسلمين بغير المسلمين... إلخ

علاقة الحاكم بالمحكوم

ولما كان الدستور المراد وضعه ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم، جريًا على ما عليه الأمم الغربية، وتحسب أنها سباقة إليه كما يحسب جهلة المسلمين. فليس من الممتنع علينا أن نضع الأحكام كلها من القرآن، ونبرز فيها المعاني المهمة التي تقوم عليها حياة الأمة وصلاح حالها.

*فينص فيه على أن الحاكم تختاره الأمة لمدة محدودة أو غير محدودة، على أن يكون محاسبًا ليس فقط عن أعماله السياسية، بل على أعماله الجنائية والمدنية، ويحاكم أمام أية محكمة عادية، بل إن لأي إنسان أن يرفع عليه الدعوى بذلك أمام المحاكم، فالإسلام لا يعرف في ذلك كبيرًا ولا صغيرًا كلهم عنده سواسية كأسنان المشط.

* وكذلك ينص فيه على أن القوانين مصدرها شرائع الإسلام - وشرائع الإسلام كثيرة تتسع لأحكام الزمان جميعًا، فما اتفق منها مع أصولها، كان شرعًا بإقرار ولي الأمر له، وما لم يتفق، اطرحناه اعتقادًا منا بأن الله ما أراد لنا أن نتجنبه إلا خيرًا أراده.

*وينص فيه على وجوب تعليم الرجل والمرأة شرائع الإسلام على السواء - أما العلوم الأخرى فهي فرض كفاية يتحمل المسلمون إثم التقصير في تحصيلها إلى أن يحصلها من بينهم من يفي بحاجة الأمة في كل فرع وفن.

  • وينص فيه على حق الفقراء جميعًا من المسلمين وغير المسلمين في العمل، وفي المسكن، والملبس، والمأكل. 

  • وينص فيه على احترام الأديان الأخرى وحرية أهلها في عقائدهم وعصمة أرواحهم وأعراضهم وأموالهم إلا بالحق. 

ولست في ذلك أضع مواد الدستور، فلذلك مجال آخر، وإنما أشير إلى بعض المسائل التي يظنها الناس من مميزات العصر الحاضر، وما هي كذلك، وإنما هي من قواعد الإسلام وأصوله، يأثم تاركها، ويعاقبه الله على عصيانه فيها، ولو كانت المعصية بينه وبين نفسه.

الأحوال الشخصية لغير المسلمين

إن مما أتى به الإسلام فيما يعتبر من المعاملات، ما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية وهذه لا تطبق على المسيحيين ولا على غيرهم، بل يطبق عليهم حكم ديانتهم، لذلك أمرنا بتركهم وما يدينون. فما داموا متفقين على التحاكم إلى كتابهم، فليس لنا بهم شأن. أما إذا جاءونا، فإننا نحكم بينهم بما أنزل الله.

... والمعاملات

وأما المعاملات مثل البيع والاجارة، والرهن، فليس للمسيحية فيها نصوص، لذلك كان الأخذ بما تراه الأغلبية في مصلحتها واجبًا يأخذه المسلمون على أنه دين، ويأخذ المسيحيون على أنه قانون - ولعله من الخير لهم أن يأخذه المسلمون على أنه دين، لأن هذه الفكرة تعصمهم من الزلل في تنفيذه، وعين الله الساهرة ترقبهم لا رهبة الحاكم التي يمكن التخلص منها في كثير من الأحيان- على أن المعاملات في شريعة الإسلام غاية في السمو والعدالة - وليس للمسيحيين أن يشكوا في أنها تحرم الربا، فهو محرم في ديانتهم، وقد أقام المسيحيون على ذلك ثلاثة عشر قرنًا حتى أصبحت شرائع الإسلام في هذه الناحية تعتبر شرائع قومية لهم.

... والعقوبات

وأما العقوبات، فأكثر ما يعترض بها علينا قطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن. وقد بينا في كثير من المناسبات، أنه لا تقطع يد سارق إلا إذا استوفى حقه من التعليم، ومن المسكن والملبس والمأكل والعلاج، وسداد دينه إن كان مدينًا، ولذلك لم يثبت في تاريخ الإسلام، إنه قطعت أيدي أكثر من ستة أشخاص، ورهبة العقوبة مانعة من التعدي. وأما حد الزنى، فحسبنا أنه لم يثبت ولا مرة واحدة بشهادة الشهود - وهم أربعة لا بد أن يروا رأي العين.

 فهذه عقوبات تهديدية لكي تبين للناس فداحة الجرم إن هم أقدموا عليه وعادلة لأنها لا تطبق إلا في مجتمع إسلامي متكامل توفرت فيه دعائم التربية السليمة، وأسباب الاستقرار الاجتماعي المادية والأدبية.

 ووراء الحدود القليلة التي نص عليها الكتاب، وبينتها السنة باب واسع لنظام العقوبة في الإسلام اسمه «التعزير» واستفاضت فيه بحوث فقهاء الإسلام، وبلغت حدًا من الغنى والدقة يعز معهما على دارس القانون أن يرى جهل المسلمين بها، وغفلتهم عن الاستفادة منها، وآراء الفقهاء فيها تقابل الآراء المعمول بها في القوانين القائمة فماذا علينا لو تلمسنا الرأي النافع فيما عندنا، قبل أن نتسول له عند غيرنا، فنكون بذلك قد أرضينا ربنا الذي قال: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ (المائدة:49) ولم يقل بمثل ما أنزل الله، وتكون كذلك قد حفظنا على أمتنا عزتها القومية، وأمانتها في رعاية الميراث العزيز الذي ألقاه التاريخ إليها؟!

 وبعد، فإنه يجب أن يتبين الناس أغراضنا من الدعوة إلى الإسلام والحكم بشرائعه.. إنها الدعوة إلى العلم والعمل، وإلى النظام الإلهي المحكم، في محاربة الرذيلة، والجهل والمرض.. دعوة إلى الطهر والاستقامة والخير للناس كافة...

والله يتولانا بتأييده.…

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 6

183

الثلاثاء 21-أبريل-1970

الحركة الإسلامية في الهند

نشر في العدد 11

85

الثلاثاء 26-مايو-1970

مناقشات حول الحركة الإسلامية