; دور الأمانة في صيانة المجتمع والدولة من الخيانة | مجلة المجتمع

العنوان دور الأمانة في صيانة المجتمع والدولة من الخيانة

الكاتب د. جمال نصار

تاريخ النشر الجمعة 01-أبريل-2022

مشاهدات 11

نشر في العدد 2166

نشر في الصفحة 62

الجمعة 01-أبريل-2022

نظام الأخلاق في الإسلام يوجب الأمانة للمسلمين وغير المسلمين وللأبرار والفجار

الإسلام حذر من أن يتولى العمل إنسان وهناك من هو أفضل منه وأقدر على أدائه

العامل إذا استغل وظيفته استغلالاً سيئاً فإنه لا يجني إلا الإثم والهلاك

كل عمل له مؤهلاته الخاصة به ولا يُكتفى بالتقوى والورع لتولي مهام الأمة

د. جمال نصار

أستاذ الفلسفة والأخلاق بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم 

الأمانة هي كل ما ائتمن الله عز وجل الإنسان عليه، من أمر ونهي لإصلاح الدنيا والآخرة، أو بمعنى آخر هي «كل حق لزمك أداؤه وحفظه»(1).

قال عز وجل: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء: 58)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنَكَ، ولا تَخُنْ مَن خانَكَ»(2)، ويقرر صلى الله عليه وسلم أن الأمانة شرط للإيمان، قال: "لا إيمانَ لمن لا أمانةَ لهُ ولا دينَ لمن لا عهدَ لهُ"(3).

والأمانة واجبة للمسلمين وغير المسلمين، وللأبرار والفجّار، وهذه هي السمة الإنسانية العامة لنظام الأخلاق في الإسلام، بعكس اليهود، فكانوا يوجبون الأمانة لليهود، ويستحلون خيانة الأمانة مع غيرهم، ويقولون كما سجل القرآن الكريم: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (آل عمران: 75)، أي لا حرج عليهم في خيانة العرب، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذّبهم وقال: «كذب أعداءُ اللهِ، ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحتَ قدميَّ إلا الأمانة، فإنها مؤداة إلى البارِّ والفاجرِ»(4).

وكثير من الناس يحصرون الأمانة في أضيق معانيها وحدودها، فيرونها قيام الإنسان بحفظ ما يودع لديه من مال، فإن وفّاه صاحبه كان أميناً، وإن أنكره وتلاعب به كان خائناً، وهذا وإن كان من معاني الأمانة أنه في الواقع أضيق حدودها(5).

وللأمانة صور عديدة، منها:

أولاً: تولي المناصب والوظائف العامة: 

فقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أَلا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قالَ: فَضَرَبَ بيَدِهِ على مَنْكِبِي، ثُمَّ قالَ: «يا أَبا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعِيفٌ، وإنَّها أَمانَةُ، وإنَّها يَومَ القِيامَةِ خِزْيٌ وَنَدامَةٌ، إلّا مَن أَخَذَها بحَقِّها، وَأَدّى الذي عليه فِيها»(6)، وقد حذر الإسلام أن يتولى العمل إنسان وهناك من هو أفضل منه وأقدر على أدائه(7).

وعلى هذا، فكل عمل له مؤهلاته الخاصة به، ولا يُكتفى بعنصر التقوى والورع لتولى مهام الأمة، بل لا بد من توافر شرطي القوة والأمانة. 

ثانياً: إتقان العمل وإجادته: 

فمن معاني الأمانة أن يحرص المرء على أداء واجبه كاملاً في العمل الذي يناط به، وأن يستفيد جهده في إبلاغه تمام الإحسان، ويسهر على حقوق الناس التي وُضعت بين يديه، فإن استهان الفرد بما كُلف به، وإن كان تافهاً، يؤدي ذلك إلى شيوع التفريط في حياة الأمة كلها، واستشراء الفساد فيها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخازِنُ الأمِينُ، الذي يُؤَدِّي ما أُمِرَ به طَيِّبَةً نَفْسُهُ، أحَدُ المُتَصَدِّقِينَ»(8). 

أما إذا استغل العامل عمله أو وظيفته استغلالاً سيئاً، فإنه لا يجني من وراء ذلك إلا الإثم والهلاك.

ثالثاً: الاهتمام بالرعية: 

فالراعي الأمين على رعيته هو الذي يتقي الله فيهم، ويأخذ بأيديهم إلى الله تعالى، ويذكرهم به، ويشعرهم برقابته، ويأمرهم بالمعروف، ويأتمر به فيهم، ويكون على وَجَل من الله عز وجل، يقول عبد الرحمن بن عوف: قدمت رفقة من التجار نزلوا المصلى، فقال لي عمر: هل لك أن تحرسهم الليلة؟ فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه، فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى الصبي، ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه، فقال: اتقي الله وأحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال لها: ويحك! إني لأراك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة؟ قالت: يا عبدالله، قد أبرمتني منذ الليلة، إني أريغه عن الفطام فيأبى، قال: ولِمَ؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً، قال: ويحك لا تعجليه، فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم، قال: يا بؤساً لعمر كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر منادياً فنادى: ألا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق: أن يفرض لكل مولود في الإسلام(9).

رابعاً: أمانة الحديث: 

فالحديث الذي يدور بين الأصحاب والجيران أمانة، فيجب عدم إفشاء ما قيل في المجلس من أسرار، وتحريفه، بتغيير الكلام ليفيد معنى غير الذي قيل، فإن في هذا خيانة للأمانة، وفي الحديث: «إذا حدَّث رجلٌ رجلاً بحديثٍ ثمَّ التفت فهو أمانةٌ»(10). 

وكم من حبال تقطّعت، ومصالح تعطلت، لاستهانة بعض الناس بأمانة المجلس، وذكرهم ما يدور فيه من كلام، منسوباً إلى قائله أو غير منسوب.

خامساً: رد الودائع لأصحابها: 

هذه الصورة من صور الأمانة هي الصورة التي يرى الناس فيها الأمانة أو الخيانة، فمفهوم الأمانة عند عامة الناس يقتصر على رد الودائع لأهلها، وإن كان هذا المفهوم قاصراً، إلا أن هذه الأمانة بالفعل من أخطر الأمانات؛ وذلك لأن النفس تضعف عند شهوة المال، وخصوصاً إذا لم يكن لدى صاحب الوديعة ما يثبت له حقه، فحينئذ يسيل لعاب الإنسان للمال، ويعتبرها غنيمة.

هذه بعض صور الأمانة التي حث عليها الإسلام، ومنها أيضاً الأمانة في النصح والمشورة، وتبليغ العلم، وحفظ العقل والجسم، وحفظ مال اليتيم من الأمانة، «والأمانة بهذا المعنى وهذه الحدود سر سعادة الأمم أو شقائها، ويوم كانت أمتنا من أصدق الشعوب في كل هذه الأمانة والوفاء بها، كانت أمتنا خير أمة أخرجت للناس»(11).

الهوامش

(1) فيض القدير، المناوي، 1/ 288.

(2) سنن أبي داود، حديث رقم (3535).

(3) مسند أحمد، حديث رقم (12567).

(4) أدب الدنيا والدين، الماوردي، ص297.

(5) أخلاقنا الاجتماعية، مصطفى السباعي، دار الرواق، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ/ 1999، ص150.

(6) صحيح مسلم، حديث رقم: (1825).

(7) الحسبة في الإسلام، ابن تيمية، مطبعة المؤيد، الرياض، 1318هـ، ص8

(8) صحيح البخاري، حديث رقم (2260).

(9) صفة الصفوة، ابن الجوزي، 1/ 282، وانظر: أخلاق الإسلام وأخلاق دعاته، ص171 – 172.

(10) سنن أبي داود، حديث رقم (1959).

(11) أخلاقنا الاجتماعية، مرجع سابق، ص154.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الوديعة بين الشريعة والقانون

نشر في العدد 47

27

الثلاثاء 16-فبراير-1971

أكثر من موضوع (189)

نشر في العدد 189

19

الثلاثاء 26-فبراير-1974