; دور الفن في تهذيب المجتمع  وعلاج ما بعد الصدمات | مجلة المجتمع

العنوان دور الفن في تهذيب المجتمع  وعلاج ما بعد الصدمات

الكاتب أمل زكريا

تاريخ النشر الأربعاء 01-مارس-2023

مشاهدات 21

نشر في العدد 2177

نشر في الصفحة 42

الأربعاء 01-مارس-2023

دور الفن في تهذيب المجتمع

 وعلاج ما بعد الصدمات

الفن وسيلة تعويضية عما يشعر به الفرد من عجز نفسي أو جسمي أو اجتماعي

القرآن يدعو للاحتراز من البيئة المغذية للحزن ويأمر باحتواء الانفعالات

 السلبية

 

أمـل زكريـا

لا يخفى علينا أن التراكمات السلبية بعد المرور بالكوارث الطبيعية كالزلازل، والأحداث الدامية كالحروب، والتعرض للعنف المتكرر أو الكروب والابتلاءات الحياتية، مشاعر لا يخلو منها إنسان، وتتباين قدرتنا على التعافي حسب طبيعة كل منا؛ فمنا من يتجاوزها بصورة طبيعية وقتية، ومنا من تتملكه المشاعر السلبية، فلا يستطيع الفكاك منها، ويتمكن منه اليأس والغضب على النفس وعلى الآخرين وجلد الذات التي تصيبه جميعها باضطرابات وأمراض نفسية لا حصر لها.

تلك المشاعر السلبية التي لخصها النبي صلى الله عليه وسلم في كلمتين، هما: «الهم، والحزن»، واستعاذ منهما دائماً نبينا الكريم الذي ما رأى أحداً في هَمٍّ أو مصيبة إلا واساه، حتى إنه واسى طفلاً مات عصفوره وجلس يلاعبه حتى يهون عليه.

 

يرى بعض الناس في الكروب والحوادث المؤلمة الضرر والابتلاء بطريقته هو وفق ما يعقله بفهمه هو، حتى إن الألم يعميه عن رؤية الخير الكامن خلف كل شر فيزداد همه، وتتأثر نفسه بالحزن، لذلك نجد القرآن الكريم يوجه أتباعه في أكثر كروب حياتهم ثقلاً على نفوسهم وهي الهزيمة، فيقول:{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: 139)، ويقول:{وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87).

وعلى مستوى العلاقة الشخصية مع الخالق سبحانه، بعد أن يغرق الإنسان في وحل المعاصي، تراه يفتح أمامه باب الأمل واسعاً، فيقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53)، وحين انقطاع الأسباب يجعل له نظرة إلى مسببها سبحانه، فلا يستبد به اليأس والقنوط، ويرتاح قلبه إلى الركون لهذه القدرة المطلقة.

من هنا نجد الدعوة القرآنية النبوية المتكررة إلى الاحتراز من البيئة السيئة التي تغذي الحزن والهم، من مثيرات الانفعال ومدخلات السلوك، ثم إلى دفع الخواطر السيئة وما تؤدي إليه من الانفعال، ثم يأمر بضبط هذه الانفعالات السلبية واحتوائها عن طريق العقل، وعدم الاستسلام النفسي لها حتى لا تتمكن منه.

ومع قليل من التأمل، نجد تلك الخطوات القرآنية والنبوية هي نفسها المراحل العملية لعلاج اضطرابات ما بعد الصدمات الذي يعتمد في أساسه على الاستقرار الخارجي والداخلي، والتعبير بطرق مختلفة عما يجول في النفس من أفكار وآلام بشكل فعال، ثم تنظيم الوضع العاطفي والتعامل مع الأفكار السلبية ثم المعالجة والتعافي للرجوع للحياة بمساراتها الطبيعية دون التأثر بالماضي.

 

العلاج بالفن

ولعل من أنجح طرق العلاج غير السريرية التي تتبع هذه المنهجية العلاج بالفن، الذي عرَّفته جمعية العلاج بالفن الأمريكية بأنه: «الاستخدام العلاجي لصناعة الفن مع الناس الذين يعانون من المرض والصدمة أو التحديات في المعيشة أو الذين يسعون لتنمية الشخصية، ويمكن للناس زيادة الوعي الذاتي من التعامل مع الأعراض والإجهاد والتجارب المؤلمة وتعزيز القدرات المعرفية والتمتع بملذات الحياة من خلال إنتاج الفن والتفكير في المنتجات والعمليات الفنية».

وقد وجد أن الفن وسيلة فعالة في تنمية المهارات والأفكار والمدركات الحسية المرتبطة بالقدرات العقلية، كما يملك القدرة على إظهار التعبير الرمزي، فهو إذن يسهم أيضاً في الإبداع والنمو المجتمعي.

وقد بدأ العلاج بالفن كمهنة في منتصف القرن العشرين، ونشأ بشكل مستقل في الدول الناطقة بالإنجليزية والأوروبية، ثم أطلق الفنان البريطاني «أدريان هيل» مصطلح «العلاج بالفن» في عام 1942م، حيث اكتشف الفوائد العلاجية للرسم والتلوين في فترة نقاهته عندما كان في المشفى يتعافى من مرض السل، وكتب أن قيمة الفن تكمن في العلاج، واقترح العلاج الفني على زملائه المرضى، ثم بدأ في عمله بالعلاج بالفن الذي تم توثيقه في عام 1945م في كتابه «الفن ضد المرض».

 

أسس الفن كوسيلة علاجية:

تناول عبدالمطلب أمين القريطي، في كتابه «مدخل سيكولوجية رسوم الأطفال» أسس استخدام التعبير الفني كوسيلة علاجية، حيث أكد أن:

1- التعبير الفني وسيلة لإسقاط مخاوف الفرد، ومشاعره، وإدراكاته، واتجاهاته، كما أنه وسيلة للتنفيس عن الضغوط، والتوترات اللاشعورية المختزنة، مما قد يعجز الفرد أو يحجم عن الإفضاء به بالطرق المعتادة.

2- الفرد ينفس عن انفعالاته، ونزعاته الداخلية، ويجسد عواطفه، وصراعاته، ومشكلاته عن طريق الترميز البصري من خلال الفن، وذلك يساعده على اكتشاف مشكلاته بدلاً من كبتها، والتعبير عن النزعات العدوانية بطريقة مقبولة مما يحقق له التوازن الداخلي، وتعزيز شعوره بالأمن، والثقة بالنفس.

3- إسقاط الصور الداخلية وتجسيدها في رسوم خارجية يؤدي إلى بلورة التخيلات، والأحلام، وتثبيتها في سجل مصور ثابت يعين الفرد على التحرر من قبضة الصراع، والنظر إليها بموضوعية، ومعرفة التغيرات التي تحدث من خلال عملية العلاج بالفن ثم تقييم التقدم العلاجي.

4- الفن وسيلة تعويضية عما يشعر به الفرد من عجز، وقصور نفسي أو جسمي أو اجتماعي، فمن خلال التعبير الفني يمكن أن يشبع الفرد بدرجة ما حاجاته ورغباته.

5- التعبير الفني وسيلة ميسورة للاتصال، لا سيما بالنسبة لأولئك الذين يجدون صعوبة ما في الاتصال اللفظي، ويعانون من الوحدة والانغلاق على أنفسهم.

6- يكسب التعبير الفني شعوراً متزايداً بالنجاح والقدرة على الإنجاز، وهو ما يمثل أهمية بالغة لمن لم يتمكنوا من اكتساب مشاعر الثقة بأنفسهم، واختلت صورهم عن ذاتهم من خلال تجاربهم السابقة المقرونة بالفشل والإحباط.

 

هل يتعارض العلاج بالدين مع العلاج بالفن؟

هنا وجب التنويه إلى أن التعافي بالفن لا يتنافى مع التعافي بالدين واللجوء إلى جاه الله عز وجل، فالفن في عمقه تجربة روحية يبحث فيها الإنسان عن المطلق، وينشد فيها الخير والحرية والمحبة والسلام، تجربة شخصية أصيلة روحانية متفردة، تتطلب الإخلاص والصدق ووهج الروح وإحساسها الجميل بالمعنى.

وهو، في الوقت ذاته، خبرات مكنونة تحتضن نبل الإنسان؛ أشواقه ورغباته، وتطلعه للتطهر والوصول إلى الحقيقة، محتواها النهائي هو الإنسانية الخالصة.

والدين والفن يشتركان في القضية نفسها؛ قضية الإلهام الإنساني المعبر عنها بطرق مختلفة، فالدين يؤكد الخلود والمطلق، والأخلاق تؤكد الخير والحرية، والفن يؤكد الإنسان والخلق، وهي في أساسها نواحٍ مختلفة لحقيقة واحدة يتم التعبير عنها بلغة قد تكون قاصرة في إيصال المعاني، لكنها اللغة الوحيدة المتاحة، كما قال المفكر الإسلامي «علي عزت بيجوفيتش».

الرابط المختصر :