; دور المؤسسات الدعوية في إرساء معالم الحكم الرشيد | مجلة المجتمع

العنوان دور المؤسسات الدعوية في إرساء معالم الحكم الرشيد

الكاتب حسن القباني

تاريخ النشر الاثنين 01-أبريل-2024

مشاهدات 10

نشر في العدد 2190

نشر في الصفحة 16

الاثنين 01-أبريل-2024

 

 

د. عبدالفتاح: نحتاج إلى 3 مستويات لإرساء معالم الحكم الراشد

د. فهمي: يلزمنا دعاة مؤثرون واهتمام بالتعليم وإيجاد ظهير نخبوي

د. الحوفي: تثقيف الجمهور بخطاب راشد يساهم في استعادة هذه المعالم

النادي: مطالبون بتقديم الصورة المصغرة لما نريد داخل الأطر الحالية

تحقيق- حسن القباني:

 

«الشفافية، والمسؤولية، والمساءلة، والمشاركة، والاستجابة لاحتياجات الناس، هذه معايير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة لإرساء الحكم الرشيد، بينما هي أسس مركزية في تراثنا الإسلامي، استخلصها الغرب من قيم ديننا الخالدة، وتخلَّف عنها ركْب المسلمين والعرب، وهو ما يستدعي، وفق مفكر بارز ومختصين تحدثوا لـ«المجتمع»، السعي إلى إرساء معالم الحكم الرشيد من جديد، مع الاستعانة بدور مدروس للمؤسسات الدعوية.

في البداية، يوضح أستاذ العلوم السياسية المفكر السياسي الإسلامي د. سيف الدين عبدالفتاح، في حديث لـ«المجتمع»، أن هناك 3 مستويات لقيام المؤسسات الدعوية بدور في إرساء معالم الحكم الرشيد، وهي: إنشاء مؤسسات دعوية حقيقية للأمة، والتمييز بين المجال الدعوي والمسار السياسي دون فصل، وامتلاك رؤية تنفيذية لإرساء تجربة الحكم الراشد.

ويؤكد د. عبدالفتاح، الذي يتولى مسؤولية مركز الحكم الراشد والسياسات العامّة في مؤسسة قطر، أن الأمة الإسلامية تفتقد حالياً المؤسسات الدعوية المعبرة بشكل حقيقي عنها، بينما الموجود أجهزة دعوية ملحقة بكيانات وتكوينات لتيارات دينية وإسلامية مختلفة، تمتلك فيها السلفية على تنوع تكويناتها جهازاً دعوياً، فيما يمتلك الإخوان المسلمون وغيرهم أجهزة أخرى، وكذلك النظم الرسمية لها أجهزة دعوية لم ترتق أيضاً إلى المستوى المؤسسي، حيث تسند إليها أدوار وظيفية تبريرية.

ويوضح أن هناك فارقاً بين مؤسسات دعوية على مستوى الأمة ومستوى الكيانات أو أجهزة ملحقة بها، فالمؤسسة الدعوية المرتبطة بالأمة تعتني بها وبرسالتها وتأصيل المعاني الحضارية التي تتعلق بها، وتدفع الشبهات عنها، لكن الأجهزة الدعوية للكيانات والتنظيمات رغم ما تقوم به من أدوار غاية في الأهمية، فإنها ما زالت محبوسة داخل تنظيماتها، ولم تقم بدورها فيما يتعلق بمفهوم الدعوة الحضارية والإنسانية، الواسعة التي تتعلق بعموم الأمة، وهو ما يتطلب تأسيس مؤسسات وقفية مرتبطة بمؤسسات الأمة الدعوية، كون أن الوقف هو الذي يساهم في أن يمسي عمل هذه المؤسسات للأمة لا للسلطة، وأن تصبح عينهم على الأمة وليست السلطة.

ويشدد د. عبدالفتاح على أنه في هذا الإطار لا بد من التمييز بين ما هو دعوي وما هو سياسي، حتى لا يتم حبس الدعوة في قمقم العمل السياسي، مؤكداً أن هذا لا يعني الفصل، ولكن يعني الفصل في الأوان والوصل في المقام، حيث إن العمل الدعوي يمثل مظلة شاملة للعمل التربوي والحضاري والإنساني، بعضها قد يرتبط بالمجال السياسي، وتتميز بالإطلاق والشمول على عكس المسار السياسي الذي ينطلق لأغراض سياسية ويمكن أن يرتبط بمرجعية إسلامية، ولكن له من الآليات ما يختلف، مثل: تكوين الأحزاب ودخول الانتخابات، وهو ما يجب ألا تختلط الدعوة بمثله من أعمال موسمية ترتبط بتنظيمات سياسية، كون أن إلحاق الدعوة بالتنظيمات والشأن السياسي أمر حابس.

ويوضح أن المستوى الثالث في إرساء معالم الحكم الراشد يقوم على 3 مسارات، أولها التأهيل السياسي، وهذا ليس من مهام الرسالة الدعوية، أما المسار الثاني فهو قيام المؤسسة الدعوية الحقة بتنشئة كوادر تربوية، تعنى بالتربية القيمية والحضارية، حتى يكون الساسة الجدد مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالقيم والأخلاق، وليس على غرار «ميكافيلي» الذي فصل بين القيم السياسية والقيم الأخلاقية، فيما يرى د. عبدالفتاح ضرورة أن تسفر هذه العملية الدعوية في نهاية المطاف عن عمل ينظر للإسلام كمنهج حياة شامل، السياسة جزء منه، بما يسمح بتأسيس الحكم الراشد.

مسارات التوعية

بدوره، يوضح الأكاديمي وخبير الإستراتيجيات د. إبراهيم فهمي، في حديثه لـ«المجتمع»، أن مصطلح «الحكم الرشيد» ينتمي إلى التراث الإسلامي، واستخدمه الغرب من استخلاصاته لفترة الحكم الراشد في التاريخ الإسلامي وبالتحديد فترة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، ما ألهم الغرب للاستفادة من تجربته، وهو ما يحتم على المسلمين استعادة فترة الحكم الرشيد.

ويرى أن صناعة قيادات ورموز دعوية مبدعة، تعمل من داخل المنظومات الحاكمة، ولا تتصادم معها، قد يساهم في خلق وعي عميق وممتد لقيم الحكم الرشيد بين المحكومين والحاكمين، بما يتيسر لهذه القيادات من حضور رسمي يستوعب وجودها ولا يمنع تأثيرها.

وضرب د. فهمي المثال بالعالِم الشيخ الراحل محمد الغزالي الذي يعتبره مؤسسة دعوية بمفرده، استطاع على مدار عدة عقود وعهود وأنظمة أن يحافظ على تواجده الدعوي في المجال العام، بشكل مؤثر مكنه من تقديم النصيحة لأعلى مستويات الدولة في مصر، وهو ما يعتقد أن الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي صنعه كذلك بحضوره الدعوي عبر تفسير القرآن.

ويشير إلى أن اهتمام المؤسسات الدعوية كالأزهر الشريف والهيئات الدينية القريبة من أطره في دول المنطقة؛ بالتعليم يعد مساراً من مسارات إحياء قيم الحكم الرشيد، عبر التوسع في تطوير المناهج بما يخدم هذه القيم، وإنشاء المزيد من المدارس والجامعات، بما يؤدي إلى تخريج نخبة دينية واعية تساهم في إنجاز المطلوب، مؤكداً أهمية عناية هذه المؤسسات كذلك بحركة النشر وإصدار الكتب، وتكوين ظهور إعلامي ونخبوي في ظهرها لتوصيل رسالتها وتوطين كل القيم المنشودة للحكم في المجتمع ومؤسسات الدولة.

تقديم القدوة الحسنة

من جانبه، يقول النقابي والسياسي المصري د. أحمد رامي الحوفي، في حديث لـ«المجتمع»: إن المؤسسات الدعوية تستطيع إرساء معالم الحكم الرشيد عبر تبني خطاب راشد يقوم على حسن ترتيب الأولويات وفقه الواقع، وتثقيف جمهورها بهذا الخطاب بشكل ممنهج ومدروس، لترسيخ القيم والمرتكزات الأساسية التي يقوم عليها الحكم الرشيد بما يؤدي إلى إنتاج أجيال جديدة تعي المفهوم وتنجح في تقديم ممارسات إيجابية له.

ويشير الحوفي إلى أن مرتكزات الحكم الرشيد كانت واضحة منذ بداية الدعوة الإسلامية، لذلك جاءت النتائج إيجابية في مراحل الخلافة الراشدة، بسبب وضوح المعالم في أذهان الصحابة، مؤكداً أن التحدي الكبير أمام المؤسسات الدعوية، في هذا المسار حالياً، هو تقديم النموذج والقدوة في تبني قيم الحكم الرشيد مثل العدالة وتداول السلطة والحرية الراشدة والكرامة الإنسانية، لأن نجاحها سيؤثر في تقبل المجتمع والمؤسسات الأخرى لمنظومة الحكم الرشيد، كونهم شاهدوا رأى العين نموذجاً حياً نقل القيم من واقع الكلام إلى مساحات التنفيذ الفاعلة.

ويتفق الباحث في الفكر الإسلامي محمد فتحي النادي مع الرأي السابق، مؤكداً، في حديثه لـ«المجتمع»، أهمية أن تقدم المؤسسات الدعوية الصورة المصغرة للحكم الرشيد داخلها، قبل أن تدعو له، فالعديد منها لديها خلل في رؤية الحكم والإدارة وينتشر فيها النظام الأبوي وعدم المحاسبة وإبعاد الكفاءات، وفق رأيه.

ويضيف النادي أن إصلاح هذه المؤسسات الدعوية لنفسها مقدمة لازمة لإرساء أي معالم للحكم الرشيد في المجتمعات، وهو ما يتطلب الابتعاد عن أي اختيارات أثقلت كاهلها وأفقدتها إطارات فاعلة وكفاءات ذات ثقل، لبعث المشروع الإسلامي من جديد.

الرابط المختصر :