العنوان د. بثينة المقهوي تتحدث لـ«المجتمع» النسوي عن: علاج المشكلات النفسية عند الأطفال
الكاتب خالدة الماجد
تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992
مشاهدات 59
نشر في العدد 1001
نشر في الصفحة 34
الأحد 17-مايو-1992
لقد
لاقى الطفل الكويتي معاناة جسيمة من جراء الغزو العراقي الغاشم على
دولتنا الحبيبة، انعكست على نفسيته وأحدثت شرخًا في البناء التربوي لها، الأمر
الذي يستلزم من الأم الكويتية أن تحيط بالأساليب التربوية الناجعة المبنية على
دراسات علمية من ذوي الاختصاص وذلك لعلاج بعض الظواهر الغريبة والسلوكيات الطارئة
لدى الطفل.
لذا يسر
مجلة «المجتمع» أن تستضيف على صفحاتها الدكتورة «بثينة أحمد المقهوي» رئيسة
وحدة الخدمة النفسية الإكلينيكية في مستشفى الطب النفسي والمعالجة النفسية في مركز
الرقعي التخصصي «العيادة النفسية للأطفال» والحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم
النفس الإكلينيكي للاستفادة من تجاربها وبحوثها في حل المشاكل النفسية عند الأطفال
علميًّا وتربويًّا.
المجتمع:
هل لنا أن نتعرف على أهم المشاكل النفسية الشائعة عند الأطفال؟ وما أسبابها؟ وهل
هناك مشكلات استجدت أثناء فترة الاحتلال وبعده؟
د.
بثينة: هناك مشاكل عامة منتشرة بين الأطفال وهي تنقسم إلى قسمين: المشاكل البسيطة
مثل «مشكلة العدوانية والفوضوية- العناد- التبول اللاإرادي- النشاط الزائد-
الكوابيس والتعلق الشديد بالأم- التحصيل الدراسي المتدني ... إلخ»، والمشاكل
المعقدة مثل «الشعور بالكآبة لمدة طويلة- كثرة الحركة- الاضطراب النفسي الناتج عن
صدمة»، وأغلب المشاكل البسيطة ناتجة عن الضيق النفسي عند الطفل وهي في معظم
الأحيان تكون بسبب الجو العائلي المتوتر وغير المنسجم، وعدم وجود الدعم العاطفي
والمعنوي الكافي من الوالدين والمترتب عن الطلاق مثلًا، أو غياب أحد الوالدين أو
انشغال الأم وترك الأطفال للخدم، فالخادمة الأجنبية تؤثر على الطفل ويكتسب الطفل
عاداتها وتقاليدها، فبالتالي حلقة الوصل بينه وبين الأم تكون مفقودة وكذلك سوء
توعية الأم وسوء إدراكها سبب رئيسي في ظهور تلك المشاكل عند الأطفال فطريقة تنظيم
حياتها تنعكس بدورها على الأطفال فتكسبهم عاداتها الحسنة أو السيئة على حد السواء.
أما
بالنسبة للأزمة وما خلفته من مشاكل نفسية عند الأطفال تقول الدكتورة بثينة: إن
الحرب موقف صدمي بالنسبة لأي فرد وكثيرًا ما نشاهد بعد كل حرب عشرات بل مئات
الجنود في مستشفيات العلاج النفسي، وإذا كان هذا هو حال الراشد فما بالنا بالطفل
الذي يتكون بناؤه النفسي وديناميات شخصيته؟ هذا البناء يصاب بالعديد من الشروخ
بسبب صدمة الحرب وما أعقب ذلك من جوانب حرمان متعددة وما كان يشاهده أثناء هذه
الحروب، فالملاحظ من دراساتنا وبحوثنا أن المشاكل النفسية البسيطة تنتشر أكثر في
حالات الحرب فبعد أن كان الطفل يحيا في أسرة هادئة وبلد هادئ أمين فاجأه عدوان
غاشم، فمن المنطقي أن نرى تزايد ردود الفعل العدوانية والسلوكيات الضعيفة ومظاهر
العنف والعدوان المقموع في شكل مخاوف وفزع شديدين.
المجتمع:
هناك سؤال يتردد على الكثير من الأسر بالنسبة لأطفالهم يكون الطفل قد تعدى مرحلة
الغزو لكن بعد فترة يعيش في كوابيس ما سببها يا ترى؟ وما كيفية علاجها؟
د.
بثينة: حقًّا كثيرًا ما يعاني الأطفال من الكوابيس ومعظمها يرتبط ارتباطًا رمزيًّا
بأحداث مخيفة مر بها الطفل أو شاهدها أو سمع عنها، فهي واحدة من عدة فئات من
المشاكل الناتجة عن الضغوط النفسية، فمثلًا بعض الأطفال شاهدوا أعمال التعذيب أو
مقتل أحد المعارف أو الأقرباء من جراء الأعمال العدوانية تتكون ردود أفعال نفسية
سيئة عندهم ومشاعر حادة من الخوف والغضب والعنف تظهر أحيانًا في صورة كوابيس أو
أرق أو قلق نفسي حاد.
ثم أتمت
الدكتورة حديثها حول كيفية علاج هذه المشكلة قائلة: أفضل طريقة للعلاج هو الطلب من
الطفل أن يخبرنا عن كابوسه ونحاول أن نواسيه وأن نأخذ كلامه بمأخذ الجد حتى وإن
كانت مخاوفه غير واقعية وأن نحاول أن نسرد له بعض القصص الموجهة التي تتناول نفس
مواضيع الصدمة «الحادثة» التي تعرض لها والتي تتفاعل مع ما يراه من أحلام بحيث أن
يطرح الحل في نهاية القصة.. ويمكن أن يعالج كذلك بطريقة أخرى، وهي الرسوم، حيث
يطلب من الطفل أن يعبر عما في داخله عن طريق الرسوم.
المجتمع:
يؤكد علماء النفس والأطباء النفسيون والأخصائيون الاجتماعيون والمتخصصون في هذا
المجال أن العلاج يحتاج إلى فترة طويلة في بعض الحالات، فما هي خطوات التدخل
العلاجي العام التي يجب أن يتبعها الوالدان والمدرسون في نظرك؟
د.
بثينة: نعم هذا صحيح حيث إن ردود الأفعال عند الأطفال تختلف باختلاف المواقف
الصعبة التي مروا بها ونوعية المشكلة وعلاج تلك المشكلات النفسية ينصب على عدة
جهات الوالدين أولًا والأخصائيين الاجتماعيين في المدارس ثانيًا لتناول المشكلة
وإعطاء إرشادات وتعليمات ليتبعها الوالدان لحل تلك المشاكل عند الأطفال بناء على
ما جاء في دليل مساعدة الأطفال المتأثرين بالأزمة، وكذلك على المدرسين أن يتدربوا
على اتباع إرشادات نفسية تساعد الطفل المتأثر بالأزمة.
فالإرشادات
التي يجب أن يتبعها الوالدان لمساعدة أطفالهم كالآتي:
- إشعار
الطفل بالأمان والاستقرار والتقارب العاطفي معهما ومع الإخوة والأقرباء.
- إفهام
الطفل التغيرات التي تحدث على مقربة منه فالكثير من الأهل يظنون خطأ أن تجنب
التكلم عن هذه الحوادث المؤلمة يساعد الطفل على نسيانها ولكن في حقيقة الأمر إنه
من الصعب على الأطفال أن ينسوا الحوادث المؤلمة قبل أن يفهموا أولًا ما حدث لهم.
- على
أولياء الأمور مساعدة الطفل على التحدث بما يدور في داخله من مشاعر وأحاسيس فهو
يحتاج إلى التحدث عمّا وقع له والتعبير عن عواطفه، وإن اضطره ذلك إلى البكاء فمن
الخطأ أن نمنع الطفل من البكاء بل يجب أن نساعده على ذلك فيجب ألّا يحبط ونتركه
يتحدث بانفعال وإسهاب.
- يجب
ألّا تؤثر الصدمات الكبيرة على النمط المعتاد لحياة العائلة لما له من مردود على
نفسية وشعور الطفل بالاستقرار والأمن.
- استعمال
اللعب والنشاطات المختلفة مثل القراءة والرسم لمساعدة الطفل على تفهم التجارب
المؤلمة، فبإمكان الطفل مثلًا الذي شاهد تعذيب أحد معارفه أن يعبر عما يشعر به
بتصوير ورسم مشاهداته مما يتيح له التعبير للآخرين عن شعوره.
- إعطاء
مسؤوليات للطفل مثلًا: أن يقال له أنت رجل البيت ووالدك شهيد أو «أسير» فهذا شرف
ووسام على صدرك.
- رسم
صورة مستقبلية مشرقة للطفل.
أما
بالنسبة للمشاكل النفسية المعقدة فنصيحتي للوالدين مع اتباع الخطوات العلاجية
السابقة اللجوء إلى الاختصاصيين النفسيين في مركز الرقعي التخصصي الذي يقوم بوضع
خطة علاج للحالات المعقدة والتي تحتاج إلى جلسات نفسية لفترات متتابعة لمساعدة
الحالة للتخلص من الأعراض النفسية الناجمة عن الصدمة التي تعرض لها الطفل فهم مهيؤون
بفضل خبراتهم لتقديم المساعدة الكاملة.
المجتمع:
يقول أحد الخبراء المتخصصين إن تأثير الغزو يختلف إيجابًا أو سلبًا باختلاف بناء
الطفل ذاته فقد يخلق أبناء أقوياء أكثر تعلقًا بوطنهم ومستعدين لمواجهة أشد
العقبات والكوارث، فما رأيك في هذا القول؟
د.
بثينة: صحيح جدًّا.. فالطفل إذا وجد المساعدة والدعم من والديه وتعزيز الصفات
الإيجابية فإنها تخلق قوة في بناء شخصيته فتساعده على مواجهة المعاناة، فدور
الوالدين في بناء شخصية الطفل يساعد على خلق شخصية قوية لا تتأثر بالمواقف الصعبة.
المجتمع:
هناك دورات تدريبية وبرامج أعدت للأخصائيين النفسيين والتربويين بخصوص الآثار
المترتبة على الأطفال من جراء الغزو العراقي.. هل هذه الدورات ساعدت على حل بعض
المشاكل؟ وما مدى الاستفادة منها؟
د.
بثينة: هذه الدورات للأخصائيين النفسيين والاجتماعيين في مستشفيات ومدارس الكويت
تتناول المشكلات السلوكية والأعراض النفسية التي قد تظهر على الأطفال بعد الأزمة
وقد أبدى هؤلاء الأخصائيون تعاونهم واستعدادهم للمساعدة في هذه الدورات والتي تشرف
عليها منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف».
المجتمع:
وأخيرًا هل من كلمة أخيرة؟
- نصيحتي
للأم بأن توعّي نفسها لمواجهة مثل تلك المشكلات مع أطفالها وذلك بحضور الندوات
والبرامج التوجيهية التي تعدها المراكز الصحية والتربوية في هذا الشأن وأن تقتني
نسخة من «دليل الوالدين والمدرسين» الصادر عن وزارة الصحة والذي يوضح أساليب
مساعدة الأطفال والمراهقين.