; د. عمارة يطرح رؤية عن: الفنون الجميلة في ميزان الإسلام | مجلة المجتمع

العنوان د. عمارة يطرح رؤية عن: الفنون الجميلة في ميزان الإسلام

الكاتب مبارك عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

مشاهدات 21

نشر في العدد 1317

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 15-سبتمبر-1998

  • هل هناك من يحرم نغمات الموسيقى إذا كانت صادرة من الأشجار والأغصان في الحدائق؟

  • الإسلام بشقيه القرآن والسنة ينمي الحاسة الفنية لدى الإنسان.

القاهرة: مركز الإعلام العربي.

تعتبر قضية الفنون الجميلة في ميزان الإسلام من القضايا التي لم يحسم الخلاف حولها، فهناك من رفضها بدعوى أن الإسلام يرفضها، واستدل برأي بعض المذاهب، وفي الوقت المعاصر ظهر تيار يبيح هذه الفنون، لكن بضوابط معينة، انطلاقًا من أن الإسلام لم يغلق بابًا إلا أوجد البديل. 

وفي هذا الإطار، كانت للدكتور محمد عمارة - المفكر الإسلامي - محاضرة حول الفنون الجميلة وموقف الإسلام منها، وهي تعتبر بمثابة إطلالة عصرية على هذا الموضوع.

في البداية يعرف د. محمد عمارة الفنون: بأنها مجموعة من المهارات التي تتعلق بالذوق والوجدان، والتعبير عن أنماط الناس ووجدانهم وجماليات الحياة التي يعيشون فيها، ولا يمكن الحكم عليها بالحل والحرمة، إلا بناء على الرسالة التي تؤديها، فمثلاً الميكروفون مجرد أداة من الممكن أن تؤدي رسالة مفيدة، ومن الممكن أن تؤدي عكسها، كذلك الساعة يعرف البعض بواسطتها توقيتات الصلاة، ويضبطها آخرون على مواعيد لارتكاب جريمة أو أشياء محرمة، والأمر نفسه بالنسبة لجهاز التلفاز فهو يمكن أن يكون أداة فعالة في تنمية الملكات والطاقات المعنوية للناس، وممكن أن يكون أداة مدمرة.

وخلاصة القول: إن المهارات في حد ذاتها لا توصف بالحل ولا بالحرمة إلا بناء على الرسالة التي تؤديها، وكنت قد أعددت كتابًا عن «الإسلام والفنون الجميلة»، وضمنت مقدمته نصين: أحدهما للفيلسوف ابن سينا، والثاني لناقد روسي قديم يدعى «بلنسكي»، فالاثنان اتفقا على معنى واحد، وهو أن الفن لا يوصف بالجمال إلا إذا كان أخلاقيًا.

وأضاف د. عمارة: «وقبل أن نحدد الفنون لابد من أن نحدد طبيعة وهوية وخصوصية الإنسان الذي نريده في مثل هذه الظروف التي تمر بها الأمة، حيث التحديات الشرسة التي تهدد حياة الأمة في الداخل والخارج.. فلسنا في حاجة إلى الإنسان الرخو والمرفه والمخنث الذي لا يستطيع أن يواجه التحديات».

وأشار: إلى أن التحديات تسير في اتجاهين، الأول: الاجتياح الخارجي القادم من الإعلام والثقافة ومؤسسات الغرب والمؤسسات الدولية، الثاني: التخلف والجمود والشعوذة والخرافة الموروثة من عصور التخلف.

والقول الفصل في هذا الإطار أن الأمة عندما تدرك نوع وطبيعة وقوة التحديات التي تواجهها تستطيع أن تحدد مقومات الإنسان وتبعث في نفسه الروح القومية والوطنية والحضارية.

موقف الإسلام من الفنون:

الفنون - كما يقول د. عمارة - عبارة عن مهارات تجعل الإنسان يتذوق ما في الكون من جمال، ولما كان الجمال إحدى النعم التي خلقها الله سبحانه وتعالى، والتي تستوجب الشكر، فلن يستطيع الإنسان تقديم هذا الواجب إلا إذا أدرك هذه النعمة وتأمل فيها وتذوقها وعرف قيمتها .

الله سبحانه وتعالى يطلب منا بصيغة:

الوجوب: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ فالإنسان المسلم عندما يصلي الله خمس مرات في اليوم والليلة، فإنه يتزين خمس مرات، وفي هذا السياق لابد من التمييز بين أن يكون للإنسان زينة وبين أن يصبح رخوًا بدعوى الزينة، فالذي يحدث أنه بدلاً من أن يجدد الإنسان ملكاته وطاقاته وإبداعاته من خلال وسائل ومضامين ترفيهية وترويحية محترمة، تتحول حياته إلى نوع من الرفاهية والتخنث ويصبح غير قادر على مواجهة التحديات ولذلك، فإن القرآن الكريم عندما يتحدث في هذا الشأن لا ينظر إلى الأمور نظرة فرعية، إذ يقول: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ (النحل:5-6).

إذن فمعيار الأشياء لا يقاس فقط بالمعيار النفعي المادي، وإنما المطلوب من هذه الأشياء أن يكون لها زينة وجزء من الجماليات.

فالقرآن الكريم ينمي الحاسة الفنية لدى الإنسان، بمعنى أنه لا يحرم الجماليات والفنون الجميلة، لأنه حينما نتأمل آيات القرآن نجد الكثير من المعاني العقلية الفلسفية المجردة التي يعبر عنها بالصور.

موقف السنة:

أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته وأحاديثه، أن ينمي الحاسة الفنية والجمالية لدى الإنسان منذ لحظة ميلاده، فأوصى بأن يختار له اسم جميل، حتى أن الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا ينادون في الجاهلية بأسماء قبيحة فغيرها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أسماء جميلة .

وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته تجسيدًا للجمال رغم فقر البيئة، ورغم إيثاره الزهد والاقتصاد في الأمور الحياتية، فقد ورد أنه كان يستعيذ بالله من كآبة المنظر وهو مسافر كما كان يقول: «زينوا القرآن بأصواتكم»، وكان يهتم بالطيب والطهارة والنظافة، لدرجة أن أنس ابن مالك خادمه حينما كان يتكلم عن نظافته وجماله كان يصف عرقه باللؤلؤ.

وكان صلى الله عليه وسلم وهو في معتكفه يميل برأسه إلى السيدة عائشة في الحجرة اللصيقة بالمسجد لكي تمشط له شعره.

وانتقل د. عمارة إلى قضية أخرى في الثقافة الإسلامية وهي قضية التصوير، وقال: إن البعض يحرم التصوير ويحتج بالأحاديث النبوية التي لعن الله فيها المصورين، والتي تقول: «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صور»، كما أن المصورين سيطلب منهم يوم القيامة أن ينفخوا الروح فيما يصورون، ولن يستطيعوا أن يفعلوا.

وقد جمعت الأحاديث التي تحدثت عن الصور والتصوير، فاكتشفت أن كلمة الصورة في الحديث النبوي، ليست هي التصوير والفن الذي نعرفه، لأن أهل المدينة لم يكن من بينهم رسامون، وأصحاب ريش، وثبت أن المراد بالصورة الصنم المعبود، وبالتالي فالمصورون هم الذين كانوا يصنعون التماثيل والأصنام والصور التي كانت في البيوت المقصود بها التماثيل والأصنام التي كانت تعبد من دون الله.

والحديث النبوي يؤكد أن كل أمة يوم القيامة سوف تنحاز إلى معبودها، فينحاز أهل النار إلى معبودهم، وأهل الصليب إلى صليبهم وأهل الصور إلى صورهم، إذن فالمراد بكلمة الصورة في مجتمع المدينة الصنم المعبود.

أما النقوش المتمثلة في صور الأصنام التي كانت ترسم على المنسوجات فكان مصدرها بلاد الفرس والروم، وكان يتم ترويجها في بلاد العرب.

وذات مرة دخل الرسول صلى الله عليه وسلم بيته فوجد أن السيدة عائشة قد وضعت شارة عليها صور في البيت، وحينما أراد الصلاة أمرها أن ترفعها، وذلك لأن في الأمر شبهة، فمن الممكن أن تشغله عن صلاته، وأخذتها السيدة عائشة وقطعتها وصنعت منها وسائل ليتكئ عليها الرسول صلى الله عليه وسلم .

فالصورة في هذه الحالة كانت مظنة لشبهة تعظيم، لكن حينما تمتهن فلا شيء فيها فحينما ذهب الصحابة لعيادة مريض وجدوا عنده موقدًا وأعمدة الموقد تشبه التماثيل، فسأله أحد الصحابة: ألا تعلم أن رسول الله ﷺ قد نهى عن وضع التماثيل في بيوتنا؟ فقال له: ألا ترى أننا نمتهنها .

وكانت لعب السيدة عائشة فيها تماثيل وخيل وعرائس، ومادامت ليس فيها شبهة مظنة التعظيم والشرك بالله وتوحيده، سواء كانت نقشاً على الثياب أو في قوائم الموقد، فلا شيء فيها.

كما أننا نجد أن التماثيل حينما كانت لا تعظم وليس فيها شبهة شرك بالله كانت من نعمه سبحانه وتعالى على سيدنا سليمان يقول الله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: ١٣).

ولذلك، فإن بعض الفقهاء قال: إن هذه اللعب حلال: لأنها تساعد على تنمية حاسة الأمومة لدى البنات ..

الرابط المختصر :