; رأي المجتمع: (العدد: 1449) | مجلة المجتمع

العنوان رأي المجتمع: (العدد: 1449)

الكاتب المحرر المحلي

تاريخ النشر السبت 05-مايو-2001

مشاهدات 13

نشر في العدد 1449

نشر في الصفحة 9

السبت 05-مايو-2001

وقفة مع الإعلام العربي

شهدت الساحة العربية في السنوات الأخيرة انفتاحًا إعلاميًا كبيرًا، بدأ بظهور عدد من الصحف والمجلات «الدولية» التي تُطبع وتوزع في أكثر من بلد ثم تلا ذلك ظهور المحطات الفضائية الرسمية والخاصة، وانتهى الأمر بالتوسع في استخدام شبكات الإنترنت بما تحمل من مئات الملايين من المواقع.

وكما هو الحال مع كل أداة أو وسيلة، فإن مقاييس الحل والحرمة، والنفع والضر، لا تتعلق بها في ذاتها، وإنما في طريقة استخدامها، فحكم السيف إذا استخدم في جهاد الأعداء، غير حكمه إذا استخدم لقتل الأبرياء، وكذا حال وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، فإن كانت تدعو للخير والتعريف بمبادئ الدين القويم، ورد الشبهات عنه، وكشف مؤامرات الأعداء، والتعريف بقضايا المسلمين ومشكلاتهم، وتنشئة الشباب على القيم والأخلاق، وغير ذلك من المبادئ الفضيلة، كانت وسائل الإعلام تلك من أدوات الدعوة إلى الله والارتقاء بالمجتمعات التي ينبغي تشجيعها وتشجيع الإنفاق عليها ودعمها بما تحتاج وبما ييسر لها أداء رسالتها الفاضلة.

ولكن إذا عرضنا معظم وسائل الإعلام العربية القائمة على المقياس السابق، فإنها -مع الأسف- ستسقط في اختبار التقييم ولن تنال حظًا يذكر من الاحترام والتقدير.

فقد انحرف معظم تلك الوسائل الإعلامية من صحف وإذاعة وتلفاز عن المسار الصحيح وسلكت طرقًا ومسارات لا خير منها يرتجى ولا فائدة تدعى، وإنما نجد أنها تركز على:

  • تغييب العقل العربي عن قضايا أمته الحقيقية، وإذا عرضت فهي مشوهة منقوصة، وقد رأينا أبرز مثال على ذلك انتفاضة الأقصى الحالية في فلسطين المحتلة، حيث غابت عن أكثر وسائل الإعلام العربية التغطية الجادة التي توضح أصل وسبب معاناة إخواننا في فلسطين وتكشف مكر اليهود وتسلطهم وجبروتهم وانتهاكهم لجميع القيم والأخلاق عند تعاملهم مع الفلسطينيين، وظهرت بدلًا من ذلك شعارات السلام المزعوم، ونبذ العنف المتبادل، ومحاصرة الإرهاب، ومنعه من الانتشار في دول المنطقة، ويمتنع معظم تلك الوسائل الإعلامية عن ذكر كلمة المجاهدين لوصف أبطال العمليات الاستشهادية، أو كلمة العدو لوصف المحتل الغاصب، وإنما تستخدم المصطلحات التي يطلقها الأعداء.
  • الانحدار إلى أسفل مدارك المنكر حتى أصبح أكبر هم بعض تلك الوسائل الإعلامية، ومبلغ علمه الإشادة بالمنكر وإثارة الغرائز وعرض كل ما يروج للرذيلة، وتحول المسؤولون عن كثير من تلك الوسائل إلى سماسرة للفاحشة، ومن يشاهد بعض المحطات الفضائية يخيل إليه أن عالمنا العربي والإسلامي قد حل كل مشكلاته، وهو يعيش في عالم لا ينغص عليه عيشه فيه دم بريء يراق أو أنه مريض محتاج، أو صرخة سجين مظلوم، أو بكاء طفل جوعان لا شيء من ذلك تهتم به تلك القنوات وإنما معظم أوقاتها للمجون والرقص والغناء والطرب، وإذا تيسر وقت إضافي فلاستضافة الساقطين والساقطات وإبرازهم للعامة باعتبارهم «نجومًا» يهتدى بها في ظلمات أيامنا كما يزعمون.
  • وتسلك وسائل الإعلام الهابطة تلك، سبيل تقليد الغرب أو بقول أصح تقليد الجانب السيئ المرذول في الغرب دون سواه، وهي تنقل عنه وعن وكالات أنبائه دون تمحيص ولا تدقيق، وإذا علمنا أن كل رسالة إعلامية لها هدف محدد يراد توصيله إلى المتلقي، وإذا أدركنا أن وسائل الإعلام الغربية إنما تسعى لتوصيل رسالة خاصة بها تحقق أهداف أصحابها، لا أهدافنا، أدركنا خطورة ذلك التقليد الأعمى، وخطورة النقل دون تدقيق أو تمحيص. إذ تتحول وسائل الإعلام العربية تلك إلى أبواق دعاية مجانية لأفكار الغرب وقيمه المنحطة وسلوكياته وتوجهاته وآرائه المنحرفة مهما كانت تخالف أفكارنا وقيمنا وسلوكياتنا وتوجهاتنا وآراءنا، وتصبح وسائل الإعلام تلك أشبه بطابور خامس يخدم مخططات الغرب ويمهد لها الطريق في مجتمعاتنا.

إننا ندعو الأسر العربية والمسلمة وكل حريص غيور على القيم والأخلاق أن يتجنب الالتفات إلى وسائل إشاعة المنكر تلك، وأن يمنع بثها من تدنيس حرمة المنازل والمكاتب، كما أن على الشركات أن تقاطعها وتمتنع عن الإعلان فيها لتضمر مواردها المالية ولا تجد ما تنفق به على لهوها ومنكرها.

على أنه لا يكفي أن نسب الظلام، بل ينبغي أن نضيء الشموع التي تبدده، ومن هنا ينبغي التكاتف والتعاون بين جميع أهل الخير من أصحاب الأموال والأفكار لإنشاء البديل الإسلامي الطيب الذي يستطيع أن يواجه طوفان المنكر، ويقدم للأسر والشباب والأطفال الإنتاج الإعلامي الرشيد الواعي والمتميز، وتلك مهمة ليست سهلة إذا علمنا حجم ما ينفق على تلك القنوات، والمحطات، والصحف، والمجلات.. ولكنها أصبحت واجبة، حيث قل من تلك الوسائل ما يقدم النفع للناس، ونحن على يقين أنه إذا وجد ذلك البديل فسيلقى رواجًا وقبولًا عند النفوس المتعطشة للخير والفضيلة. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: ١٧).

الرابط المختصر :