; رأي المجتمع .. حتى يمكن اعتبار ما حدث في سورية بداية عهد جديد | مجلة المجتمع

العنوان رأي المجتمع .. حتى يمكن اعتبار ما حدث في سورية بداية عهد جديد

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 10-مارس-2001

مشاهدات 13

نشر في العدد 1441

نشر في الصفحة 9

السبت 10-مارس-2001

يتابع المراقبون ما يحدث في سوريا منذ التغيير الذي حدث برحيل رئيس الدولة وتولي ابنه السلطة، ويحاول المراقبون تلمس بعض ما في تلك التغيرات من عناصر إيجابية، وأخرى سلبية، وفي كل الأحوال، هناك أمل، خاصة لدى المواطنين السوريين، في ألا يكون العهد الحالي استمراراً لسابقه.

لقد أطلق النظام الجديد مصطلح "الاستمرار والتطوير" تعبيراً عن سياسته الجديدة، والواقع أن هذا المصطلح لا يصلح منه لسورية سوى شقه الثاني: "التطوير":

١. فالعهد السابق تكوّن في مناخ سياسي واجتماعي وثقافي مختلف عن المناخ الحالي، بالرغم من ما يطفو على السطح من بروز بعض سدنة العهد القديم.

٢. أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية حدثت فيها تغيرات لا يمكن أن يتجاوزها أي سياسي يحكم بلداً بحجم سورية.

٣. أن النزعة الطائفية التي وظفت في مرحلة ما لخدمة سياسة معينة، لم تعد صالحة اليوم للتوظيف بالدرجة ذاتها، والكيفية ذاتها، وربما اكتشف صانع القرار في سورية أن أكثرية أبناء البلاد، التي همشها العهد السابق، هي لدى التحليل الدقيق القاعدة الفعلية والحقيقية للحكم، وليست القاعدة عند أقلية معينة، كل فرد فيها يخدم نفسه، وينافس غيره على المناصب والامتيازات. ولا عند حزب اهترأ نسيجه، ولم يعد يغطي من الحكم إلا مساحة ضئيلة منه، فضلاً عن أن يضفي عليه شرعية سياسية، أو أن يكون قاعدة متينة لحكم يحترم نفسه، ويحلم بالاستقرار، وبتطوير البلاد، في زمن سريع التطور.

ولو علم الرئيس، الذي عرف خفايا السياسة في عهد أبيه، أن قاعدة حكمه ستكون مجرد طائفة ينافسه زعماؤها على كل شيء، ويتنافسون فيما بينهم على كل منصب أو صفقة، لتردد طويلاً قبل أن يجازف باستلام السلطة، أو هذا ما يظنه البعض.

ولو علم أن الحزب الذي شاخ هو قاعدة حكمه لتردد طويلاً أيضاً، وفكر ملياً قبل أن يغامر بحمل أعباء الحكم، أو هذا ما يتصوره البعض الآخر. إن رئيس الدولة هو رئيس لسورية كلها ولشعبها كله، وهذا ما يجعل بعض المتفائلين يتوقعون منه:

  1. إفراغ السجون من الشرفاء والمخلصين وأصحاب الآراء الحرة، وفتحها للفاسدين والمفسدين، من لصوص الحكم، وسماسرته، وجلاديه، الذين أذاقوا شعب سورية مرارات لا يزيل طعمها المر من حلقه، إلا رؤية هؤلاء المجرمين مكدسين في الزنازين المعتمة، بعد أن تُغسل من أدرانهم أروقة الحكم والسلطة فيها.

ب. تقليص أجهزة الرعب، المسماة أجهزة أمن، إلى أقل حجم ممكن، وتقييد سلطاتهم بقوانين صارمة، فلا يستبيحون أرواح الناس وأموالهم وأعراضهم باسم الأمن. فكل عنصر أمن يبيح لنفسه التجاوز على حقوق العباد، إنما يفعل ذلك باسم رئيس الدولة، ويضرب أعناق الناس بسيف رئيس الدولة، ويجلد ظهورهم بسوط رئيس الدولة، ولولا ذلك، لما جرؤ عنصر من هؤلاء، صغيراً كان أم كبيراً، على اقتحام أضعف بيت من بيوت المواطنين.

هذه العناصر التي تستغل اسم رئيس الدولة وتغطي سلوكياتها المنحرفة بمصطلحات وهمية مثل المحافظة على الأمن، إنما تدمر الأمن الحقيقي الذي ينبغي أن يحرص عليه رئيس الدولة، لأنه الضمانة الحقيقية لحكمه. إنها تدمر هذا الأمن لتصنع أمناً موهوماً مبنياً على الكبت والرعب والإرهاب، إرهاب الشعب من الحاكم، وإرهاب الحاكم من الشعب، لتتمتع هي بمكاسب ومزايا ومناصب وأموال، حتى إذا تلوث وجه الحكم بانحرافاتها، واهتزت أركانه بممارساتها، تخلت عنه، وأعلنت ولاءها للحكم الذي يأتي بعده، دون أن تذرف عليه دمعة حزن واحدة.

ج. الاستجابة لمطالب القوى السياسية الحية في سورية، سواء تلك الموجودة على الساحة منذ فترة طويلة ولها تاريخها العريق في العمل السياسي، كالتيار الإسلامي، أو تلك التي بدأت تتشكل حديثاً، وخاصة أن مطالبها تعد مطالب مشروعة تستهدف الخروج من حالة الجمود التي أصابت الحياة السياسية في سورية، ومن تلك المطالب وقف العمل بقانون الطوارئ، وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية، وتعديل الدستور الذي وضعته فئة معينة من الشعب، وإعلان الحريات العامة، وإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين الذين قضوا سنوات طوالاً في غياهب السجون، وإعادة وضع القوات المسلحة كمؤسسة وطنية عامة مهمتها حماية حدود الوطن لا مصالح الطائفة.

إن صورة النظام الاستبدادي المتسلط يجب أن تنتهي من عالمنا العربي والإسلامي، وخاصة أنها قد بدأت في الانحسار عن كثير من بقاع العالم. كما أن رفع شعارات دون أن يكون لها مضمون حقيقي، تزييف لم يعد ينطلي على أحد. أما استحواذ فئة أو طائفة بعينها على مقدرات الأغلبية واستغلالها لصالحها، فذلك فتيل الاشتعال الذي يخشى أن يفجر الأوضاع في أي مجتمع.

إن أمام سورية فرصة كبيرة لإصلاح أخطاء الماضي والانفتاح على عهد جديد، وأي تأخير في ذلك معناه أن يصبح العهد الجديد شريكاً في كل أحداث الماضي، وعندها يصعب التعامل معه على أنه عهد جديد.

الرابط المختصر :