العنوان ربانيون مع الأجيال.. النجــــاح الحقيقــــــي!
الكاتب د. يوسف السند
تاريخ النشر الخميس 01-يونيو-2023
مشاهدات 22
نشر في العدد 2180
نشر في الصفحة 65

الخميس 01-يونيو-2023
أخذ الأبناء والأحفاد يتذاكرون درجات زملائهم وأترابهم في الماضي والحاضر: فلان بن فلان كان يحصل على درجات كاملة وفي جميع المواد علماً أنه كان كثير الغياب خلال العام الدراسي! وفلان بن فلان لم يرسب في مادة كذا علماً أنه كان يتغيب عن هذه المادة ولا يشارك، وليس له دفتر متابعة للدرس، وسئل أكثر من مرة ولا يعرف الإجابة، وكثيراً ما يتغيب عن المدرسة! وفلان بن فلان عُرف بشغبه أثناء الاختبار، وعُمل له محضر غش في أكثر من مادة ولم يرسب في مادة دراسية قط!
والجدُّ والأب يستمعان وهما في حيرة ودهشة من هذا الكلام! ثم تنهد الجدُّ الداعية الرباني وتنفس الصعداء قائلاً: إن جريمة الغش كالنار تأكل الأخضر واليابس، وكالثعبان ينفث سمومه القاتلة، وقلما يسلم منها أحد، هذه الجريمة لها ثمارها الحنظلية التي تمحق العلم؛ فيظهر الجهل في جميع مرافق الحياة، وتضعف أركان الوطن وينهار المجتمع.
إنه سرطان الغش في أسمى أمر في الحياة وهو العلم؛ فيحمل الطلاب شهادات زور معطوبة ومضروبة تحمل معنى نجاح غير قانوني، بل وغير شرعي.
وهذه تغريدتي في «تويتر» هذا الصباح: «ترسيخ النجاح القانوني الشرعي يجب أن يكون في أولوية أولوياتنا.. النجاح الكاذب لا جدوى فيه ولا ثمر.. النجاح المغشوش شهادات ومظاهر لا تسمن ولا تُغني من جوع.. المطلوب: التعليم المهني الذي يكسب الطالب حبَّ العلم والبحث ومهارات التعلُّم الذاتي.. الفزعة الجوفاء والمكر لا يصنعان نجاحاً حقيقياً شرعياً».
ثم استدرك الجدُّ: أُدرك جيداً أن هذه المعاني لن تفهموها إلا مع تجارب الحياة العلمية العملية، إضافة إلى اطلاعكم وقراءاتكم لسير العلماء الناجحين المتميزين الذين خاضوا حياة التعب والغمار، وتحملوا الشدائد والغبار، وعبروا المحيطات والبحار، وواصلوا الليل والنهار، فنحتوا أوسمة المجد وصخور النجاح، فنالوا تيجان الخلود وصدارة السعود والصعود! ولسان أحدهم يردد منهكاً:
لا تحسبنَّ المجدَ تمراً أنت آكلُه
لن تبلغَ المجدَ حتى تلعق الصَّبِرا(1)
إن علماءنا الذين تسمعون عنهم وتعرفونهم قد صبروا واصطبروا وتحملوا حتى نالوا النجاح والعُلا.
ومن يصطبر للعلم يظْفرْ بنَيْلهِ
ومن يَخطُبِ الحسناءَ يصبر على البذل(2)
وإذا كانـــــتِ النفـــــــــــــوسُ كِبــــــــــــــــــــــــاراً
تَعِبَــــــــــــــتْ في مُرادهـــــــــــــــا الأجســـــــــــــــــــامُ(3)
أيها الأبناء والأحفاد، لقد كان علماؤنا يبذلون أموالهم لتحصيل العلم؛ فهذا إسماعيل بن عيَّاش الحِمْصِي الإمام، محدث الشام يقول: ورثتُ من أبي أربعةَ آلافِ دينار، أنفقتُها في طلب العلم، وهذا الإمام الفقيه المجتهد محمد بن الحسن الشيباني الكوفي، تلميذ الإمام أبي حنيفة يقول: ترك لي أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقتُ خمسة عَشَر ألفاً على النحو والشعر، وخمسة عَشَر ألفاً على الحديث والفقه، وهذا محمد بن سَلَام يقول: أنفقتُ في طلب العلم أربعين ألفاً، وأنفقتُ في نشْره أربعين ألفاً.
وهذا الإمام ابن الجوزي، رحمه الله تعالى، متحدثاً عن الشدائد التي نالته في بَدْء طلبه للعلم: ولقد كنتُ في حلاوة طلبي العلمَ، أَلقى من الشدائد ما هو عندي أحلَى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو.
كنتُ في زمن الصبا آخُذُ معي أرغفةً يابسة، فأخرجُ في طلب الحديث، وأقعدُ على نهر عيسى -في بغداد- فلا أَقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلتُ لقمةً شربتُ عليها، وعينُ هِمتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عُرِفتُ بكثرة سماعي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وآدابه، وأحوال أصحابه وتابعيهم.
وكان أحدهم لا يُرى إلا وهو يصلي أو يتلو أو يُصَنِّف أو يقرأ، وكانوا يؤلفون الكتب في مختلف العلوم، بل يكثرون من التأليف!
اسمعوا.. قد بلغت تآليفُ أبي عبيدة -مَعْمر بن المثنى- مائتين في علوم مختلفة، وبلغتْ مؤلفاتُ ابن سُريج أربعمائة، وبلغت مؤلفات عبدالملك بن حبيب عالم الأندلس ألفَ كتاب، وكانت مؤلفاتهم مجلدات، فكتاب «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي أربعة عشر مجلداً، وكتاب «الأغاني» عشرون مجلداً، وكتاب «الكامل» لابن الأثير اثنا عشر مجلداً، وكتاب «شرح النبات» لأبي حنيفة الدَّيْنَوَري بلغ ستين مجلداً(4).
لقد كانوا فخر الإسلام، بل فخر الحضارة الإنسانية، وكانوا يحترمون وقتهم ولا يضيعون حياتهم.
ختاماً، أيها الأبناء والأحفاد، ليتكم تقرؤون كتاب «صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل» للعالم الجليل عبدالفتاح أبو غدة، رحمه الله تعالى.
إنهم هم الناجحون حقاً، وما صنعوه وحققوه بفضل الله تعالى ثم بنجاحهم الحقيقي!
والحمد لله رب العالمين.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

