العنوان رجال في الشدائد.. وجبال عند الخطوب
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر السبت 07-يوليو-2007
مشاهدات 21
نشر في العدد 1759
نشر في الصفحة 39
السبت 07-يوليو-2007
dar_elbhoth@hotmail.com
عرفته مجاهداً
مسلماً رباني النزعة ملائكي الروح، صديقي العزيمة، وافر الجهد. حاملاً لعقيدته
بقوة، وحامياً لذمارها في رجولة عامر القلب بالإيمان، ومفعم النفس بالحياة، ومسعد
الروح بالهداية.
عرفته قدوة
حسنة، وأسوة عظيمة مربياً للأجيال، وجامعا للشتات، ومعدلا للسلوك. وكاشفاً للضلال.
مقاوما للانحدار، يصارع الفساد المدجج بالجند، والسلاح والعتاد، بلسانه وحجته،
وينازل الباطل المستقوي بقضه وقضيضه بلفظه وبينته، هو هداية تنسم على الأنفس
العطشى فتجعلها ربانية مشرقة، ولا غرو، فهو صاحب رسالة ممدودة بسببها إلى أكرم
رسول ظهر إلى الوجود، محمد r.
عرفته كالبحر لا
تكدره الأرجاس، ولا تنغصه الفقاقيع، ولا تنقصه الدلاء، سمحا في طبعه دمثًا في
خلقه، عفًا في منطقه غاضًا بصره غني النفس مهاب الجانب، سليم الفكر.
عرفته رجلا
والرجال قليل صادق الوعد قوي العزيمة، واثقًا بنصر الله، لم تنل منه الحوادث، ولم
تضعضعه الأيام، ولم تحنه المظالم، ولم ترهبه المشانق، ولم تنل منه السجون التي قضى
فيها ٢٥ عاما ظلمًا وبغيًا.
فكان نعم الصابر
المحتسب في النوازل والفاقه العارف للتبعات والسنن، جعل سجنه خلوة، وانقطاعه عن
الدنيا عبادة، وفراقه لأهل حسبة، ترك زوجته وأولاده ولا معين لهم غیره سبحانه، ولا
حافظ لهم إلا رعايته وجاهه، وكان دائماً متمثلاً قول إبراهيم عليه السلام،
﴿رَّبَّنَا إِنِّي
أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي
إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37).
فما ضيعه الله،
بل أكرمه فيهم، وخرج بعد طول المحنة، ثابت الخطو، قوي القلب متقد العزيمة، ليواصل
عطاءه لأمته، وسعيه في سبيل دعوته، يحمل الأمانة، ويرفع العلم ويواصل الجهد.
عرفته في شبابه
عزيمة تفل الحديد ونفساً تصارع الأهوال، ونشاطاً يملأ الآفاق وداعية لا يشق له
غبار، وعرفته في شيخوخته ناهضا وهو ثقيل، مجاهدا بكل ما يملك، يسابق الشباب وهو
يجر ساقيه ويشجع الشيوخ ويقوي ظهرهم، ويعايش هموم المسلمين، وهموم دعوته، وهموم
مرضه بنفس وثابة، وروح ربانية رضية لا ترهبها الصعاب ولا يخيفها الموت، ولا تقعدها
العقبات، وكان توكله على الله يقهر كل صعب، ويذلل كل مشقة، وكان دائم الترديد:
بمن
يستغيث العبد إلا يريه
ومن للفتى عند
الشدائد والكرب
ومن
مالك الدنيا ومالك أهلها
ومن كاشف البلوى على
البعد والقرب
ومن
يدفع الغماء وقت نزولها
وهل ذاك إلا
من فعالك يا ربي
هؤلاء هم الرجال
سواء عرفتهم أو سمعت عنهم أصحاب قلوب كبيرة، وأرباب نفوس عظيمة، وأرواح ذكية. فإذا
وجدتهم. فقف وتعلم وتزود وارتشف من هذه الينابيع الصافية الخالية من الأرجاس، قف
فهاهنا أنوار الهداية، ودروب الأتقياء، ونفحات النبوة، وآثار المرسلين،
ونسمات المصطفين الأخيار.
قف والتفت إلى
الأسوة النابضة، والجبال الصامدة، والعزائم القاهرة، والآفاق المحلقة والغيث
العميم، وكبر فإنك في محاريب النفحات، ومواطن التجليات، وأضواء الحقيقة وجوار
الربانيين الأبرار، وهلل فإنك عثرت على البغية، وظفرت بالكنز، وهديت للفلاح، وسبح!!
لأن الله معك، والملائكة في ركابك، وأطياف المجاهدين تحوطك، وهالات الفوز تزفك.
إذا وجدت الرجال
فاعلم أنك حفظت وهديت ووقيت، وكفيت، حفظت من شياطين الإنس والجن لأنك في معية
المتقين، ﴿إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (الحجر: ٤٢). ومهما حاول الأشرار اختراق عزيمتك، وإرجاف قلبك، فأنت
سلطان بإيمانك وبصحبك، ومهما تظاهر الخونة بالصداقة الكاذبة، والخداع المفضوح، فإن
الإناء بما فيه ينضح، والضلال بنتنه يفوح، وتظهر عورته، وتنكشف سوءته وتفضح
صداقته.
صديق
ليس ينفع يوم بؤس
قريب من عدو في القياس
وما يبقى الصديق بكل عصر
ولا الإخوان إلا للتأسي
وعلى الربانيين
الرجال: تقوم الحضارات وتسود الشعوب، وتنهض الأمم.
وها نحن اليوم
نرى في فلسطين إخوة السلاح والوطن والمصير، في حال لا يسر الصديق ولا الحبيب،
وإنما يفرح العدو والمتربصين، وقد حمل المخلصون في فلسطين أرواحهم على أكفهم،
وقدموا الكثير من الشهداء في سبيل رفعة أمتهم، وتحرير بلادهم. ومازالوا يقدمون
الكثير، ولكن هذا يزيد القلوب المريضة مرضا، والنفوس العليلة علة، ورأينا المؤمنين
يتخطفون ويقتلون والأعداء يصادقون وينادمون من فئة اعوجت وسارت تشرب الدم الحرام،
وتسفكه وكان لا بد من وقفة إيمانية، وغضبة مضرية يتطلبها الموقف، وتناديها الحالة
البئيسة.
إذا
لم يكن إلا الأسنة مركباً
فلا أرى للمضطر إلا ركوبها
وانكشف لكل ذي
عينين النور من الظلام وظهر الشرف من الخيانة، وتحدثت الوثائق ولكن العجب العجاب
أن يؤيد الباطل، ويدم الحق، ويقرب العملاء والخونة، ولكن ما أظن أن هذا سيستمر
طويلاً لأن الخيانات أكبر من أن تكبت أو تتوارى، وما أظن أن الأنظمة التي تساعد
الباطل ستكون بعيدة عن الحساب من الناس، أو من التاريخ، أو من رب العالمين ﴿وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: ۲۲۷).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل