; رجب طيب أردوغان من الميناء إلى البرلمان (١ من ٢) | مجلة المجتمع

العنوان رجب طيب أردوغان من الميناء إلى البرلمان (١ من ٢)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 07-يوليو-2007

مشاهدات 18

نشر في العدد 1759

نشر في الصفحة 30

السبت 07-يوليو-2007

  • خلال دراسته الابتدائية.. لقبه أستاذه بـ الشيخ رجب.. بعد رفضه الصلاة على صحيفة بها صور نساء عارية

  • اكتسب الخبرة التجارية من والده فباع السميد خلال دراسته بثانوية الأئمة ... ثم التحق بكلية الاقتصاد بجامعة مرمرة الحكومية 

  • لم ينس هوايته المفضلة وظل يلعب كرة القدم في ثلاثة فرق رياضية بإسطنبول نحو عشر سنوات

إسطنبول: إبراهيم بوعزي([1])

أردوغان شخصية جمعت الكثير من الصفات، لتكون نموذجاً فريداً يقود تركيا بلد المتناقضات إلى بر الاستقرار الاقتصادي وأحضان الاتحاد الأوروبي. يصفه العلمانيون بأنه إسلامي رجعي، ويبالغون إذ يرونه خطراً على النظام الجمهوري العلماني، وقد يتهمه بعض الإسلاميين بخدمة المصالح الأمريكية والتخلي عن بعض المبادئ الإسلامية.

لكنه يصف هو نفسه بأنه رئيس متدين الحكومة علمانية، ويعطي تعريفاً جديداً لمفهوم العلمانية الحقيقية التي من وظائفها حماية الدين والمتدينين لا محاربتهم.

طفولته وشبابه: ولد أردوغان عام ١٩٥٤م، في حي شعبي فقير بالجزء الأوروبي من إسطنبول، كان أبوه عاملاً على ظهر سفينة تعمل في سواحل مدينة «ريزه» على البحر الأسود فعلم ابنه الصبر ومكابدة الأمواج العاتية.

تلقى رجب طيب تعليمه الابتدائي في مدرسة حكومية مع أبناء حارته في إسطنبول، فتعلم هناك اللهجة القاسية التي تظهر في تصريحاته وخطاباته الرسمية، ثم التحق بعد ذلك بمعهد الأئمة والخطباء، لينهي المرحلة الثانوية بتفوق، وتعلم هناك الفقه والعقيدة والتجويد فتهذب أسلوبه في الكلام والتفكير أكثر فأكثر.

الشيخ رجب

وخلال دراسته الابتدائية أطلق عليه أستاذه اسم الشيخ رجب: ففي درس التربية الدينية سأل المدرس التلاميذ عمن يستطيع أداء الصلاة داخل الفصل ليتعلم منه بقية الطلبة فرفع رجب يده ليكون قدوة لزملائه في أداء الصلاة، شكره المدرس وفرش له صحيفة على الأرض ليصلي عليها، فما كان من رجب الصغير إلا أن رفض الصلاة على الصحيفة لما عليها من صور لنساء سافرات دهش المدرس الموقف الصبي وأثنى عليه وأعجب بذكائه وورعه، وأطلق عليه لقب الشيخ»، قبل أن يدخل ثانوية الأئمة والخطباء.

بيع السميد

وعندما كان في الثانوية كان رجب الطيب» يساعد أباه في إعالة إخوته حيث كان يبيع نوعاً من الكعك معروفاً لدى الأتراك باسم السميد، كان يشتريه يابساً بارداً بسعر زهيد ليسخنه في البيت على البخار حتى يصير طرياً مستساغاً، ثم يبيعه بسعر مناسب ينفقه على إخوته.

ولأنه من أصيلي البحر الأسود المعروفين بالمهارة في التجارة ولأنه تمرس على العمل في سوق الحي، التحق - وهو لم يتجاوز عقده الثاني - بكلية الاقتصاد بجامعة مرمرة الحكومية، مع أبناء الطبقة الشعبية ليصقل موهبته التجارية دون إهمال هوايته المفضلة كرة القدم، حيث مارسها منذ طفولته في ثلاث فرق رياضية بإسطنبول، ولمدة ناهزت العشر سنوات، إلى أن تخرج من الجامعة والتحق بالخدمة العسكرية كضابط احتياط.

وقبل أن يلتحق بالمعترك السياسي في السبعينيات من القرن الماضي عمل أردوغان مستشاراً مالياً لبعض الشركات الخاصة ومديراً لعدد من المؤسسات المالية.

قصة زواجه: يقول الكاتب الصحفي التركي فهمي جالموق في كتابه الذي ألفه عن مسيرة حياته([2]) بدأت قصة زواجه من المناضلة الإسلامية في حزب السلامة أمينة عام ۱۹۷۷م إثر رؤيا رأتها فتاة من أصل عربي من مدينة سعرد جنوب شرق الأناضول، رأت البنت الناشطة آنذاك في حزب السلامة الوطني في المنام فارس أحلامها يقف أمام الناس خطيباً فتعجب به في منامها قبل أن تعرفه على أرض الواقع([3]) وبعد يوم واحد ذهبت أمينة مع الكاتبة الإسلامية شعلة يوكسلشنلر، إلى اجتماع حزب السلامة فرأت نفس ذلك الشاب الذي رأته في المنام ثم تعرفت عليه، فإذا رجب ذو الأصول القوقازية من شمال شرق مدينة ريزه القريبة من جورجيا.

فتزوج الاثنان، واستمرت الحياة بينهما يسودها الحب والمودة ووصلا إلى دفة الحكم في تركيا رغم الحجاب الذي ترتديه السيدة أمينة والذي يثير حفيظة الجيش والمعارضة العلمانية.

من السلامة إلى الرفاه: تدرب رجب طيب على السياسة مع حزب السلامة. الذي أنشأه البروفيسور نجم الدين أربكان ورغم اهتمامه بالعمل السياسي منذ ١٩٦٩م. إلا أن بدايته الفعلية للعمل التنظيمي كانت خلال دراسته الابتدائية.. لقبه أستاذه بـ الشيخ رجب .... بعد رفضه الصلاة على صحيفة بها صور نساء عارية ١٩٧۵م، حين اضطلع بقيادة الجناح الشبابي المحلي لحزب السلامة الوطني، الذي تأسس في ١٩٧٢م بعد إغلاق حزب النظام الوطني وانتقال مؤسسه أربكان إلى سويسرا. 

وقبل إغلاق الحزب كان قد تم اختيار أردوغان عضواً بالمجلس الإداري للإدارة العامة للأجنحة الشبابية بحزب السلامة، وبقي في هذا المنصب حتى عام ١٩٨٠م.

وبعد إغلاق حزب السلامة وتأسيس حزب الرفاه، ترأس رجب طيب أردوغان فرع الحزب الجديد ببلدة بايوغلو مسقط رأسه وأحد أكبر بلدات الجزء الأوروبي من إسطنبول في عام ١٩٨٤م، وسرعان ما سطع نجم أردوغان في حزب الرفاه»، فأصبح رئيساً الفرع الحزب في ولاية إسطنبول في ١٩٨٥م. ثم أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب بعدها بعام فقط. 

وفي الانتخابات البلدية التي جرت عام ١٩٩٤م فاز أردوغان برئاسة البلدية المركزية المدينة إسطنبول الكبرى.

أربكان.. القائد القدوة

ومنذ كان رجب رئيساً لفرع حزب السلامة بولاية إسطنبول تعلق بشدة بقائده وقدوته نجم الدين أربكان، إلى حد أنه أطلق اسم نجم الدين على أحد أبنائه.

وكان أربكان يثق في أردوغان كثيراً ويرحب بكل من ينضم إلى الحزب عن طريقه، وكان الشيخ يؤيد أردوغان في أي تغيير يدخله على الحزب.. إلى أن حل حزب الرفاه عام ۱۹۹۷م.

ومازال أردوغان يكن الاحترام والتقدير لشيخه أربكان حتى بعد خروجه من السجن في ٢٤ يوليو ۱۹۹۹م، إلى أن انفصل عنه عام ٢٠٠۱م ليؤسس حزب العدالة والتنمية([4]).

محن سياسية

وككل قائد سياسي جريء، فإن السجن طريق لا بد منه ليعدل القائد من مواقفه ويعتدل ليتسلم مقاليد الحكم بشكل مشرف ونبيل. 

لقد انزعجت بعض القوى العلمانية في البلاد مما ناله أردوغان من إعجاب سكان إسطنبول أكبر مدينة في تركيا عندما كان رئيساً لبلديتها، بسبب نجاحه الباهر في تقديم الخدمات البلدية وتنظيم حياة المدينة ومحاربة الفساد في الأسواق وتقديم المساعدات للمحتاجين والطلبة. 

وأدى ذلك إلى محاكمته وسجنه بموجب مادة في القانون الجزائي تجرم كل من يقوم بتأجيج مشاعر التفرقة العرقية أو الدينية في تركيا.

وقامت تلك التهمة على أساس أبيات من الشعر ألقاها أردوغان الذي يتمتع بموهبة فائقة في إلقاء الشعر بصوته الشجي، خلال أحد الاجتماعات العامة لحزب الرفاه بمدينة سعرد، جنوب شرقي الأناضول.

يقول الشاعر التركي ضياء كوكالب في تلك الأبيات: المآذن رماحنا، والقباب خوذاتنا. والجوامع ثكناتنا، والمؤمنون جنودنا. 

ورغم أن هذه الأبيات مدرجة في الكتب المدرسية وتدرس للطلبة في المدارس الحكومية، إلا أنها إذا خرجت من فم سياسي معارض تصير تهديداً لأمن البلد وزرعاً للفرقة الطائفية والدينية، كما ورد في نص التهمة التي واجهها أردوغان عام ۱۹۸۸م.

واعتبرت المحكمة أن تلك الأبيات تؤدي إلى إثارة المشاعر الدينية لدى المواطنين، تلك المشاعر التي طالما عملت الحكومات التركية المتعاقبة على كبتها ولكنها لم تنفجر يوماً بشكل همجي لتدخل البلاد في حرب أهلية أو طائفية. وحكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة أربعة أشهر في ربيع ۱۹۹۸م، مما جعل منه بطلاً وطنياً في عيون الشعب التركي المتحمس آنذاك للمشروع الإصلاحي الإسلامي الذي قاده الشيخ أربكان([5]).

حزب تجديدي

وكما يقال: رب ضارة نافعة، فإن تلك الأشهر الأربعة عادت على رجب بالخير، فقد خرج من السجن بأفكار إصلاحية وأسلوب معتدل، فقد تخلى عن اللهجة الحادة، وأعلن عند خروجه من السجن مباشرة أنه غير قميصه السياسي، إلا أن المعارضة العلمانية اعتبرت تغيير القميص تقية، يهدف أردوغان من خلالها إلى السيطرة على أجهزة الدولة القلب النظام والانقلاب على النهج العلماني([6]).

ومازال هذا الفصيل لم يدرك المفهوم الحقيقي للعلمانية الذي يؤمن به أردوغان والذي شرحه في أكثر من مناسبة.

وبعد خروجه من السجن بأشهر قليلة قامت المحكمة الدستورية في 8 مايو ١٩٩٩م بحل حزب الفضيلة» الذي قام بديلاً عن حزب الرفاه فانقسم نواب حزب الفضيلة إلى جناحين، جمع الجناح الأول من تبقى من النواب المحافظين في السعادة» الذي لم يتمكن من دخول البرلمان عقب انتخابات ٢٠٠٢م، لعدم حصوله على ١٠% من أصوات الناخبين.

أما التجديديون من الشباب مثل رجب طيب أردوغان وعبد الله جول. فقد أسسوا حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، في ١٤ أغسطس ٢٠٠١م، أي بعد حوالي شهر من تأسيس الجناح الآخر لحزب السعادة.

انتصارات مجتمعية للعدالة

وخاض حزب العدالة الانتخابات التشريعية في ٢٠٠٢م، وفاز بـ ٣٦٣ نائباً، محققاً بذلك أغلبية ساحقة مكنته من تشكيل حكومته الحالية التي لم يترأسها بنفسه بسبب تبعات الحكم السابق الذي قضى من أجله أشهراً في السجن، ولذلك فقد أوكل مهمة رئاسة الحكومة إلى وزير الخارجية الحالي عبد الله جول في ١٦ نوفمبر ۲۰۰۲م، حتى ١٤ مارس من نفس السنة، وحين سقط عنه الحكم بعدم ممارسة السياسة، تسلم أردوغان رئاسة الحكومة التركية. 

وكان فوز العدالة والتنمية، حدثاً تاريخياً بالنسبة إلى البرلمان التركي الذي لم يشهد حكومة حزب واحد منذ سنة ١٩٨٧م. وكان العدالة والتنمية قد حصل في تلك الانتخابات على ٣٦٣ مقعداً في البرلمان في حين لم يحصل حزب الشعب الجمهوري ممثل القوى العلمانية إلا على ۱۷۹ مقعداً.

وظهر أردوغان بحزيه الجديد في فترة عرف فيها الشعب التركي حالة من اليأس والإحباط من الحياة السياسية، خصوصاً بعد الفضيحة التي شهدها مجلس الأمن التركي في ۲۰۰۱م، حيث ألقى رئيس الحكومة آنذاك بكتيب الدستور في الهواء مما أفقد ثقة الشعب فيه وفي كافة الأحزاب السياسية.

إعادة الثقة في الدولة والدستور

ظهر أردوغان في تلك الفترة ليعيد الثقة إلى الشعب التركي في الدولة ومؤسساتها. جاء هذا الأمل الجديد بعد يأس المواطنين من العملية الديمقراطية التي تتوقف كلما ظهر الإسلاميون على الساحة السياسية حيث تم إسقاط حكومة أربكان وإغلاق حزب الرفاه والفضيلة.. وكادت البلاد تتحول إلى جزائر ثانية بفعل الاحتقان والغضب الشعبي من تدخل العسكر في السياسة.

([1]) باحث وصحفي عربي مقيم في تركيا.

([2]) www.haberturk.com.

١٣ يونيو/ حزيران ۲۰۰۱

([3])صحيفة الحرية 16/١١/2005م.

([4])صحيفة كوندم ١٤ أغسطس ٢٠٠١م.

([5])صحيفة حريات 22/٤/1998م.

([6]) نشرت صحيفة الزمان التركية في عددها الصادر ۲۷ نوفمبر ٢٠٠٦ اتهامات من رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري كمال أناضول لأردوغان بأنه حتى وإن غير قميصه فإن القماش واحد، أي أنه مازال يحمل أفكاراً إسلامية ووصف فيها حزب العدالة والتنمية بالعصابة السياسية.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

قبرص.. جزيرة الأزمات

نشر في العدد 76

36

الثلاثاء 07-سبتمبر-1971

برلمانيات ( 1054)

نشر في العدد 1054

26

الثلاثاء 22-يونيو-1993