العنوان رسالة الأخوة.. انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا
الكاتب د. سعد المرصفي
تاريخ النشر الجمعة 04-مايو-2012
مشاهدات 13
نشر في العدد 2000
نشر في الصفحة 54
الجمعة 04-مايو-2012
أ.د. سعد المرصفي (*)
نعيش في زمان من أبرز ملامحه اختلاط الأوراق، وانقلاب الموازين، وكثرة المظالم، وانتهاك الحقوق، وإهانة الكرامات، ووقوع الأبرياء والصالحين في أسر الأعداء والمستبدين، واعتداء القوي على الضعيف، وإسالة دماء الأحرار، وتراجع قيم العدل الحساب منطق القوة، وتخاذل أمة الإسلام عن وقف العدوان على المستضعفين، وانتهاج درب السلبية واللامبالاة حيال المصائب والنوازل، إلا من قليل المواقف التي قد لا تسمن ولا تغني من جوع.
وإزاء ذلك كله، لا أمل في معالجة هذه الاختلالات والمظالم والانحرافات إلا بالعودة إلى الإسلام، ذلك الدين القويم الذي أوجب نصرة المظلوم، ودفع الظلم عنه، واسترداد حقوقه، وكف يد الظالم، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، وفك الأسير، وإغاثة المستغيث، ونجدة الملهوف.
إن نصرة المستضعفين وتنفيس كرباتهم وتفريج همومهم وعدم خذلانهم من حقوق الأخوة الإسلامية، ولهذا لا ينبغي للأمة الحرة الأبية أن تقف متفرجة إزاء ما يجري لإخواننا في سورية من قتل وتشريد وانتهاك للأعراض وقمع واعتقال دون هوادة، ودينها يأمرها بوقف هذه المجازر التي لم ترحم النساء والشيوخ والأطفال، حتى أن القلب يكاد ينخلع من هول المشاهد المروعة التي نجح الأحرار في تسريبها عبر شبكة الإنترنت والقنوات الفضائية.
والحقيقة أن الأمة الإسلامية مطالبة بموجب دينها أن تنصر المظلومين في بلاد الشام، وأن تردع الظالم وجنوده في كل مكان، وأن تردهم عن جورهم وبطشهم، والقرآن الكريم يخاطبنا في مثل هذه الأوضاع المأساوية بالقول: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذه القَرْيَةِ الظَّالم أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًا وَاجْعَلْ لَنَا مِنَ لدُنكَ نَصِيرًا﴾ (النساء:57)، وقد قال الإمام الشوكاني - يرحمه الله - في هذا الشأن: «مالكم لا تقاتلون في سبيل الله وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد وكيف تقعدون عن القتال في سبيل الله واستنقاذ هؤلاء المستضعفين».
كما يكلف القرآن الكريم المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(الحجرات:9-10)، يكلفهم بالإصلاح بين المتقاتلين، فإن بغت إحداهما فلم تقبل الرجوع إلى الحق، سواء برفض الصلح أو رفض قبول حكم الله في المسائل المتنازع عليها، فعلى المؤمنين أن يقاتلوا البغاة، وأن يظلوا يقاتلونهم حتى يرجعوا إلى أمر الله فإذا قبل البغاة لحكم الله، قام المؤمنون بالإصلاح القائم على العدل الدقيق طاعة لله، وطلبًا لرضاه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الحجرات:9) ويعقب على هذه الدعوة، وهذا التشريع، باستجاشة قلوب الذين آمنوا، واستحياء الرابطة الوثيقة بينهم، التي جمعتهم بعد تفرق، وألفت بينهم بعد خصام، وتذكيرهم بتقوى الله، والتلويح لهم برحمته التي تنال بتقواه: ﴿إِنما المؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (الحجرات:10)
ومما يترتب على هذه الأخوة أن يكون الخلاف أو القتال هو الاستثناء الذي يجب أن يرد إلى مفهوم الأخوة فور وقوعه، وأن يستباح في سبيل تقريره قتال المؤمنين الآخرين البغاة من إخوانهم ليردوهم إلى الصف، وليزيلوا هذا الخروج على الأصل، وهذا إجراء صارم وحازم، لابد من استدعائه والعمل به في مثل هذه المحن.
وتحفل السُّنة النبوية ببيان شاف وواضح لنصرة المظلوم، ودحر الظالم، فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»، قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: «تأخذ فوق يديه»، وفي رواية: «تكفه عن الظلم»، وقوله ﷺ: «انصر أخاك» أسلوب أمر، والأمر هنا يفيد الوجوب، والواجب آثم تاركه مثاب فاعله.
وعن جابر رضي الله عنه قال: اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين، وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول اللهﷺ فقال: «ما هذا، دعوى أهل الجاهلية»، قالوا: لا يا رسول الله! إلا أن غلامين اقتتلا، فكسع أحدهما الآخر، قال: «فلا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره».
ليس كافيًا أن يختزل هذا الأمر الجلل من قبل الأمة في المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية هنا وهناك للاجئين السوريين، وهذا وإن كان جهدًا طيبًا ومباركًا فإنه على الحكومات الإسلامية والمنظمات الإقليمية والدولية أن تضطلع بموقف أكثر فاعلية في وقف حرب الإبادة التي يتعرض لها أبناء الشعب السوري، من منطلق المروءة والشهامة والإنسانية، إن لم يكن من منطلق الأخوة الإسلامية، فاللهم انصر إخواننا المستضعفين في سورية، واحقن دماءهم، واهلك الظالمين والطغاة الذين استباحوا الحرمات وسعوا في الأرض فسادًا، وسبحان رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
(*) أستاذ الحديث وعلومه
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل