; رسالة زلزال آسيا لكل متجبر.. عجزك تحت رجليك.. وقهرك تحت قدميك.. | مجلة المجتمع

العنوان رسالة زلزال آسيا لكل متجبر.. عجزك تحت رجليك.. وقهرك تحت قدميك..

الكاتب د. عصام العريان

تاريخ النشر السبت 08-يناير-2005

مشاهدات 17

نشر في العدد 1634

نشر في الصفحة 22

السبت 08-يناير-2005

﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ 

جاء زلزال الأحد ٢٦/١٢ في دول جنوب شرق آسيا ليذكرنا بقهر الله وقدرته وعظيم سلطانه وجبروته، كما يذكرنا أيضاً برحمته ولطفه بعباده.

لقد خلق الله الأرض وأودع فيها من الأسرار وبديع الخلق ما يجعلها مستقرة راسية مدللة للعباد. ﴿هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه  (الملك ١٥)، ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) )النازعات)

وبين لنا سبحانه أنه لو أراد الخسف بنا الأرض فابتلعتنا من فورها ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)   (الملك)، ومن عظيم لطفه تعالى بنا أننا مع مرور الأيام وكر الليل والنهار نكاد ننسى هذه النعم العظيمة والآلاء الجسيمة، فتأتي الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها، لتذكرنا بحقيقة الخلق وقوة القهر الإلهي لكي نعود إلى الله، وتتذكر أن الأرض مهما استقرت فإنما تستقر برحمة الله ولطفه، ومهما ازينت فإنها إلى نهاية﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا (يونس  ٢٤)

إننا . ومع حزننا وأسفنا على الضحايا الذين لم يفرق الموج الهادر بينهم، فلم يفرق بين مواطن وسائح ولا مترف وكادح، ولا يقظ ونائم، ولا طائع وعاص نأخذ العبرة والعظة من مثل تلك الآيات العظيمة أول هذه الدروس التواضع لله تعالى، والخضوع لقهره والتذلل له، فمهما بلغ الإنسان من العلم والمعرفة، فهو عبد ذليل خاضع لإله قوي قادر ينسى الإنسان هذه الحقيقة، فيذكره الله بها ليعود إليه لا ليعاقبه، فلا يطغى ولا يتجبر﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8 (العلق). وهذا التواضع يظهر في التزام طاعة الله على الدوام، وملازمة ذكره على كل حال، لأن الموت يأتي بغتة ولا يحتاج إلى استئذان، وهذا الخضوع يتمثل في تطبيق شرع الله في الأرض والسير على منهاجه القويم، وعدم الافتتان بالدنيا وزخرفها ، وهذا التذلل يتضح في ربط العلم بالخلق وعدم الخروج على سنن الله في الكون.

 ثاني هذه الدروس الشعور بالعجز أمام قدرة الله القوي القاهر، فمهما بلغ الإنسان من تقدم ورقي، ومهما تطاولت البشرية في العلم والتكنولوجيا، فهي مازالت عاجزة أمام التنبؤ بمثل هذه الكوارث أو الوقوف في وجهها، وكل ما تملكه هو التقليل من خسائرها أو مداواة آلامها . 

لقد شعر الإنسان بشيء من الكبرياء والعظمة وهو يغزو الفضاء ويخطو على سطح القمر ويطير إلى كواكب المريخ وزحل، وتأتي هذه الكوارث لتقول له ببساطة: عجزك تحت رجليك. وقهرك تحت قدميك إياك أن تتطاول وتنسى نفسك.

ومع الشعور بالعجز والقهر لابد من معرفة الحكمة، فالله يقول: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (الأنعام). ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً (الأنعام:61). فحكمة الله تعالى قد ندرك بعض أطرافها، وخبرته بعباده وما يصلحهم تجعل لهذه الكوارث . رغم فداحة الخسائر . فوائد قد تخفى علينا ولا نشعر بها . ولنتصور أن الله تبارك وتعالى، ترك الإنسان لغروره وتطاوله، ماذا تكون النتائج؟

ثالث هذه الدروس الشعور بلطف الله وكرمه على عباده، ومن ظن انفكاك لطفه عن قوة قهره فهو من عظيم جهله، كما يقول ابن عطاء الله السكندري: من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره، فهو سبحانه يشعرك بلطفه ومنه وكرمه عن طريق عظيم قهره وبسط سلطانه، ذلك كله كي تعبده حق عبادته، وتعيش في معيته، وتشعر بدوام حاجتك له، فهو سبحانه اللطيف بعباده.

رابع هذه الدروس أهمية التضامن الإنساني وإغاثة الملهوفين في هذه الكوارث ويبدأ ذلك برقة الشعور وعظيم الإحساس الإنساني، عندما تحدث هذه المصائب، فإذا كان الله تعالى رزقك شعوراً حساساً ونفساً مرهفة، وقلباً سليماً، فلا بد أن تتأثر عندما تسمع عن هذه الكوارث، أياً كان موقعها، وأياً كان ضحاياها، فكلهم خلق من خلق الله.

وحينئذ فإن الآهات والزفرات لا تكفي والحسرات لا تنقذك لابد من مد يد العون إلى هؤلاء المنكوبين. وتصيب الإنسان حسرة عندما يرى إمدادات الإغاثة تتدفق من معظم دول أوروبا، بينما لا نرى ذلك في بلادنا الإسلامية لماذا؟ أهم الأسباب أن الحكومات الاستبدادية قتلت روح التطوع، وحطمت جهود المجتمع الأهلي. وصادرت حق الناس في التعاطف، واحتكرت

وحدها حق العمل الإنساني. بل أصبح العمل الإنساني الإغاثي الإسلامي. بعد أحداث سبتمبر الكارثية - محل اتهام وشكوك وصلت إلى إغلاق منافذه تقريباً.

ورسخ في مخيلة كثير من الحكام شعور قاتل بأن جهود العمل الإغاثي الإنساني التطوعي تخدم أهداف الناشطين الإسلاميين سياسياً، حيث يتجسد فشل الحكومات في هذا المجال الذي يقوم في الأصل على التطوع والشعور الذاتي.

وختاماً يقول الرسول صلي الله عليه وسلم : من بات آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها .. إن الأمن والاطمئنان والصحة والعافية، وسد حاجة الإنسان وكفايته هي متاع الدنيا . فهل نبيت كل ليلة نشكر الله على لطفه بنا.ونشعر بقرب قدومنا عليه؟ وهل نستكثر على الله تعالى أن نضحي بأرواحنا في سبيل نصرة ديننا وتحرير مقدساتنا والدفاع عن أوطاننا؟ وها نحن نرى عشرات الآلاف يختطفهم الموج الهادر في لحظات، وتصبح أعماق المحيطات قبوراً لهم. فهل لنا من عودة إلى الله تعالى، ندعوه أن يلطف بنا في أقداره، ونطيعه حتى نأمن عقابه ونلتزم شريعته حتى نلقاه وهو راض عنا؟

وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم :كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وصدق ابن عمر رضي الله عنهما :إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح .

 

الرابط المختصر :