الثلاثاء 26-يونيو-1979
يعتبر شهر حزيران- يونيو الحالي من أكثر الشهور اكتظاظًا بالمؤتمرات واللقاءات الدولية الهامة:
● ففيه حدث لقاء القمة لزعماء دول السوق الأوربية التسع، الذي عقد في مدينة ستراسبورغ.
● وفيه أيضًا تم لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي كارتر والسوفيتي بريجنيف.
● وفيه شهدت العواصم الأوروبية الرئيسية لقاءات بعض الزعماء العرب مع القادة الأوروبيين.
● وكان في نهايته أيضًا لقاء القمة الموسع بين زعماء الدول الصناعية الغنية في اليابان.
● وعلى هامش هذه اللقاءات عقد مؤتمر أعضاء منظمة الأوبك في جنيف.
لقد كان الشهر الحالي شهر ارتفاع في الحرارة الدبلوماسية، ويبدو أن لقاءات الزعماء البارزين في هذا العالم بات يغطي تحت بطانته صراعًا عالميًّا جديدًا قد تكون أبرز خطوطه متمثلة فيما يلي:
1- نشوء خوف دولي من مستقبل الطاقة، وهذا يبرز في التصريحات الكثيرة التي دارت على ألسنة كبار الزعماء الدوليين، ومن ذلك:
أ- التصريحات العنجهية التي أدلى بها كل من هارولد براون وزير الدفاع الأمريكي، وجيمس شليسنجر وزير الطاقة في حكومة كارتر، والتي هدد بها كل من الوزيرين دول النفط العربية في 25 من شهر شباط- فبراير الماضي.
ب- تكرار هذه التصريحات على لسان وزير الخارجية سابروس فانس ورئيس لجنة الشئون الخارجية في الكونغرس فرانك تسيرش في الثامن عشر من مارس الماضي.
ج- إعلان الاتحاد السوفيتي رغبة في ربط بعض العواصم الخليجية معه بدبلوماسية الصداقة، وتلويح زعماء الكرملين عن استعدادهم لجعل منطقة الخليج منطقة دولية محايدة.
د- التصريحات التي أدلى بها بعض القادة الفرنسيين، والتي كشفت فيما بعد عن المشروع الذي كتبت عنه مجلة «لاسيمار أنشينيه» حيث ذكرت أن وزارة الدفاع الفرنسية قد أعدت مشروعًا عمليًّا للتدخل في منطقة الخليج في حالة الطوارئ.
2- بروز قوى دولية جديدة، ولعل استعراضنا للتصريحات السابقة، والذي يشير إلى حرص القوى العالية المختلفة على ارتباط مصادر الطاقة العالمية بها، يشير أيضًا إلى أن التيار الأوربي الذي تتزعمه فرنسا بات يزاحم بعلانية ووضوح كلًّا من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على دخول لعبة النفط واقتسام مناطق النفوذ في العالم.
3- استقلالية أوربية معلنة عن الخط الأمريكي، برزت في مؤتمر دول السوق المشتركة، وقد نقلت وكالات الأنباء كثيرًا من مقررات المؤتمر وتصريحات زعمائه، مما يشير إلى أن هناك رغبة أوربية جامحة إلى تكوين وضع أوربي يشكل في طموحاته السياسية شكلًا مستقلًّا عن خط السياسة الأمريكي، وهذا ما جعل صحيفة الغارديان تفتتح مقالها الافتتاحي في عدد 20 حزيران- يونيو بقولها: «قررت حكومات دول السوق الأوربية التسع انتهاج سياسة جديدة في الشرق الأوسط تعتبر أكثر استقلالًا عن الخط السياسي الذي تتبعه حكومة الرئيس كارتر».
ونحن لا نعتقد بأن ثمة تغيير مفاجئ قد حصل في الموقف الأوربي، فالرئيس الفرنسي ديستان لم يكن بدعًا في محاولة ركوب الزعامة الأوربي وتوجيهه نحو طريق أكثر استقلالية عن الخط الأمريكي، ولعل مكاتب قصر الإليزيه تؤكد أن هذه السياسة قد بدأت تأخذ طريقها إلى البروز والعلنية والتطبيق منذ حكم الرئيس السابق شارل ديغول، بيد أن هناك فارقًا أكيدًا بين السياسة الفرنسية السابقة وسياسة إدارة الرئيس ديستان.
● فالرئيس الحالي حقق شطرًا كبيرًا من الزعامة الأوربية لنفسه ولبلاده، والشواهد على ذلك كثيرة، مع محافظته على الجسور التي تصل بين فرنسا وسائر العواصم الأوربية.
● وسياسة الفرنسيين الحالية تؤيد دخول الصراع الدولي بكافة جوانبه الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، ومن ذلك شواهد «زائير والمسألة التشادية، والدور الفرنسي في الصراع حول الصحراء المغربية، وموقف الإليزيه من مسألة لبنان».
● والسياسة الفرنسية تحت قيادة الرئيس ديستان لا تمانع في دخول اللعبة الأممية المتمركزة حاليًا في الشرق الأوسط، وهذا ما كشف عنه مؤخرًا أحد الوزراء الفرنسيين مستعينًا بنقل دول السوق المشتركة حين قال: «أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة نستطيع فيها مع حلفائنا في دول السوق الأوربية المشتركة أن نلعب دورًا أكثر إثارة في الشرق الأوسط».
مما مضى يستطيع الإنسان أن يعرف مغزى المحاولات الفرنسية في العودة إلى الشرق الأوسط تحت أسماء وشعارات مختلفة، وإذا كانت العاصمة الفرنسية قد ساعدت الجهات العربية على كسر طوق السلاح المحتكر، فعرضت بيعه على معظم العواصم العربية مؤخرًا، فهل نجحت إدارة الرئيس ديستان في وضع الركيزة الفرنسية بشكلها الدولي في بعض العواصم العربية؟
إننا لا نملك جوابًا فوريًّا على هذا السؤال!
لكن الفرنسيين الذين امتصوا موارد هذه الأمة طيلة سنوات مديدة، لا ينسون رائحة نفط الخليج أبدًا، فقد نقلت مجلة لاسيمار أنشينيه الفرنسية أن أربعة آلاف جندي من الوحدات الفرنسية المتفوقة يجرون تمرينات لمهمات مختلفة، وأن هذه الوحدات ستكون على استعداد للإغارة على حقول النفط العربية في حالة توسع أزمة الطاقة.
ترى.. هل أصبحت فرنسا هي القوة الاستعمارية الثالثة في العالم؟
أبو أسعد
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل