; رواد الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث.. محب الدين الخطيب | مجلة المجتمع

العنوان رواد الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث.. محب الدين الخطيب

الكاتب د. هشام الحمامي

تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007

مشاهدات 14

نشر في العدد 1764

نشر في الصفحة 42

السبت 11-أغسطس-2007

 كان مشروعه الإصلاحي يقوم على التربية والتعليم وتأكيد الهوية الحضارية للأمة.

 أثناء الحرب العالمية الأولى قام برحله إلى الخليج العربي واليمن والهند.. داعيا إلى الإفادة من نتائج هذه الحرب لصالح العرب.

«سألني أحد الشباب ما هو الطريق الذي تشير على بأن أجعله طريقي في الحياة ...؟؟ فأجبته بأن وراءنا تراث أربعة عشر قرنا في الإسلام.. ندرسه ونحلله ونعرف خيره وشره.. وسيرة الذين عملوا فيه لأخذ المسلمين إلى طريق الإسلام والآخرين الذين عملوا لتحويل المسلمين عن أهداف الإسلام» ..

كانت تلك كلمات الشيخ الجليل محب الدين الخطيب في مقال له بعنوان: (الأساس الذي نقيم عليه نهضتنا) ...

نشأته

ولد الشيخ محب الدين أبو الفتح عبد القادر الخطيب في يونيو ١٨٨٦م بدمشق لأبوين كريمين.. وغادر الدنيا بالقاهرة في ديسمبر ١٩٦٩م. 

83 عاماً قضاها في خدمه دينه وعروبته بين مؤسس لجمعيات إصلاحية ومحرر في الصحف ومؤلف ومحقق وناشر..

توفيت أمه (آسيا الجلاد) وهو في حجرها أثناء عودتها من الحج.. كانت يرحمها الله تقية صالحة ذات حسب ومال.. واحتضنه أبوه بحنان مضاعف... وألحقه بمدرسة الترقي النموذجية، وحصل منها على الشهادة الابتدائية، ثم لم يلبث أن توفي عنه والده. فقيض الله له من رعاه من بعده على أحسن ما تكون الرعاية... الشيخ طاهر الجزائري صديق والده والذي كان يشرف على مكتبات المدارس بسورية ... ومنه عرف أهدافه وغاياته في الحياة. وكان من عظمة هذا الرجل أن قدمه إلى عدد من العلماء والشيوخ: أملاً أن يملؤوا وعاده من زاد العلم والمعرفة، فقدمه إلى الشيخ أحمد النويلاتي والشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ محمد علي مسلم ...

في عام ١٩٠٦م نال الشهادة الثانوية وسافر إلى الأستانة والتحق بكلية الحقوق وخلال هذه الفترة تواصل مع أقرانه العرب الدارسين في تركيا، وأسس معهم (جمعية النهضة العربية) وراسل أصدقاء له في دمشق لفتح فرع لها هناك إلى حين عودته في الإجازة الصيفية...

وبالفعل عاد ولكنها كانت العودة الأخيرة إذ تلقى نصيحة من أحد أصدقائه المخلصين بعدم العودة ثانية إلى تركيا ...

سفرات مهمة: ثم سافر إلى مصر، حيث كان قد سبقه إليها شيخه وأبوه الروحي الشيخ طاهر الجزائري، والتقى أعلام النهضة والإصلاح فيها، ثم ذهب إلى اليمن ليقوم بوظيفة مؤقتة في القنصلية البريطانية بالحديدة.. وكانت من السفرات المهمة في حياته إذ التقى فيها بعدد كبير من المثقفين والمفكرين.. ونشأت صداقة عميقة بينه وبين القائد العسكري للحديدة البكباشي شوقي العظم.. ثم عاد ثانية إلى دمشق ومنها إلى بيروت ثم إلى القاهرة مرة ثانية ليشارك الشيخ علي يوسف في تحرير جريدة (المؤيد).. وشارك أيضاً الشيخ رشيد رضا في مدرسة الدعوة والإرشاد والتي كان يكمل بها مشروع أستاذه ومرشده الشيخ الإمام محمد عبده...

أثناء الحرب العالمية الأولى قام برحلة إلى الخليج العربي واليمن والهند: داعياً إلى الإفادة من نتائج هذه الحرب وما ستسفر عنه من متغيرات يمكن توجيهها في صالح العروبة ليس من باب العصبية القومية ولكن كخطوة أولى للخلاص من استبداد سلاطين الدولة العثمانية.. إلا أنه اعتقل في الكويت ولبث في السجن تسعة أشهر دون إنجاز مهمته.. فعاد ثانية إلى القاهرة... ثم سافر إلى مكة ليكون بجوار الشريف حسين بعد إعلانه الثورة العربية الكبرى. فأشرف على إصدار جريدة (القبلة) .... ثم عاد إلى دمشق سنة ۱۹۱٨م. بعد أن دخلها الجيش العربي ومكث بها سنتين ليعود ثانية إلى القاهرة بعد الاحتلال الفرنسي لسورية.

عودته إلى مصر

وكانت تلك الأوبة الأخيرة له إلى مصر العروبة والتي يمكن وصفها بالمرحلة المصرية في حياته إذ عاش فيها حتى مماته يرحمه الله. إضافة إلى أنه قام فيها بأدوار مهمة في صميم الحياة المصرية... فأسس المكتبة السلفية التي أصدرت عدداً من أهم كتب التراث وعمل بالأهرام ما يقرب من خمس سنوات.. ثم أصدر مجلة (الزهراء).. إلا أن إضافته القوية في هذا المجال كانت في إصداره جريدة (الفتح) التي استمرت ما يقرب من ٢٣ عاماً، وكانت سياسية الطابع.. وتنبأ في إحدى مقالاته بها بالدور الكبير لحركة الإخوان المسلمين وما يمتلكه مؤسسها من طاقات وملكات وما ينتظره من مستقبل حافل مجيد. ودعا له ولإخوانه بالمثوبة والتوفيق، ورد عليه الأستاذ البنا برسالة قال في مبتدئها: «سيدي الأستاذ الجليل محب الدين الخطيب صاحب الفتح الأغر: أحييك وأحيي روحك الطيب الذي يشع نور الهداية على قلوب المؤمنين فيضيء لهم سبيل العمل لخدمة العروبة والإسلام والشرق المحبب ...

كما رأس تحرير مجلة (الأزهر) ست سنوات كاملة ترك فيها أثراً لا يزال يذكر له حتى يومنا هذا..

كما أسهم بنشاط في إنشاء جمعية (الشبان المسلمين).

أخذ عليه البعض مأخذين في سيرته: الأول: حسه القومي الواضح والذي ظهر بقوة في تأييده للثورة العربية الكبرى ١٩١٦م. والثاني: إفراطه في العداء للشيعة، إلى حد أن أطلقوا عليه رأس التشيع السني).. على أن عروبته لم تمنعه من أن يكون من أقوى المدافعين عن دينه، كما أن موقفه من الشيعة كان في وقت علا فيه صوت غلاتهم بموقفهم المعروف من الصحابة رضوان الله عليهم.

مشروعه الإصلاحي: كان مشروعه الإصلاحي يقوم على التربية والتعليم وتأكيد الهوية الحضارية للأمة والنهضة الاقتصادية والسياسية.

راعه أن التعليم بعيد عن التربية التي تعنى بصياغة الشخصية صياغة كاملة على أسس متينة.. وأن التعليم يغلب عليه الأسلوب النظري الذي قلما يستفيد منه صاحبه في معترك الحياة وميادين العمل التي تعود عليه وعلى أمته بالنفع، فيبقى جاهلاً بما يجب عليه تعلمه ليشارك في بناء مجتمعه والارتقاء بحضارته. والمعلم يجب ألا تكون وظيفته نقل المعلومة من كراسه إلى كراس الطالب.. فهو المسؤول الأول عن نقل الأمة من التخلف والجمود إلى الرقي والتقدم، بل يجب أن يكون قادراً على صنع رجال ذوي مطامح بعيدة المرمى شريفة الغاية يسعون إليها بأبدان قوية وعزائم ثابتة وصبر جميل، فيصارعون الجهل والشرور والرذائل ويبيدون الضعف والفقر والخمول ويقضون على التفرق واليأس والانحلال فالتربية هي التي تؤثر على كل شيء فينا.. بها تكون رجال صالحين أو طالحين كراماً أو لتاماً. نشيطين أو متقاعسين.

فقدان الهوية

كان يرى أن فقدان الهوية الخاصة التي تلزم للرقي والتقدم هي سبب تخلف العرب والمسلمين.. إذ لا يجب أبداً أن تذوب هذه الأمة العظيمة في الأمم الأخرى لأنها أمة عريقة ذات حضارة وعلم وتاريخ مجيد. فيقول: من جملة الأمراض التي أصابتنا - جراء التخلف الذي حل فينا - إهمال أهل الرأي فينا تنظيم حياتنا الاجتماعية وجعلها ملائمة لديننا من جهة ولمصلحتنا من جهة أخرى.. والمسؤول عن ذلك هم القادة الذين بيدهم القيادة «الفكرية والسياسية» .... ومن هنا يجب أن يتأكد في وعي الجميع أن «هذه الأمة آخرها متصل بأولها وأن حاضرها من ثروة ماضيها وأن أهداف مستقبلها مرسومة في سنن أسلافها».. فالخوف كل الخوف من تقصيرنا وغفلتنا عن هويتنا.

الاستقلال الحقيقي: أكد أن الاستقلال الحقيقي لأي أمة هو في استقلالها الاقتصادي، وألا تكون الأمة مقيدة بمصالح دولة أخرى فتحول بينها وبين اكتساب المعرفة الصناعية والاستثمار الزراعي والمالي والتجاري وكان من أوائل من دعوا إلى تأسيس مصرف مالي عربي فالمصارف الوطنية هي عنوان النهوض ودعامة الاستقلال السياسي، وهذا لا يعني استقدام أنظمة اقتصادية تخالف الشرع لأن الإسلام نظام اقتصادي كما هو نظام اعتقادي.. وهو يدلل بهذا الفهم على وعيه السديد والعميق الأوليات التقدم الحضاري.

جناحا الإصلاح

والسياسة هي التي تحرك الاقتصاد برأيه، وإصلاح السياسة يمهد لإصلاح كل مجالات الحياة والمبادئ الديمقراطية في نظره لها جناحان قويان:

 الأول: أن يملك الشعب السلطة والتصرف فيها بواسطة نواب منتخبين ينوبون عنه في وضع القوانين ومراقبة تنفيذها. والثاني: أن يكون النظام العام مبنياً على الحرية والعدل والمساواة.. ولا قيمه أو معنى للديمقراطية إذا لم تؤسس على أسس تربوية رشيدة.

ورغم ما كان يتلبد سماء الشرق وقتها من غيوم داكنات، فقد كان مليئاً باليقين والثقة من أن النهضة قائمة.. إن عاجلاً أو آجلاً: على أن يتحلى القادة «بروح الحكمة والرحمة المنبعثة من صميم الإسلام وأن يبذلوا كل جهد وإخلاص وحب لهذه البلاد وأهلها» ...

قال عنه الأستاذ أنور الجندي يرحمه الله: «ترك محب الدين الخطيب رصيداً فكرياً ضخماً، وأضاف إضافات بناءة، وقدم إجابات عميقة وزوايا جديدة المفاهيم الثقافة الإسلامية وقيمها الأساسية».

ويذكر الدارسون أنه - يرحمه الله - كانت بينه وبين الأمير شكيب أرسلان رسائل متبادلة تزيد على ألف رسالة. ولا غرابة في ذلك. فقد كان الاثنان من رواد الإصلاح الإسلامي المهمومين بهم أمتهم.

الرابط المختصر :