; زواج بقطعة تفاح | مجلة المجتمع

العنوان زواج بقطعة تفاح

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-يوليو-1976

مشاهدات 15

نشر في العدد 309

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 20-يوليو-1976

زواج بقطعة تفاح

يبدو على المسرح. شيخ كبير وولد له شاب. جالسين

الرجل: يا بني كيف ترى موسمنا هذا العام

الولد: أغصان التفاح قد تكسرت من الحمل. والإجاص ملقى على الأرض يصعب جمعه.

الرجل: يا بني إن النعمة تزيد بالشكر وتنقص بالكفر، فاذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من زرع ولا شجر يأكل منه إنسان أو طير أو دابة إلا كان له به صدقة.

الولد: لكن يا أبت قد تجدب الأرض -وييبس الشجر وينقطع المطر فهذا لا يعني أننا قد كفرنا بأنعم الله. والكفار بالله قد نجد عندهم من الخيرات والثمرات أضعاف ما عندنا. فكيف يكون ذلك؟

الرجل: إما أن ييبس الشجر وتجدب الأرض فذلك لشيئين. إما أن الله يمتحن عباده كما يقول في كتابه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة: 155-156).

الولد: وما هو السبب الثاني غير سبب التجربة من الله وامتحانه لعباده؟

الرجل: أما السبب الثاني فهو المعاصي والذنوب. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما وقع بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.

الولد: وإن للكافرين ذنوبا لا تحصى. فكيف تكثر عندهم النعم والخيرات؟

الرجل: يا بني. أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فنعيمهم فيها. وليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها. وباطل ما كانوا يعملون.

الولد: الحمد لله الذي جعلنا من عباده المؤمنين. للآن حتى فهمت سبب إرسالي إلى الفقراء والمساكين بالطعام والفاكهة والغذاء.

الرجل: ونحن في ذلك إنما نرجو ثواب الله ولا نمن به على أحد. لأننا ننفق من مال الله الذي جعلنا مستخلفين فيه.

الولد: لقد ذكرتني يا أبت: إننا نضع التفاح الرديء والسليم كله مع بعضه ونذهب به إلى السوق فنبيعه.

الرجل: يا بني وهل عندك وسيلة خير من هذه البيع؟

الولد: لقد رأيت يا أبت رأيا فما تقول فيه؟

الرجل: تكلم يا بني ما أحببت.

الولد: لو وضعنا التفاح الرديء وحده في صناديق. والتفاح الطيب في صناديق أخرى، أفلا يكون هذا أضمن للربح الحلال من غيره.

الرجل: نعم والله ما رأيت، وسأوصي أهلك بذلك.

الولد: سيكون هذا على يدي! إن شاء الله.

الرجل: يا أحمد خطر على بالي خاطر. فما قولك؟ فيه ضمان الربح أعظم.

الولد: وكيف يكون ذلك يا أبت؟ أخبرني

الرجل: نأتي إلى التفاح الرديء فنضعه في أسفل الصندوق حتى نكاد نبلغ أعلاه. ثم نضع فوقه طبقة من التفاح الطيب الجيد. وبذلك نحصل على أوفر الأثمان وأغلاها.

الولد: ولكن ما قولك يا أبي لو أتى الشاري فقلّب ما في الصندوق. ثم رأى التفاح الرديء. ألا يمتنع أبدًا عن الشراء منا؟

الرجل: من هذه الناحية لا تخف. فجميع الشارين يثقون بي وبأمانتي. فلن تمد يد إلى الصندوق.

الولد: أليس حراما يا أبت أن نغش الناس، فنبيعهم فاكهة رديئة باسم

أجود الفاكهة.

الرجل: ومن الذي يرانا ونحن نفعل ذلك.

الولد: إن لم يرنا أحد. فأين الله؟

الرجل: روحي فداؤك يا ولدي. لقد كنت أنتظر هذا الجواب منك. للآن حتى اطمأن قلبي أن ولدي عليا عفيف يخشى الله.

المشهد الثاني

يطرق الباب. فيقوم علي وينظر...

الولد: يا أبت أبو حسن ثري البلدة وكبيرها مع ابنه حسن يريد الدخول إليك.

الرجل: دعهما يدخلان

يدخل أبو حسن ومعه ابنه ويجلسان

أبو حسن: السلام عليكم

الرجل: وعليكم السلام. مرحبا وأهلا بأخي أبي حسن. من الفتى؟

أبو حسن: هذا ولدي وقرة عيني حسن.

الرجل: جعله الله من أبناء السعادة. مرحبا وأهلا بضيفنا حسن

حسن: بكم

أبو علي: يا علي. هات لنا قليلا من الشراب. يخفف عن أنفسنا غلة هذا الحر الشديد

علي: سمعا وطاعة

حسن: هل هذا خادم عندكم؟

أبو علي: بل هذا ابني الكبير

أبو حسن: لا تؤاخذه يا أبا علي. إنه اعتاد أن يرى الخادم عنده يأمره فيجيب أمره.

أبو علي: سلامته من العتب. كيف حال أخينا أبي حسن

أبو حسن: الخير كثير والحمد لله، لقد كان في زيارتي البارحة عامل الخليفة.

أبو علي: وكيف حال أمير المؤمنين. وحال أهله وذريته وحاشيته

أبو حسن: لقد انضممت إلى عبد الملك بن مروان وأصبحت ذا منزلة مرموقة عنده

أبو علي: أعوذ بالله: لعلك مازحًا فيما تقوله؟

حسن: يا علي يا ولد. آتني بكأس ماء أشرب

أبو علي: لعلك عطشان جدًّا يا بني

حسن: كأن الماء يباع عندكم. لو كنت الآن في بيتنا لوجدت من يضع الكأس في فمي إن شئت

أبو حسن: هذا علي أخوك يا حبيبي

حسن: أخي. أنا لا أرضاه خادمي بل عبدي

أبو علي: ما شاء الله يا أبا حسن. لم أر كخلق ابنك وأدبه وتهذيبه؟!

علي: لا تؤاخذه يا أبا حسن فهو رب البيت يأمر فنطيعه.

أبو علي: لا يؤاخذ.

ويسود صمت تام

أبو حسن: جئنا نخطب ودكم يا أبا علي والمال كثير.

أبو علي: (يمتعض ويرد ببرود) أهلا وسهلا، والمال عرض زائل مثل التراب يا أبا حسن

حسن: سنعطيكم مهرًا خمسة آلاف دينار. أجيبوا ما تقولون

علي: دع مهرك لك و…

أبو علي: اكفف يا علي، ولا رغبة عندنا بزواج ابنتنا الآن يا أبا حسن

أبو حسن: يا أبا علي. لماذا. لماذا

حسن: ألم يعجبكم المهر. أتريدون أن نزيدكم. لقد حدثني أبي عن ابنتكم أنها... جــــ

علي: ليس عندنا بنات. أفهمت؟!

أبو حسن: (يمتعض) حرصت على الزواج من أجل صحبتكم.

حسن: دعنا وصحبتك لهم. سر بنا

أبو علي: يغنيكم الله عنا والبنات في البلد كثير. ولا تنس أن عند الأمير ابنة مناسبة لكم.

يقوم أبو حسن وحسن وينصرفان في انزعاج

أبو حسن يقول وهو يمشي: وسترون أنا سنصاهر الأمير. مهما كلف الثمن. مهما كلف الثمن.

المشهد الثالث

الولد مع أبيه

الولد: يا أبت من دفع أبا حسن وابنه إلى بيتنا؟

الأب: صداقة قديمة كانت لي معه تنكر لها حين أتته النعمة ونزل به الثراء.

الولد: وهل كان هذا خلقه منذ أن تعرفت عليه.

الأب: غيره كر الأيام والسنين. وأخذ يحسب نفسه أنه مصدر النعمة، وأصابه الكبر والبطر.

الولد: والله إن هذا لغريب. وما تكبر امرؤ إلا أذله الله ولو بعد حين.

الأب: ولدي: هل أعجبك جمال حسن ووسامته وعطره.

الولد: لم يكن هذا شيئًا مقابل استيائي من أخلاقه. ويشهد الله أنه لو لم يكن في بيتنا لأهنته وأدبته.

الأب: وما قولك به زوجًا لأختك بخمسة آلاف دينار.

علي: والله لا أرضاه زوجًا بعشرة آلاف دينار بدل خمسة. أتريد أن آخذ لشقيقتي أذى وعذابًا ما دامت على قيد الحياة.

أبو علي: نعم الرأي رأيك، ومن أجل ذلك صرفته عنا ودفعته لبيت الأمير

يطرق الباب آنذاك فيخرج ثم يعود

المشهد الرابع

علي: غريب يا أبت ما أعتقد أنه من هذا البلد.

أبو علي: دعه يدخل. يدخل الرجل

ثابت: السلام عليك يا عم

أبو علي: وعليك السلام يا عم. مرحبا وأهلا بضيف الله. هلم فاجلس.

ثابت: أليس لك يا عم بستان فيه من شجر التفاح والإجاص الكثير.

أبو علي: بلى يا أخي. ما علاقة بستاننا بمقدمك علينا

ثابت: سأقص عليك قصتي كما جرت معي

علي: إني أرى ضيفنا تعبًا. فهل آتي لك ببعض الأشربة تخفف قليلا من

عنائك

أبو علي: قليلا وسنتناول الغداء معا. قص علينا قصتك

ثابت: يا عم كنت أسير بجانب نهر فراقني جماله وحلاوة منظره الذي يبدو كأنه البلور فجلست بجانبه، إذ بي أرى تفاحة قد ساقها النهر إليّ ويخرج التفاحة

أبو علي: نعم ما أرى في التفاحة شيئا غريبا.

ثابت: مسكت التفاحة وقضمت منها قضمة. فوجدتها شهية لذيذة. ما ذقت أطيب منها في حياتي قط.

علي: أتود أن آتيك بهذا النوع من التفاح. إن عندنا منه الكثير

أبو علي: سنتناول التفاح بعد الغداء إن شاء الله. أتمم علينا قصتك

ثابت: ولكني سرعان ما توقفت عن أكلها وأحسست بندم شدید

أبو علي: ما أرى داعيًا للندم في قضم قطعة تفاح ساقها النهر إليك.

ثابت: قلت في نفسي: لا بد من أن هذه التفاحة قد نزلت إلى النهر من شجرة على جانب النهر وهذه الشجرة من بستان. والبستان لا بد له من صاحب.

علي: علك تريد شراء تفاح من هذا البستان فأتيت إلينا.

أبو علي: أم تريد شراء بستاننا كله يا ابن أخي

ثابت: سأخبركم عن سبب بحثي عن البستان والشجرة وصاحبه. المهم أني تابعت مسيري على جانب النهر حتى هدني التعب إلى أن وصلت إلى الشجرة. وسألت عن صاحب البستان فأرشدوني إلى بيتكم.

أبو علي: مرحبا وأهلا. نحن عند حاجتك مهما كانت غالية.

ثابت: يا عم. الأمر كما ترى. بعد أن قضمت قطعة التفاح قلت: هل سمح صاحب هذه التفاحة لي بها. حيث اجتهدت بالبستان والشجرة إلى أن وصلت إليكم.

أبو علي: إذن يا بن أخي كل حاجتك أن نسمح لك بتناول التفاحة، أليس كذلك.

ثابت: نعم هذه هي كل غايتي يا عم

علي: البستان كله على حسابك يا أخي وليست الشجرة فقط.

ثابت: أرجو الله أن تسمحوا لي بذلك. و أكون مسرورًا جدًّا يشهد الله

يصمت أبو علي قليلا

علي: ما بالك يا أبي بم تفكر؟

ثابت: يا عم لا أريد أكثر من السماح لي بقطعة التفاح لا بالتفاحة كاملة

علي: يا أخي إن أبي يسمح لك بأن تكون شريكنا في البستان. على ما رأى

من حسن خلقك. فلا تهتم كثيرًا بالأمر.

ثابت: أرجو الله ذلك

علي: تكلم يا أبت وأقر عين الرجل. وهدئ باله.

أبو علي: سأتكلم، يا ابن أخي. ما كنت ستفعل لو لم أسمح لك؟

ثابت: كنت مستعدًّا يا عم أن أعوض بالمال ثمن ما أكلته

أبو علي: وإن لم يرض المبلغ صاحب الرزق ماذا كنت فاعلا؟

ثابت: أضاعف المبلغ ما استطعت حتى يرضى صاحب الرزق. لأن رسول الله قال كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به.

أبو علي: أو تدفع مبلغًا ضخمًا من المال. مقابل هذا الذنب العظيم من أكل قطعة التفاح.

ثابت: أشتري به نفسي وأعتقها من النار

أبو علي: وإن لم يرض صاحب الرزق بالمال. ماذا بإمكانك أن تفعل؟

ثابت: أقدم له ما يريد على أن يسامحني على ما تناولت.

أبو علي: أو ثابت على قولك أن تعطيه ما يشاء مقابل سماحه لك بأكل

قطعة التفاح.

ثابت: نعم إن شاء الله. ما أمكنني ذلك

أبو علي: إذن اطمئن. إني ما سمحت لك

علي: ماذا تقول يا أبت

أبو علي: دع الأمر إليّ يا بني. ولن يكون إلا ما يرضيك إن شاء الله

علي: ولكن يا أبت ولو تطاولت. إنك تطعم فقراء البلدة. وتضن على هذا الرجل بقطعة تفاح. ألا تراعي تعبه وجهده وضناءه

أبو علي: قلت لك اصمت يا بني ولا تتدخل بما لا يعنيك، فأنا صاحب الرزق وأنا أولى به.

ثابت: إنك إن تريد مالا أعطيناك حتى ترضى

أبو علي: هناك ما هو أغلى من المال وأعز

ثابت: وأنا على أتم الاستعداد مهما غلى وعز

أبو علي: إنه يكلفك شططا وينغص عليك عيشك. ويزعجك أبد

الدهر

ثابت: خير من أن تنغص حياتي في الآخرة. وأن ألقى الله غاضبا علي

أبو علي: إذن استعد، إن عندي فتاة. عمياء، بكماء، صماء، مقعدة. أريد أن أزوجكما فما ترى؟

ثابت: يالصعوبة الشرط يا عم. عمياء بكماء. صماء، مقعدة وكيف أعيش معها.

علي: يا أبت

أبو علي: قلت لك اصمت يا بني. فأنا أعلم بالأمر منك

علي: سمعًا وطاعة يا أبت

ثابت: أو غير هذا يا يا عم. هل من تخفيف

أبو علي: تخفيف. مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمح لك أن ترى من تود الزواج بها. لكني لن أسمح لك برؤيتها. كشرط لي على مسامحتك

ثابت: لا حول ولا قوة إلا بالله. ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من

حيث لا يحتسب

أبو علي: وعلام قر قرارك الأخير؟

ثابت: توكلت على الله وقبلت بشرطك يا عم

أبو علي: إذن هلم نعقد العقد. إلى من تنتسب يا بن أخي؟

ثابت: أنا من موالي بني تيم بن ثعلبة

أبو علي: وكيف قدمت هذه البلاد؟

ثابت: أسر المسلمون والدي في حرب فارس. فاشترته تيم واعتقته وأسلم وحسن إسلامه

يخرج الجميع من المسرح ما عدا علي.

الرابط المختصر :