; سنن منسية.. أول صلاة عيد في الخلاء بمصر في القرن العشرين | مجلة المجتمع

العنوان سنن منسية.. أول صلاة عيد في الخلاء بمصر في القرن العشرين

الكاتب عبده دسوقي

تاريخ النشر الجمعة 01-يونيو-2018

مشاهدات 11

نشر في العدد 2120

نشر في الصفحة 35

الجمعة 01-يونيو-2018

وداعاً رمضان.. مرحبا بالعيد

سنن منسية..

أول صلاة عيد في الخلاء بمصر في القرن العشرين

المادية الغربية عملت على نشر الإلحاد وصرف الناس عن دينهم وساعدهم ضعف الخلافة الإسلامية والانبهار بالغرب

بعض المخلصين وجدوا أن في صلاة العيد بالخلاء رمزاً لوحدتهم المفقودة فأشاعوها في الناس

أحد الإخوان اقترح على حسن البنا صلاة العيد بالخلاء لكنهم واجهوا عاصفة من الرفض خاصة من العلماء الرسميين

البنا أراد كسر الحاجز النفسي عند أهل الإسماعيلية فاقترح أن تعبر مسيرات العيد لتغزو الحي الإفرنجي

عبده مصطفى دسوقي

ابتليت الأمة الإسلامية منذ عصور طويلة بمحاولات جادة -خاصة مع نهضة الحضارة الغربية- لإلهائها عن شعائر دينها ومنهج قرآنها الذي يمثل مصدر قوتهم؛ من خلال التشكيك في شرائعها ومحاولة إبعادها عن بعضها حتى تكون نسياً منسياً؛ لذا ما إن انتصرت المدنية الصناعية في الغرب حتى انطلقوا لنهب ثروات الشعوب ونشر موجات الإلحاد، وصرف الناس عن حقيقة دينهم، وساعدهم على ذلك ضعف الخلافة الإسلامية، وانبهار الشعوب بما وصلت إلية المدنية الغربية من تقدم، ومساعدة كثير من المثقفين لهم على المناداة بأخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها، والانفكاك من التعاليم والشعائر التي تأتي عبر مئات القرون متمثلة في القرآن والسُّنة وتعاليم الدين.

نسي كثير من الناس بعض شعائر دينهم، وانبهروا بما أتى لهم حتى تجاهلوا بعض السنن -خاصة التي كانت توحدهم وتجمع شملهم- واستمرت الحال حتى بلغ الفروض التي فرضها الدين، ونجح المستعمر أن يجعل الأمة الإسلامية طوائف وشيعاً يتناحر بعضهم بعضاً على خلاف فقهي أو موروثات عتيقة سطرها ودسها البعض في حواشي كتبهم.

اجتاحت الجيوش الغربية البلاد الإسلامية من شرقها لغربها؛ بهدف السيطرة على مقدراتها وثرواتها، ولطمس هويتها الإسلامية وزرع الفرقة بينهم، واستخدموا القمع والقتل والدمار لتمكين سيطرتهم، وبالفعل تحققت لهم بعض النتائج، ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لتحقق لهم الغرض الكامل بضياع الدين.

حائط سد

قيض الله سبحانه لهذه الأمة ولدينه من يذود عنه بنفس راضية وقلوب واعية وعقيدة راسخة، فظهرت جماعات وأفراد يصرخون في قلوب الناس بالحمية من أجل دينهم وشعائرهم التي عمل أذناب الغرب على طمسها، ومن هذه الشعائر المجمعة للقلوب والنفوس شعيرة صلاة العيد بالخلاء، التي كانت مظهراً من مظاهر تلاحم الأمة، وتركت الفزع في قلوب المحتل فعمل على تشويهها وطمسها.

وشاء الله تعالى أن تتلاقى بعض القلوب وتنفضت عنها غبار السنين؛ فوجدت أن قوتها في وحدتها فأشاعوا في الناس بهذه الشعيرة التي واجهت عاصفة -خاصة من العلماء الرسميين- الذين ساروا على ما قرؤوا من جمود في الدين وشطط في الرأي، لكن هذه العقول الواثقة دافعت عن شعائر الله بلين القلوب، وتحبيب الناس فيها حتى تلقفتها قلوب صادقة من الشعوب ودافعت عنها حتى أصبحت بعد مرور عشرات السنين مظهراً من المظاهر التي يحرص عليها جموع المسلمين.

ومن هؤلاء الأشخاص الذي وهبوا حياتهم لإحياء هذه الشرائع وبث الروح فيها مرة أخرى بالحجة والإقناع الأستاذ حسن البنا؛ الذي بدأ دعوته في تربية المجتمع على المعاني الإسلامية التي طمسها الاحتلال وأذنابه؛ فرسَّخ الفرائض وأحيا السُّنة في نفوس الأمة، وخطب يقول: «ومن شعائر عيدنا التزاور والتواد، ونسيان الشحناء والبغضاء والحزازات، وصلة الأرحام، وتفقد الأقارب، والإكثار من الصدقة على الضعفاء والأيتام.. ذلك عيدنا الشرعي نقوم بشعائره امتثالاً لأمر الله واحتساباً».

وما كاد حسن البنا يحاول نشر فقه إحياء السنن المنسية ومنها تجميع المسلمين في الخلاء مرددين «الله أكبر الله أكبر ولله الحمد» حتى انطلقت الألسن تغمزه وتتهمه بالبدعة في أمر دينه.

وحول هذا الأمر يقول: «وبينما نحن نقرر هذه الأحكام، إذ اقترح أحد المستمعين أن نحيي هذه السُّنة ونقوم بصلاة عيد الفطر في الصحراء، وبخاصة أنه ليس بالإسماعيلية حينذاك إلا مساجد صغيرة لا تتسع لبضع أهل البلد فضلاً عن كلهم، ومن حولها صحراء قد اتسعت لجنود الاحتلال، فتحمس السامعون جميعاً لهذا الاقتراح، فلم أرَ بداً من موافقتهم عليه، ولكن بعد أن نستشير العلماء ونتفق معهم على أسلوب التنفيذ، فإن وافقوا فذاك وإلا فإن اجتماع الآراء على خلاف الأولى أفضل من افتراقها وتشتيت الكلمة على ما هو أفضل».

لكن المتربصين وأذناب المحتلين لم يكونوا ليتركوا هذا الشباب المخلص يقوم بواجبه تجاه شريعة ربه وسُنة نبيه؛ حيث يضيف الأستاذ البنا: «وحاولت أن أخطو هذه الخطوة، فإذا بي أفاجأ بحملة عنيفة من المتربصين بالدعوة واتهامات قاسية بأن هذا ابتداع بالدين وتعطيل للمساجد ومحاربة للإسلام وإفتاء بالباطل، ومن ذا الذي يقول: إن الشارع أفضل من الجامع؟! ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، وانتشر الخبر بسرعة البرق، وأصبح حديث الناس في المقاهي والمساجد والمجتمعات العامة والخاصة، وكانت حملة يا لها من حملة!».

ويقول البنا: «وتصادف أنني كنت حينذاك معتكفاً العشر الأواخر من رمضان بالمسجد العباسي، فكان الناس يتقاطرون عليَّ عقب كل صلاة ويسألونني عن هذه البدعة الجديدة، وأنا أستغرب هذه الحملة التي لا أساس لها، وأقرر حكم الدين بكل بساطة وبراءة، وأطلع الناس على النصوص الفقهية في هذا المعنى، وأتجنب الجدل والمراء، وأوصي بجمع الكلمة والبعد عن الخصومة، ولكن الأمر كان قد خرج من يدي ويد العلماء، وتحمس الجمهور للحق والسُّنة، وأعلنوا أن الصلاة ستكون ظاهر البلد، وأعدوا المصلى لذلك فعلاً، وكنت لا بد أن أحضر إلى القاهرة لأقضي العيد مع الأهل فيها، فحضرت ليلة العيد ورتب الناس أنفسهم وصلى بهم الشيخ محمد مدين، إمام مسجد العرايشية، وكان سرور الناس وانشراحهم بهذا المظهر الإسلامي عظيماً، وحلت في نفوسهم بركة السُّنة النبوية المطهرة، وعدت من إجازة العيد ورأيت آثار هذا الارتياح بادية على كل وجه، وخمدت العاصفة المغرضة وتقررت السُّنة المباركة، واستمرت صلاة العيدين إلى الآن ظاهر البلد في مهرجان جميل».

تكبيرات العيد

وفي العيد التالي، اقترح الأستاذ البنا على مجلسه الذي كان يعقده في بيت الحاج حسين الزملوط أن يخرج الناس إلى الشوارع ليكبّروا جميعاً تكبيرة العيد، فوافق الناس وخرجوا ليطوفوا بحي العرب بالإسماعيلية في مظاهرة حافلة يشق تكبيرها عنان السماء، لكن تلك المسيرة لم يكن لها أن تسير أو تقترب من الحي الإفرنجي الذي يسكنه الأجانب، ولكن البنا أراد أن يكسر الحاجز النفسي عند أهل الإسماعيلية، فاقترح أن تعبر المسيرة شارع الثلاثيني لتجوب شارعاً أو شارعين من الحي الإفرنجي.

ثم بعد ذلك، وفي العام التالي، راحت مسيرات العيد تمتد من شارع إلى شارع داخل الحي الإفرنجي؛ مما أزعج الإنجليز، فما كان منهم إلا أن طلبوا نقل الأستاذ حسن البنا من الإسماعيلية، واعترض الناس على هذا الأمر، وظلوا كذلك حتى وافقت وزارة المعارف على إلغاء النقل، وظلت صلاة العيد تقام في الخلاء كل عام، وحرص عليها أهل الإسماعيلية وتناقلتها المدن والقرى القريبة منها، وانتشرت الشعيرة حتى تجاوزت حدود الإسماعيلية في وقت قصير وحرص الناس عليها كل عيد.

قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {32}) (الحج)، فعلى الأمة أن تحرص على شعائر دينها وتعظيمها، في ظل الحملات المسعورة لطمس هوية الأمة، بمحاولة حصر أمور الدين في زوايا ضيقة من المساجد، وفي بعض المسائل المختلف عليها وفيها، التي تفرق أكثر مما تجمع وتشتت أكثر مما تؤلف.>

المراجع

1- مذكرات عثمان أحمد عثمان: صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981م، ص 358.

2- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ص 122.

3- عبده دسوقي، السعيد العبادي: الإخوان المسلمون في محافظات مصر: النشأة - والتأسيس، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 2013م، محافظة الإسماعيلية.

الرابط المختصر :