العنوان سيرة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- (الحلقة الثانية والأخيرة)
الكاتب محمد عبد الرحمن
تاريخ النشر الثلاثاء 16-مارس-1971
مشاهدات 17
نشر في العدد 51
نشر في الصفحة 14
الثلاثاء 16-مارس-1971
في سطور يكتبها الأستاذ محمد عبدالرحمن
مقدمات الهجرة
وكانت الهجرة من بلدها أحب البلاد إلى نفوس المسلمين، ولكن بإذن الله هاجروا، ولأمر الله نفذوا.
ليكونوا في قاعدة الانطلاق لجهاد الكفار وقتال المعتدين، ونشر كلمة الله -عز وجل- وبالمدينة كان الإخاء المبارك بين المهاجرين والأنصار، وكان الحب والإيثار اللذان أصبحا مضرب الأمثال، وكان المسجد المبسط في بنائه، مصدرًا للتوجيه والإعداد؛ إذ لا قيمة لمدينة تنكر نعمة الله، وتجحد اليوم الآخر، وتخلط الحق بالباطل.
وكان دفاعًا مدنيًّا وتضامنًا على البر والتقوى والنصح والخير، وتعاونًا ضد مشركي مكة؛ كل ذلك بين سكان المدينة، فرعى المسلمون هذا العهد حق رعاية، ونكث اليهود وغدروا...
وكان الجهاد
وما إن أذن مؤذن القتال حتى لبت كتائب الرحمن في بدر وأحد وفي خبير والأحزاب، في مؤتة وتبوك في أطراف الجزيرة، وقبلها، من قبل الفتح ومن بعده ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 41)
ثمان وعشرون غزوة غزاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها ما كان حاسمًا ومنها ما كفى الله فيها المؤمنين.
غاية
جهاد؛ وأي جهاد في سبيل دين الله وإعلاء كلمته ورفع رايته وهداية الناس إلى الصراط الأقوم، والفرقان، والهدى.
ظهرت فيه عزائم المؤمنين، واستماتة الصالحين، وجلد الصابرين، ووفاء المتقين.
﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: 23)
علموا الحق فعملوا من أجله، أسهروا ليلهم، وجاهدوا نهارهم، وزكوا أنفسهم فكانوا نور الدنيا، ورحمة الله للعالمين.
كان يستكثر أحدهم على نفسه حياة يأكل فيها ثمرات، ويلقي بنفسه في الميدان راغبًا في ثواب الله قائلًا:
ركضنا إلى الله بغير زاد
إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
لما علموا مكانة الشهداء وأنهم عند ربهم يرزقون، وشاهدوا بأعينهم قوة الله تؤيدهم وتنصرهم ازداد يقينهم، وصفت قلوبهم، وعملوا جند الله -عز وجل- فالموت أحب إليهم من الحياة، لأن الموت في سبيل الله نعم الحياة.
فانتشر الإسلام على أيديهم وجاءهم المال من كل مكان، فأغناهم الله من فقر، وأشبعهم من جوع، ومكن لهم في الأرض.
زهد
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا المقبلة؛ نعم الزاهد الراغب عنها حتى مات ودرعه مرهونة، وما شبع من طعام الشعير قط.
فعن أنس بن مالك قال: «ما أعلم النبي رأى رغيفًا مرققًا حتى لحق بالله ولا رأى شاة سمطًا بعينه قط»
«البخاري»
وعن عائشة قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله نارًا.
وفراشه آدم حشوه ليف يثوي فيه قليلًا فما إن يستدفئ به حتى يسمع الصارخ «الديك» فينهض متأهبًا لصلاة الفجر.
«إن أشهى الطعام في فم الرجل الشبعان لا مذاق له، وقد كان هذا النبي شبعان القلب، فما يخف إليه من زينة الدنيا لا يحرك منه شعرة، فلا عجب إذا وزع ما يصله على المحتاجين والمترقبين أما هو فغناه في قلبه»
«فقه السيرة»
«بأمر الله يسير»
لقد كان يسير بأمر الله، وقد أراد الله –تعالى- أن يكرم بعض النساء ليكن في بيت النبوة يسمعن منه الوحي غضًّا، فيحفظنه عن كثب، ويصبحن مراجع حية لمن يأتي بعد؛ فلم يكن المعنى الجنسي يملك عليه حسه، وإلا لما تفرغ لعظائم الأمور، ولما قام في عشر سنين يصارع الموت الذي سوف يعزله تمامًا عما يشتهيه.
ولو كان ما يلوكه أعداء الإسلام صحيحًا لأكثر من النساء وهو شاب قوي مكتمل ولما تزوج غير الشابات الجميلات ولما رضي بالثيب.
ولو كان هذا الذي يزعمه المبطلون واقعًا ما قنع الرسول بالقليل من الطعام ولما ربط على بطنه الحجر من شدة الجوع، والمال كان تحت يديه، ولما بخل على زوجاته بالذهب والحرير حينما طلبن منه هذا وذاك، ولما قاطعهن شهرًا كاملًا!!
وسجل ذلك في القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الأحزاب:59)
وداع
واستقبل عليه الصلاة والسلام كثيرًا من الوفود، كما بعث رجاله الكبار إلى الجنوب ليزيد رقعة الإسلام، فأرسل خالد بن الوليد، ثم معاذ بن جبل، وأبا موسى الأشعري، ثم علي بن طالب رضي الله عنهم أجمعين وفي وداعه لمعاذ. قال له:
يا معاذ؛ إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا! ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري! فبكى معاذ خشعًا لفراق النبي، ثم التفت النبي بوجهه نحو المدينة فقال: إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا؟؟
صلى الله عليك وسلم يا رسول الله وطبت حيًا وميتًا، وجزاك الله عن المؤمنين خيرًا وإننا لفي شوق للقائك فأنت فرطنا على الحوض كما عشت مشتاقًا لرؤيتنا.
وقد رأينا مبلغ شوق المسلمين إليك وهم يزورون مسجدك الطاهر، ويتزاحمون على الروضة ليصلوا بها ولو أنهم أرادوا خيرًا وأظهروا حبًّا لطبقوا شرعة الله على أنفسهم التي جاهدت من أجلها ثلاثة وعشرين عامًا، وهاجرت في سبيلها، وأوذيت وحوربت وقوتلت بسببها ألا فليتذكر أولو الألباب.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
دراسة عن: الوجود الصهيوني بإرتريا.. مع تحريك القضية الإرترية سلبًا وإيجابًا (الحلقة الثانية)
نشر في العدد 222
15
الثلاثاء 15-أكتوبر-1974