; سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في سطور | مجلة المجتمع

العنوان سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في سطور

الكاتب محمد عبد الرحمن

تاريخ النشر الثلاثاء 09-مارس-1971

مشاهدات 51

نشر في العدد 50

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 09-مارس-1971

(استجاب الأستاذ محمد عبد الرحمن لرجاء المجتمع بتقديم سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام بمناسبة عيد الهجرة في سطور.
ولسوف ننشر الحلقة الثانية في العدد القادم إن شاء الله).

 

لما رأوه هتفوا: هذا الأمين ارتضيناه حكمًا...

أجل فمعالم الأمانة وإرهاصاتها ومقدماتها تبدو في هذا الموقف الخطير، فهو حلّال مشكلاتهم، وهو المرضى عنه حَكمًا.

   

 لقطات سريعة، كخطفات البرق. وقطرات الغيث، لمن يريد أن يضع يده على المعالم النيرة، ويمسك مفتاح الذخائر الثمينة، وإنها لذكرى للمؤمنين، وما يكون لي أن أوجز البحر الزاخر في قطرات، أو أجمع النور الساطع في خطفات، لذلك أعلن أن الأمر ليس من باب الإيجاز المحيط، إنما هو إشارات وزيادات ولمحات عن إمام الأمة المسلمة،  وسيد ولد آدم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
 ولد عليه الصلاة والسلام بمكة ولادة معتادة، لم يقع فيها ما يستدعي العجب أو يستلفت النظر.. وذلك عام هجوم الأحباش على مكة سنة ٥٧٠ م. في الثاني عشر الأول سنة من ربيع الأول53 ق. هـ.
وما روي من أحداث كسقوط إیوان کسرى وخمود نيران فارس وغيرهما حينئذ فهي روايات واهية تعبر عن معنى صحيح، ذلك أن مولد المصطفى كان إيذانًا بمولد التوحيد بعد الشرك، ولبسط العدل بعد الجور كان إعلانًا لقدم الجبروت المتسلط، وفتحًا لعهد جديد، وقيادة أمة مؤمنة مختارة لحمل رسالة الهدى والنور.
وما إن رأى نور الدنيا حتى تلقفته يد الإله، تصنعه كما تشاء، وتربيه كما تريد، فوهب له جدًا حانيًا، ثم عمًا حاميًا، ثم زوجًا مواسية.

-         توفي والده عبد الله قبل مولده، وتوفيت والدته «آمنة» وهو ابن خمس سنين، وتوفي جده عبد المطلب وهو يناهز الثمانية.

-         أرضعته: «ثويبة» مولاة أبي لهب ثم «حليمة» السعدية، وكانت سنوات حليمة عجافًا من قبله فامتن الله عليها بالخير الكثير، فنشأ محمد بالبادية الفسيحة حيث الهواء الطلق والهدوء الشامل، والميدان الفسيح للحركة الحرة والنظر البعيد، وذلك أدنى إلى تزكية الفطرة، وإنماء الأعضاء، وإطلاق الأفكار والعواطف.

-         حواضنه: أمه آمنة، وثويبة، وحليمة، والشيماء ابنة حليمة، وأم أيمن.

-         نشاطه في الحياة: رافق عمه أبا طالب إلى الشام الذي قصدها للتجارة والربح، وهو سفر غير قاصد، فكان تجربة لجهاد العيش والكفاح من أجل الرزق الحلال. وكان عمره إذ ذاك نحو الثلاث عشرة وقد صح في الأحاديث أنه كان يرعى الغنم «أترى ذلك تعويدًا للرسل على سياسة العامة والرفق بالضعفاء والسهر على حياتهم»؟، ولقد كان عليه السلام قبل رعي الغنم وبعده وقبل احتراف التجارة وبعدها يعيش بقلب يقظان، وحس مرهف وفكر ناضج، وعقل راجح، وسلوك مستقيم. طالع صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات، فصدف عن مفاسدهم، وأعرض عن جاهليتهم وكره ما كانوا فيه من غي وضلال، ثم عاشر العامة على بصيرة فما رآه حسنًا شاركهم فيه وتعاون معهم على البر والخير، كحلف الفضول وحرب الفجار وفي ريعان شبابه، وفورة قوته لم تؤثر عنه شهرة عارضة، أو نزوة خادشة، أو تطلع إلى مغامرة لنيل جاه، أو اصطياد ثروة، لقد كانت قوة عفافه أربى من نوازع الهوى.

-          أول زوجة: تزوج خديجة وعمره خمس وعشرون ولها أربعون سنة آثرته على أشراف قريش لما رأته طرازًا فريدًا من الرجال العظماء، فهو الذي لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به شرفًا ونبلًا، وفضلًا وعقلًا وهو الفحل الذي لا يقرع أنفه، وهو الصادق الأمين.

-         تحكيم: تنافس القبائل على وضع الحجر الأسود مكانه من الكعبة حين أعادوا بناءها- وكاد التنافس يتحول إلى صراع دام، لولا أن أبا أمية بن المغيرة اقترح عليهم أن يحكموا فيما بينهم أول داخل من باب الصفا، وشاء الله أن يكون ذلك محمدًا فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين ارتضيناه حكمًا.

أجل فمعالم الإمامة وإرهاصاتها ومقدماتها تبدو في هذا الموقف الخطير، فهو حلّال مشكلاتهم، وهو المرضى عنه حَكمًا.

-         تعبّد: وفي غار حراء، من فوق جبل مرتفع، شاق الصعود والهبوط، يتزود محمد.. لليال طوال، حيث ينقطع في شهر رمضان عن غوغاء البشر، ولغوهم وباطلهم، ويأنس للكون النابض بالحياة، ويصعد نظره لما فوقه فيتأمل نور الرب الكريم، ونظامه البديع، وخلقه وتدبيره فيطمئن فؤاده، ويتملى شعوره وإحساسه، ويبسط نظره في هذه الهضاب وتلك الشعاب، وما يجري فيها من بعض العبث، وبعض التقديس للأوثان، ووأد البنات، فيأسى قلبه، ويود أن يحولهم عن غيهم.

-         وحي: وبلغ الأربعين من كمال العقل، فسطع عليه نور الوحي الكريم وجاء الملك فقال اقرأ.. وضمه ثلاثًا كل منها يتخلل قوله اقرأ.. اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق... حقائق منسجمة مع حقيقة الوحي، فالوحي إبداع كما أن الخلق إبداع والوحي مأمور من رب العالمين كما أن الخلق بتكوين الله سبحانه وأول الوحي قراءة إذ هي بدء العلم والمعرفة كما أن أصل خلق الإنسان علقة...

-         جهاد: إذا بدا للحق نور فللباطل ظلمات بعضها فوق بعض، وإذا تمثل الحق ماء، فللباطل صخور، فلا بد للنور من جيش كثيف من الأشعة حتى يبدد هذه الظلمات المتراكمة، ولا بد لنبع الماء أن يتحول إلى سيل جارف يدفع هذه الصخور، فيحولها إلى زبد يذهب جفاء، وبين هذا الشعاع وذلك الجيش من الكتل النورانية جهاد عنيف، وصراع ممض، وكفاح مر وكذلك سارت الدعوة القرآنية، من بصيص نوراني إلى جيش لجب، إلى زحف مقدس يصرع الكفر الكالح، والجحود الماكر، والشرك المفسد، والوثنية الضالة.

-         سابقون: سبق لاعتناق الدعوة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وخديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن حارثه، وورقة بن نوفل.

-         المعذبون في سبيل الله: تصدى لعذاب الكفار عمار بن ياسر وأمه سمية وأبوه ياسر وبلال بن رباح وعامر بن فهيرة وأم ودنبر عبيس والنهدية وخباب والمستضعفون.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾  (سورة البروج: 10)

-         مساومات: ساوم الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الملك- والمال- والسيادة... فماذا كان جواب صاحب الرسالة الخالدة؟

الجواب المسكت هو عرض آيات من القرآن الكريم، لبيان طبيعة الرسالة، وأهدافها وجزاء المكذبين لها:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ﴾ (سورة فصلت: 6)، ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ (سورة فصلت: 13).

 فالرسول ليس هدفه أن يكون ملكًا مسلطًا على رقاب الناس وإن كانت السيادة صنو الرسالة وليس الرسول طالب مال، وإن كان تنظيم الإنفاق من الرسالة، وليس النبي يجري وراء الدنيا والمتاع وإن كان نظام الدنيا خاضعًا للرسالة.

-         إصرار: وتحت ضغط الكفار على عمه أبي طالب، ليخلي بين المصطفى وبينهم حدَّث ابن أخيه في ذلك فقال الرسول الصامد: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه»...

-         هجرتان إلى الحبشة: في رجب سنة ٥ من المبعث لما اشتد البلاء أذن الله سبحانه وتعالى لهم بالهجرة الأولى إلى أرض الحبشة، وكان عددهم اثني عشر رجلًا وأربع نسوة، ثم قرروا العودة إلى مكة حينما أشيع أن الأذى قد انتهى، وأن التعذيب قد انقضى ثم هالهم أن العذاب أشد والعنت أقوى... فأشار الرسول بالهجرة مرة ثانية، وكان عددهم هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلًا وتسع عشرة امرأة، خرجوا مستخفين مسرعين حتى لا تلحقهم اليد السوداء الملطخة بالدم.

-         - مقاطعة ونفي: وتزداد الفتنة، ويشتد الكرب برسول الله والمؤمنين معه، لقد أعلنت قريش حربًا اقتصادية ونفيًا في شعب بني هاشم لكل المؤمنين ومن يتعصب لهم من الأقارب، مقاطعة ظالمة، ولكن الصبر سلاح من لا سلاح له، والصمود مع الحق الأعزل دليل صدق المستمسكين به، وإعزازهم له، وانتصارهم في النهاية ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ ثلاث سنوات عجاف حتى أذن الله بالإفراج عن جنده فأكلت الأرضة الصحيفة الظالمة ماعدا كلمة باسمك اللهم، وانقسم المشركون على أنفسهم. وفي النهاية ذهب فريق لتمزيق الصحيفة... وإطلاق المعذبين... ثم توفيت زوج النبي خديجة ثم توفي عمه ونصيره.

-          بعد وفاة النصير: زاد الاستهزاء وكثرت الجرأة على مقام النبي الكريم، مع الحزن الذي ألم به... فقد استمرأت مكة الكفر حتى أوغلت فيه، وأصبح دق آذانها بكلمات الله أصعب من دق الحديد، فعرض رسول الله دعوته على أهل الطائف ريثما يجد قلوبًا منفتحة، وآذانًا واعية فساءه أهلها حتى تضرع إلى الله بالدعاء وقد طمأن الله خاطره فقدم له هديتين وعداس يسلم بين يديه، وابنا ربيعة يقدمان له بعض العنب.
 ثم تكون الرحلة السماوية: رحلة الإسراء والمعراج، تسلية للقلب الحزين، وبشرى بالانتصار على الباطل وبيانًا لمنزلة المصطفى السامية، وتوحيدًا لمنهج الأنبياء وشرعتهم، وإيذانًا بنقل النبوة من بيت إلى بيت وإطلاع النبي على آيات الله الكبرى، ثم ليحمل هدية السماء لمعراج النفوس و«الصلاة» هذا ما نستنبطه من ذلك الحدث التاريخي العجيب وما لا نعرف أعظم وأكثر.

     وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة أو بسنة وشهرين.

الرابط المختصر :