; شماتة الصحافة الغربية.. بأوضاع العالم العربي | مجلة المجتمع

العنوان شماتة الصحافة الغربية.. بأوضاع العالم العربي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1971

مشاهدات 93

نشر في العدد 71

نشر في الصفحة 3

الثلاثاء 03-أغسطس-1971

شماتة الصحافة الغربية.. بأوضاع العالم العربي

الخطأ المزدوج.. تجارب فاشلة.. وتشويه للإسلام

﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِه 

(الأنعام: 153)

الذي جرى- ولا يزال يجري- في العالم العربي- من مشرقه إلى مغربه- هذه الأيام شيء غير عادي، ولا ينبغي أن يقابل بالتثاؤب، وعدم الاكتراث. 

إن العالم العربي يهتز بالأحداث المتوالية، ويموج بقلاقل وفتن يأخذ بعضها برقاب بعض، فهل هو على أعتاب مرحلة للتحول من حال إلى حال؟

 هل هو يأكل الثمرات المرة لتجارب فاشلة؟

هل يعاني سكرات الموت بعد أن عاش فترة بالتنفس الصناعي؟

وهل ذلك من «لوازم» الطبيعة العربية، والمجتمع العربي المسلم ومن ثم لا مفر من أن يمر بهذه المرحلة كتعبير حتمي عن طبيعة تركيبه ومقوماته، أم أن الذي يجري هو ميراث فترات الانحطاط يدعمه الغزو الفكري والاجتماعي والسياسي من الخارج؟

 في شماتة بادية تعير صحافة الغرب العرب وتقول: إن ما يجري في العالم العربي إنما هو تصرفات تعبر- حقيقة- عن طبيعة العالم العربي وعن نفسيته ومزاجه تعبر عن «نقص» حقيقي في مقومات التقدم والرقي لديه.

 والصحافة الغربية تهدف من وراء هذا الاتهام إلى رمي «الإسلام» ذاته بتهمة التخلف وعدم القدرة على منح أصحابه مقومات التقدم السليم والنضج العقلي والعاطفي، ولكنها لا تتهم الإسلام بذلك صراحة لسببين، الأول: أن الاتهام المباشر يثير ردود فعل ليست في صالح الصحافة الغربية، والسبب الثاني: أن الاتهام المباشر يتطلب من تلك الصحافة إقامة الدليل على أن «استمساك» العرب بإسلامهم وتطبيقه في واقع حياتهم كان وراء تخلفهم، ووراء الفتن الدائرة، وهي لا تستطيع ذلك لأن هذا الدليل ليس موجودًا، بل العكس هو الموجود، أي أن «تفلت» العرب من إسلامهم هو سبب ما هم فيه من تمزيق، واضطراب! وليست صحافة الغـرب وحدها هي التي ترفع هذا الاتهام، وتطلق أقلامها بالشماتة والتعيير.

 لقد كتب أحد الصحفيين العرب- هو ميشال أبو جودة- في جريدة «النهار» اللبنانية كلامًا يسير في خط الصحافة الغربية، ويلمح إلى اتهام «العرب المسلمين» بالتخلف الحضاري ويعيرهم بما هو فيه، وذلك عن طريق إفراد بلد واحد في العالم العربي بأوصاف التقدم، والفهم، والرقي!

ونحن إذ نذكر بأن الفتن والقلاقل والحروب الأهلية التي طحنت أوربا والعالم المسيحي كله والتعصب الذي مزق الناس هناك- وليس آخره ما يحدث بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا- وحين نذكر بأن انحطاط الغرب قد أفرز الشيوعية

الهدامة، ودفع موجات الاستعباد والنهب- ممثلة في الاستعمار- إلى استغلال

الناس، وسرقة أقوات الشعوب الأخرى لإشباع الأوربيين، وحين نذكر بأن الحروب العالمية الحديثة- الحرب الأولى والثانية- كانت من صنع عقلية ونفسية الأوربيين النصارى.

 حين نذكر بكل ذلك- وغيره كثير- نعترف في الوقت نفسه بأخطائنا، وليس من المنطق ولا من الوعي المستنير أن ننكر أخطاءنا، وأن نبررها بأخطاء الآخرين. 

إن في العالم العربي أخطاء، بل انحرافات، وفيه قلاقل وفيه إضرابات وفتن، هذا صحيح ولا نغالط فيه أبدًا، بيد أن هذه الانحرافات ليست «حتمية» في المجتمع العربي الإسلامي، يعبر عنها- بالضرورة- في شكل فتن واضطرابات.

أولًا: إن العرب ناس من الناس، ولم يولدوا ومعهم مقادير أكبر من الأخطاء والانحرافات. 

ثانيًا: إن مقوماتهم الحضارية تلزمهم بالنضـج العقلي والعاطفي، وتلزمهم بالمسئولية وهم يناقشون قضاياهم ويعالجونها، والتاريخ يؤكد هذا؛ يؤكد أن العرب- قبل الإسلام- أكلتهم الحروب- على أي مستوى كانت- ومزقتهم الخلافات العصبية والقبلية فلما جاء الإسلام بدّل خوفهم أمنًا، واضطرابهم استقرارًا وفتنهم وداعة وسلامًا، والخط البياني في تاريخهم الإسلامي يثبت أنه بقدر التزام العرب بالإسلام تكون نسبة استقرارهم، صعودًا وهبوطًا، والالتزام بالإسلام الذي يوفر الاستقرار، والتفلت منه الذي يسبب الفتن والاضطرابات. 

هذا وذاك تفسير واقعي لقول الله سبحانه في قرآنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 102-103)

إن تفلت العرب من الإسلام حملهم تبعات خطأ خطير مزدوج. 

· فالتفلت من الإسلام جعلهم يستوردون عقائدهم، وأفكارهم وحلولهم للمشكلات

والقضايا من الخارج، ودون وعي ولا حاجة!

ولقد مضوا في هذا الطريق دھرًا، وقطعوا فيه أشواطًا طويلة فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة بؤسًا لف الفرد والأسرة في متاعبه وكآبته، وذلا محق الكرامة، وقتل الحريات، وشعارات مخبولة رجيمة مزقت العرب وشحنتهم بأحقاد الفرقة، والشر، والتربص وأطمعت فيهـم استعمارًا جديدًا يسرق عقائدهم- إلى جانب سرقة أموالهم- ويردهم بقسوة إلى عهود الاستعباد والاحتلال.

· والتفلت من الإسلام جعل العرب يتحملون تبعة التهمة الموجهة إلى دينهم، 

وأنه هو السبب في تخلفهم! أي أن تفلتهم من الإسلام أضر بهم كشعب يحيا في هذه الأرض، وأضر بإسلامهم كدين، أي أنهم شوهوا جمال أنفسهم ببعدهم عن

الإسلام، وشوهوا الإسلام إذ قدموه للآخرين في صورة فتن وقلاقل واضطرابات.

ولا سبيل إلى حياة آمنة مطمئنة، ولا سبيل إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام إلا بالالتزام بهذا الدين، فمن يقدم على هذه الخطوة يا رجال؟

 لقد شهدنا جرأة في تطبيق مبادئ غريبة عنا، فاشلة في ذاتها فلماذا لا نشهد جرأة مماثلة- على الأقل- في تطبيق الإسلام، خاصة أن الظروف كلها مهيأة لهذه الخطوة، وأن الأمة مستعدة للوقوف بصلابة وراء الشجاع الذي يمضي بها في هذا الطريق.

نعم هي مستعدة بحكم فطرتها ونزوعها الديني، ومستعدة لأنها سئمت- بعد تجارب مريرة- كل الشعارات المرفوعة، والاتجاهات القائمة.

الرابط المختصر :