; شيخ الأزهر يهيبُ بالمسلمين العمل على دعم مَكانة الأزهر | مجلة المجتمع

العنوان شيخ الأزهر يهيبُ بالمسلمين العمل على دعم مَكانة الأزهر

الكاتب فضيلة الإمام عبد الحليم محمود

تاريخ النشر الثلاثاء 17-سبتمبر-1974

مشاهدات 12

نشر في العدد 218

نشر في الصفحة 19

الثلاثاء 17-سبتمبر-1974

أموال أوقاف الأزهر، سُلبت.. يجب ردها إليه. حتى يتمكن الأزهر من الصدع بكلمة الحق.. ينبغي أن يستقل ماليًا استمد الأزهر مكانته ووزنه من الرسالة التي يحملها، ويدرسها.. وهي الإسلام واللغة العربية. بل إن مصر ذاتها.. لم يكن امتدادها الثقافي في العالم الإسلامي.. إلا عبر جسور وهو امتداد منح مصر- كقطر وشعب- مكانة ملحوظة في دنيا الإسلام. والأزهر وجد الفرصة ليقول كلمة الحق.. حين كان متحررًا من الحاجة إلى الدولة والحكومة والأزهر استطاع أن يقاوم الاستعمار والغزو حين كان مستقلًا في تفكيره وسياسته ومواقفه. هذا الوضع.. لم يعجب الذين يريدون إخضاع كافة مؤسسات الأمة.. لأهوائهم وأغراضهم السياسية قديمًا وحديثًا. ومن ثم أقدموا على الاستيلاء على أموال أوقاف الأزهر كما أقدموا على وضع سياسة توجيهه بمعزل عن علمائه وأبنائه المخلصين. ولكن ما هو الهدف من ذلك؟ أولا: لكي يربط السياسيون لقمة الخبز.. بالولاء السياسي لهم. يربطون مرتبات العلماء والأئمة.. برهبة السلطة ورغبتها، ومن هنا يكون التحكم في أفواه الدعاة وألسنتهم!! ثانيا: لكي يسقط السياسيون أي مركز توجيه قوي في الأمة تكون له صلة مباشرة ومؤثرة في الشعب. ولقد أطلق شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود صيحة تطالب برد الاعتبار للأزهر، وتطالب برد أوقافه إليه.. حتى يستأنف رسالته في تعليم الحق، والجهر به دون رغبة أو رهبة. فقد نشرت مجلة «الاعتصام» المصرية كلمة لشيخ الأزهر تدور حول هذه المعاني وتركز عليها. و«المجتمع» إذ تنشر هذه الكلمة تضم صوتها إلى صوت المنادين بتعزيز مكانة الأزهر، وتمكينه من القيام برسالته كما ينبغي، ورد الأموال الموقوفة عليه، إليه. وفيما يلي كلمة شيخ الأزهر: كان شيخ الأزهر في الماضي خليفة الرسول في أرض الكنانة، حينما كان مشايخ الأزهر يقولون، فتصغى لهم الدنيا وتسمع، مشايخ الأزهر الذين كان الحكام يلجأون إليهم في الملمات. يقول فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود: كيف كانت مكانة الأزهر في عهد الإمام الدردير- شيخ مشايخ المالكية- وكيف كان وضع شيخ الأزهر؟ لقد كان منصب شيخ الأزهر-إذ ذاك- له جلاله، وله وقاره، لقد كان يمثل في مصر «الخلافة» وقد كان شيخ الأزهر يعرف للمنصب حقه، وكان يشعر بأنه أب لجميع المسلمون وهو باعتباره أبًا يحتل مكان الأبوة في شعور واضح به. إنه مسئول عن سلوك أبنائه، عن سلوكهم أفرادًا، وعن سلوكهم شعبًا، وعن سلوكهم حكامًا. وكان الشعب يلجأ إلى أبيه إذا نزلت به نازلة وكان الحكام يلجأون إلى شيخ الأزهر في أمورهم الخطيرة. وكان شيخ الأزهر قويًا في تواضعه، عزيزًا في حكمته. في ذلك الزمن كانت الخلافة في تركيا، وكانت تركيا معقد آمال المسلمين؛ بسبب الخلافة، وكانت أعين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تمتد إلى تركيا راجية، ومستنصرة أو ناصرة. إن الخلافة في تركيا جعلت المسلمين يتطلعون إليها كرمز لرسولهم، وقائم على دينهم وساهر على مصالحهم، وكان الكثير من هؤلاء الخلفاء يشعرون بالمسئولية الملقاة على عاتقهم، ويعملون ما استطاعوا لخدمة المسلمين، ونشر رسالة الله. وكان جيش الخلفاء معدًا- بقدر الاستطاعة-؛ لإغاثة المظلومين من المسلمين أينما كانوا. لقد كان للخلفاء مكانة عظيمة، وكان لهم هيبة في الشرق والغرب، وكانوا يقولون فتصغي الدنيا لقولهم. وكان شيخ الأزهر في مصر يحمل نفس الإجلال والتقوى.. إنه خليفة رسول الله في هذه البقاع، وكانت تتمثل فيه صفات يقوم الاختيار على أساسها، كان يتمثل فيه: ۱- العلم المكتسب الذي يحصله الإنسان بذكائه من الكتب الخاصة بالعلوم الإسلامية، كتب التفسير، والحديث، والفقه، وأصول الفقه والتوحيد وعلوم العربية.. وكان يمتاز على الأقل في علم أو علمين من هذه العلوم مع إتقانه لبقيتها، وما كان ذلك إلا لأنه كان يواصل الليل بالنهار في التحصيل. لقد كان العلماء إذ ذاك يستيقظون قبل الفجر ويتعبدون ويتهجدون، ويبدأون الدراسة بعد صلاة الفجر مباشرة، يبدأونها على طهر وروحانية وكان شيخ الأزهر طالبًا وأستاذًا على هذا الغرار: إنه كان عالمًا. ٢- وكان على ثقة في الله- سبحانه-، ومن أجل ذلك لم يكن يخشى أحدًا إلا الله إنه كان من هؤلاء الذين يخشون الله ولا يخشون أحدًا غيره وكانت ثقته في الله هذه تذلل له الأمور، وتملأ قلوب الآخرين هيبة. والثقة في الله ينبثق عنها أمور كلها سامية، ينبثق عنها: طاعته سبحانه، وكان شيخ الأزهر دائمًا من العباد، وكان ينبثق عن العبادة، الإخلاص في السر والعلن، والإخلاص من المبادئ الأولى الواجبة في الإسلام. وكان ينبثق عنها التوكل عليه- سبحانه-؛ لأنه إذا وثق به فإنه يتوكل عليه ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ﴾ وكان ينبثق عنها فضائل أخرى كلها سام ونافع. ٣- ولم يكن في ذلك الوقت شيخ الأزهر عالة على الحكومة. وذاك أن الأزهر حفظ على الأمة لغتها وإيمانها فوفت له الأمة من أجل ذلك بإجلالها واحترامها، وبأوقاف كثيرة وقفتها عليه. لقد كان موقوفًا على الأزهر ما لا يكاد يحصى من أموال، وكان الأزهر يعيش في حدود أوقافه كريم النفس، رافع الرأس، وكان لا يشعر بضيق في دنيا، إنه يعرف ما له وفي حدود دائرته ينفق ولا يتجاوز دائرته. وكان صدر الحاكمين يضيق بذلك أحيانًا فما كان لهم في إخضاع الأزهر من سبيل من ناحية الرزق. وأخذ الحاكمون في عصر دولة محمد علي يحتالون للأمر حتى أمكنهم بالمكر والخديعة أن يستولوا على أوقاف الأزهر ويعطوه مالا من خزينة الدولة، يضيق عليه فيه سنويًا، ولا تساير الدولة نمو الأزهر وتطوره، وأصبح الأزهر في ضيق يزداد ضيقًا كل عام. أما أوقاف الأزهر التي أخذت منه بالمكر والخديعة، فإنها شرعًا مازالت له؛ لأن أوقاف البر لا تؤخذ هكذا، ولا يغير مصرفها، وكل هؤلاء الذين استولوا عليها إنما يأكلون حرامًا، ومن يأكل حرامًا لا يقبل الله له عملًا، وإن الرجل ليقذف باللقمة الحرام في جوفه ما تقبل منه أربعين يومًا، كما يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ولا يتقبل الله ممن يأكل أوقاف الأزهر-ولو كان قد اشتراها- دعاء، فشرط استجابة الدعاء طيب المطعم، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حينما طلب منه سيدنا سعد أن يدعو الله له ليكون مستجاب الدعوة. روى ابن مردویه بسنده، عن ابن عباس، قال: تليت هذه الآية عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ ، فقام سعد بن أبی وقاص، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: « يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به». وإن هذا الذي يأكل أموال الأوقاف إنما يتقلب في حرام دائم. إن الأوقاف الخيرية لأهلها لا تباع، ولا تصرف في غير مصارفها.. إنها لما وقفت عليه وإلا فهي دمار تصيب المتسبب والأكل والمالك والمحيط كله، ولا بد من رد مال الأزهر إليه حتى تكون البركة ويكون النماء ويكون الخير، وهذه الأوقاف ثابتة في حجج، وما زالت هذه الحجج محفوظة وكما اغتصبت دولة محمد علي هذه الأوقاف فإنها يجب أن ترد ثانية. هل من خيرين يتبنون الفكرة؟ هل من محبين يعاونون على رد أوقافه إليه؟ هل من محتسب يبدأ؟ لعل وعسى، والخير في الناس ما زال باقيًا؟
الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

يوميات المجتمع (30)

نشر في العدد 30

15

الثلاثاء 06-أكتوبر-1970

المجتمع الإسلامي (219)

نشر في العدد 219

20

الثلاثاء 24-سبتمبر-1974