العنوان صربيون ومسلمون مطلوبون للعدالة، ولكن...!!
الكاتب د. توفيق الواعي
تاريخ النشر الثلاثاء 19-يناير-1993
مشاهدات 14
نشر في العدد 1034
نشر في الصفحة 37
الثلاثاء 19-يناير-1993
لم يحدث في العصر الحديث كله ولم يعرف في القرن العشرين على امتداده أن تسبب صراع مسلح، أو نزاع صربي عرقي في مآسي يندى لها الجبين، ويتمزق لها الحياء وتتفطر لها الأكباد، مثل ما عرف من وحشية الصرب مع المسلمين العزل في البوسنة والهرسك وحشية تخلت عن أي معنى من معاني الرجولة، عن الشرف العسكري، عن الشعور الإنساني، عن النزوع الفطري السوي لأي كائن بشري. مآسي يتحدث عنها العالم كله بشعوبه ومنظماته وإعلامه وأجهزته المسموعة والمقروءة والمرئية، ممارسات حية صارخة مكشوفة فاضحة. مأساوية مفزعة، لم ترحم رضيعا ولا طفلاً ولا صبيا، ولم ترع أما أو امرأة أو عجوزا هرما، ولم تفلت شابا يافعا وأبا عائلاً، ولم تحفظ عرضا أو شرفا أو ذمة!! تقول تقارير الأمم المتحدة ومجلس الأمن وصندوق رعاية الطفولة التابع لها: بإن أكثر من مليون وأربعمائة ألف طفل مسلم كانوا ضحايا نفسيين لحرب الصرب ولا يعرف مصيرهم النفسي مستقبلاً!! فما من أحد من هؤلاء الضحايا إلا رأى بعينه جثثا لأجساد مشوهة لأقرب أقربائه وكثير منهم شاهدوا آباءهم يقتلون أمام أعينهم أو يضربون ويهانون، ويرون أمهاتهم يتعرضن للاغتصاب، كما يتعرضن للامتهان والقتل، ولا يجد هؤلاء الأطفال الذين مزقتهم الآلام سلوى في معسكرات إيوائهم سوی رسم صور ديارهم التي هجروها، وأفراد أسرهم الذين شنقوا أو قتلوا، ومظاهر الحرب التي دمرت كل شيء وهم لا يعتمدون في ذلك على الخيال، وإنما على واقع أليم، ويقول أحد المسؤولين في الأمم المتحدة: يتساءل الأطفال البسنيون المسلمون الذين لا يتجاوز أعمارهم السابعة، هل سنعود إلى ديارنا أليس كذلك؟!! وتتساقط دموعهم ويكثر هلعهم وصراخهم عندما يدركون أنهم لن يعودوا أبدا، فقد اختفى آباؤهم وقتلت أمهاتهم وأخواتهم أمام أعينهم بعد أن اغتصبتها وحوش آدمية تحمل السلاح!! هذا وقد خصصت مجلة «نيوزويك» الأمريكية العالمية موضوع الغلاف في عددها الأخير لعمليات الاغتصاب القذرة في البوسنة والهرسك للنساء المسلمات وأبرزت تحقيقات الأمم المتحدة التي أثبتت اغتصاب ثلاثين ألفا من النساء المسلمات فقالت: لم يقتنع الصرب بممارسة سياسة التطهير العرقي وإبادة المسلمين وتشريدهم طعما في السيطرة على مزيد من الأراضي فلجأوا إلى عمليات الاغتصاب الجماعي كوسيلة قذرة لإذلال المسلمين ودفعهم على الهروب وترك أراضيهم ثم تقول: لا أحد في الحقيقة يعرف الحجم الحقيقي لضحايا الاغتصاب في البوسنة والهرسك لأن الحجم يهول ويرعب فالتقديرات الأولية للأمم المتحدة تتراوح بين٣٠ ألفا إلى ٥٠ ألف فتاة وامرأة مسلمة، منهن أطفال في سن السادسة والسابعة وعصابات الاغتصاب تفعل جرائمها في وحشية فريدة في التاريخ الإنساني كله وكثيرا ما تقتل الضحية بعد استنفاد الغرض منها واستهلاكها، وقد وضعت هذه الضحايا في معسكرات الاغتصاب التي خصصها الصرب للنيل من النساء المسلمات وقتلهن أحيانا أمام ذويهن، وفي مناطق ومعسكرات أخرى جرائم اغتصاب عن عمد وتخطيط لإجبار المسلمات على حمل أطفال صربيين واحتجاز النساء لحين الوضع أو حتى تمر الفترة المسموحة لحدوث الإجهاض فمن يحاكم هؤلاء السفاحين مجرمي الحربية ومن يردعهم؟ ومن يحفظ دماء المسلمين وأعراضهم؟ لقد أعلن وزير خارجية أمريكا عن الأعداد لمحاكمة عشرة من مجرمي الحرب في يوغسلافيا وعلى رأسهم الرئيس الصربي سلويدان ميلو سوفيتش وذلك على غرار محاكمة مجرمي الحرب في نورمبرج التي قامت بمحاكمة للنازيين بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن المطالبين السياسيين الأمريكيين أنفسهم يقولون: إن هذا الإعلان عن المحاكمة المزعومة جاء للاستهلاك المحلي. لأن محاكمة نور مبرج تمت لأن الحلفاء المنتصرين طالبوا بها، أما في البلقان فلا زال الصرب هم المنتصرون فمن يحاكمهم؟؟!!
وكذلك تصريحات دول أوروبا بالمقاطعات وغيرها تتمتع بمظلة الاستهلاك المحلي وعلى هذا القرار مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ومؤتمراته ومفاوضاته، ودول روسيا والصين واليابان! فمن يحاكم؟ ومن يمنع سلخانات الصرب وتآمرات وحوش الحضارة الكاسرة وهنا قد يرد سؤال: من يحاكم المسلمين المتخاذلين وفي مقدورهم منع الجريمة وهم أكثر من خمسين دولة وجيشا ورئيسا؟ وهل هذه المؤتمرات والمساعدات المسلمة أيضا للاستهلاك المحلي؟ وهل هناك من يساوم على أعراض المسلمين ودمائهم وديارهم؟!!! وهل تستطيع الدول الإسلامية أن تساوم على لعنة الله والتاريخ؟ وهل تستطيع أن تفلت من محاكمات الشعوب وعدالة الله؟! لا أظن.. لا أظن....
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل