; صلاة الفجر.. الثمار والأسباب (١من ٢) | مجلة المجتمع

العنوان صلاة الفجر.. الثمار والأسباب (١من ٢)

الكاتب د. حمدي شلبي

تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004

مشاهدات 19

نشر في العدد 1590

نشر في الصفحة 56

السبت 28-فبراير-2004

  • لصلاة الفجر ثمار عظيمة وفوائد جليلة.. أفضلها رؤية الله في الجنة

  • آثار مدمرة للتخلف عنها.. أشدها: النفاق.. الويل والغي.. الخبث والكسل.. كسر الرأس ومنع الرزق

من أعجب الأشياء: أن تعرف ربك ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن إجابته، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه، ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه؟! وأعجب من هذا علمك أنك لابد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب. (1)

فعليك بما خف حمله وغلا ثمنه. 

أخي الحبيب: ما أعظمه من ثواب مع يسر ما بذل فيه من جهد.

قال رسول الله ﷺ :«من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله». (۲)

 في ذمة الله

قال رسول الله ﷺ :«من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله» (۳)

وتأمل معي قوله «ذمة الله» فهي ليست ذمة ملك من ملوك الأرض لأنه -وإن علا ملكه وتوقفت مراكب السير تعظيمًا وتبجيلًا له- لا تزال فيه طبيعة الأرض والضعف الكائن في المخلوق من تراب الأرض، وإنما هي ذمة مالك الملك ورب الأرباب وخالق الأرض وما عليها.

ذمة الله هي الذمة التي لا يستطيع أحد خرقها، بل مسها، تحيط المؤمن بسياج من الحماية له في نفسه وولده وعقله ودينه وسائر أمره، فيحس بالطمأنينة في كنف الله، ويشعر أن عين الله ترعاه، وأن قوته تحفظه فيمضي يومه واثق الخطى ثابت الجنان.

نور يوم القيامة

قال رسول الله ﷺ: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» (٤).

والنور على قدر الظلمة، فمن كثر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة عظم نوره وعم ضياؤه يوم القيامة.

وليست أنوار المؤمنين يوم القيامة على درجة واحدة من الشدة والقوة، بل تتفاوت بتفاوت الإيمان، حيث قال رسول الله ﷺ: «فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى توره دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطي نوره على إيهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة». (٥)

دخول الجنة: قال رسول الله ﷺ: «من صلى البردين دخل الجنة»، والبردان: هما صلاة الفجر والعصر. (٦)

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «وسميا بالبردين لأنهما تصليان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطلب الهواء وتذهب سورة الحر أي شدته». (۷)

ولأن النفس تخلد في هذين الوقتين للراحة والرقاد وتستصعب النشاط والقيام فقد استحثها النبي ﷺ وحفزها بهذه البشارة العظيمة، وكأنه يقول هذه الجنة نزلت إلى أرضكم تعرض نفسها عليكم في هذين الوقتين الثمينين، فاحضروا القسمة يكن لكم فيهما نصيب، وارموا ساعة القتال بسهم يكن لكم في الغنيمة سهم، ولا تكونوا مع الخوالف فتنالكم التوالف، ولا ممن:

يحاول نيل المجد والسيف مغمد         ويأمل إدراك العـلا وهو نائم!

تقرير مشرف

أخي الحبيب وأنت على موعد مع الله كل يوم في صلاة الفجر والعصر، لتقدم له تقريرًا يوميًا تكتبه بيدك شاهدًا به على نفسك، مجددًا العهد مع ربك الذي يسأل كل يوم عنك ملائكة أبرارًا أطهارًا -وهو أعلم بك منهم- لكنه يسأل برًا ولطفًا وإحسانًا وتقربًا، حيث قال رسول الله ﷺ: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون». (۸)

قال رسول الله ﷺ: « ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها». (۹)

وهما ركعتا سنة الفجر، ولما كان الفرض أحب ما تقرب به العبد إلى ربه فثوابه أعظم وربحه أوفر، وإذا قال «خير من الدنيا وما فيها» فكن على يقين أن قوله الحق لا يبالغ في تصوير، ولا ينطق عن هوى تنزه عن ذلك، كيف وما هو إلا وحي يوحى؟ ويد الله ملأي، وخزائنه لا تنفد، وملكه لا ينقصه شيء إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم.

رؤية الله في الجنة

وما أعطى الله أهل الجنة نعيمًا أحب إليهم من النظر إلى وجهه الكريم، وهو شرف أجل من أن يخطر ببال، أو يدور في خيال، فأي نعيم وأي لذة وأي فوز وأي قرة عين! والله ما طابت الجنة إلا بهذا ولا تم نعيمها إلا به.

 نعم هذا الشرف حازه أهل صلاة الفجر كما أخبر النبي ﷺ «أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا»، ثم قرأ: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ﴾ (طه: 130) (١٠)

قال الحافظ ابن حجر: «وجه مناسبة ذكر هاتين الصفتين عند ذكر الرؤية، أن الصلاة أفضل الطاعات، وقد ثبت لهاتين من الفضل على غيرهما، فهما أفضل الصلوات، فناسب أن يجازى المحافظ عليهما برؤية الله تعالى». (۱۱)

زاد الدنيا والآخرة

ولما كان الوقت الذي يعقب صلاة الفجر أكثر الأوقات بركة، فقد حرص النبي ﷺ على إغتنامه وشغله بالذكر، فكان يجلس بعد صلاة الفجر يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين ويبشر أصحابه إن هم فعلوا ذلك بأن لهم أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.

ولقد حرص سلفنا الصالح -رضوان الله تعالى عليهم- على إلتزام سنة النبي ﷺ.

فكان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما نُقل عنه تلميذه العلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله- فيقول: كان يذكر الله في هذا الوقت المبارك، ويقول: «هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي». (۱۲)

وهذا الوقت وقت البركة الوفيرة في الرزق، ولهذا نجد أصحاب المهن والحرف والتُجار حريصين على إغتنام هذا الوقت، فعن صخر الغامدي أن النبي ﷺ قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها». (۱۳)

صحة وعافية: أما الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة منها:

- تكون أعلى نسبة لغاز الأوزون (o3) في الجو عند الفجر، وتقل تدريجيًا حتى تضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي للعمل الفكري والعضلي. 

- نسبة الأشعة فوق البنفسجية (U. V) تكون أعلى ما يمكن عند الفجر، وهذه الأشعة تحرض الجلد على صنع فيتامين (د)، كما أن للون الأحمر تأثيرًا باعثًا على اليقظة.

- نسبة «الكورتيزون» تكون في الدم أعلى ما يمكن وقت الصباح وأقل ما يمكن وقت المساء. (١٤)

تحذير من صفات المنافقين

رأى يحيى بن معاذ يومًا رجلًا يقلع الجبل في يوم حار وهو يغني، فقال: مسكين ابن آدم، قلع الأحجار عنده أهون من ترك الأوزار (١٥)، نعم والله هانت على ابن آدم أوزاره لجهله بعواقبها وآثارها. 

ومن الآثار المدمرة للتخلف عن صلاة الفجر: 

الإتصاف بصفات المنافقين: قال تعالى في وصف المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ﴾ (النساء: 14)، وقال ﷺ: وليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوًا. (١٦)

ويؤكد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فيقول: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق» (۱۷)، وما يزال الرجل بخير ويظن فيه الخير ما دام مواظبًا على صلاة الفجر، فإذا تخلف دارت حوله الظنون وحامت حوله شبهات، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-: «كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به ظن». (۱۸)

الويل والغي له: قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (الماعون: 5)

قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: «سهوا عنها حتى ضاع الوقت».

وقال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (مريم: 59)

بول الشيطان في أذنه: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذكر عند النبي ﷺ: «رجل نام ليلة حتى أصبح، فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه، أو قال: في أذنيه». (۱۹)

وخص الأذن بالذكر، وإن كانت العين أنسب للنوم إشارة إلى ثقل النوم. (۲۰)

كما قال تعالى حكاية عن أهل الكهف: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾ (الكهف: 11)

وقد تعجب أخي وتسأل وهل يبول الشيطان؟ يجيبك الإمام القرطبي رحمه الله: 

قائلًا: «ثبت أن الشيطان يأكل ويشرب وينكح ولا مانع من أن يبول». (۲۱)

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيطان قد استولى عليه واستخف به حتى اتخذه الكتيف «المرحاض» المعد للبول، ازدراءً له واستهزاءً.

 يا بائع الفجر وجاني الوزر: أما تأنف من بول الشيطان في أذنيك؟! أما تجزع من هروب الملائكة من ريحك؟! 

أردنا أن يكون الملك حاديك إلى الجنة بنشيده «الصلاة خير من النوم»، فأبيت إلا أن يكون الشيطان حاديك إلى النار بعوائه: «عليك ليل طويل فارقده».

الخبث والكسل

 فيصبح النائم عن صلاة الفجر إسفنجي الطبع إذا صادف خبيثًا تشرب خلاله الخبيثة وأمتلأ بها، زجاجي القوام إذا صادف آية مرت من خلاله دون أن يبقى منها فيه شيء، حجري الإحساس تنهال عليه سياط المواعظ دون أن يشعر بأي ألم.

 وهو مع ذلك لو كان الخمول والكسل عن الطاعات حديدًا لكان هو قطعة مغناطيس، ولو كان الثواب منه على قيد أنملة لحسبها - من كسله- صحاري وقفارًا.

ولذا أخبر النبي ﷺ: «أن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد… » (۲۲)

ولا تنحل إلا بثلاث: القيام والوضوء والصلاة، وإلا أصبح الإنسان خبيث النفس كسلان.

ليس هذا فحسب، بل تعلن فضيحته على الملأ، وتفوح رائحة معصيته في الأرجاء، وتتنكس من على رأسه أعلام العزة والكرامة لترفع بدلًا منها أعلام الذل والهوان.

 قال أبو المعتمر سليمان التيمي: « إن الرجل ليذئب الذئب فيصبح وعليه مذلته». (۲۳)

الكب على الوجه في النار: قال النبي ﷺ: « من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا ابن آدم لا يطلبنك من ذمته بشيء، فإن من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم». (٢٤)

كسر رأسه: وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي ﷺ: «رأى في رؤيا رجلًا مستلقيًا على قفاه، وآخر قائمًا عليه بصخرة يهوي بها على رأسه، فيشدخ رأسه فيتدحرج الحجر، فإذا ذهب ليأخذه فلا يرجع حتى يعود رأسه كما كان، فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى».

 وقد فسر جبريل وميكائيل ما راه النبي ﷺ بأنه: «الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة»، قال ابن العربي: «جعلت العقوبة في رأس هذا النائم عن الصلاة، والنوم موضعه الرأس». 

منع الرزق: قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: «ونومة الصبح تمنع الرزق، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة وهو مضر جدا».

 ورأى عبد الله بن عباس ابنًا له نائمًا نومة الصبح فقال: «قم أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟!» (٢٥).

----------------------------------

الهوامش

  1. انظر كتاب الفوائد ص (۱۱۹) لابن القيم بتحقيق عامر على ياسين ط دار بن خزيمة – السعودية

  2. رواه أحمد ومسلم عن عثمان بن عفان، كما في مختصر صحيح مسلم رقم (٣٢٤)

  3. رواه مسلم عن جندب بن عبد الله واللفظ له وأبو داود والترمذي كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (٣٦٣)

  4. رواه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم واللفظ له كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (٤٢٢)

  5. رواه الحاكم عن ابن مسعود، وأورده الألباني في شرح الطحاوية ص (٤٦٩) / المكتب الإسلامي

  6. رواه مسلم عن أبي موسى كما في صحيح الجامع الصغير (ص ج ص) رقم (٦٣٣٧)

  7. فتح الباري (٦٤١٢) ابن حجر العسقلاني ط/ دار الريان

  8. رواه الشيخان عن أبي هريرة كما في صحيح الترغيب والترهيب رقم (٤٦٣)

  9. رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن عائشة كما في ص ج ص رقم (٧١٥٣)

  10. رواه الشيخان عن جرير بن عبد الله كما في اللؤلؤ والمرجان رقم (٣٦٨)

  11. فتح الباري (٤٤/٢) بتصرف

  12. الوابل الصيب من الكلام الطيب ص ۳۷ – ابن قيم الجوزية. / المكتبة السلفية

  13. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حيان عن صخر الغامدي كما في ص رقم ١٣٠٠

  14. نقلًا عن مجلة المجتمع، الفوائد الصحية لصلاة الفجر

  15. حلية الأولياء (٥٢/١٠)

  16. رواه الشيخان عن أبي هريرة كما في اللؤلؤ والمرجان رقم (۳۸۳)

  17. صحيح الترغيب والترهيب رقم (٤١٤)

  18. رواه الشيخان عن أبي مسعود كما في اللؤلؤ والمرجان

  19. فتح الباري (٥٣/٣)

  20. السابق (٣٥/٢)

  21. جزء من حديث متفق عليه عن أبي هريرة كما في اللؤلؤ والمرجان رقم (٤٤٤)

  22. صفة الصفوة (١٧٤/٣)

  23. رواه أحمد ومسلم والترمذي عن جندب البطي كما في ص ح ث رقم (۱۳۳۹)

  24. زاد المعاد (٢٤٢/٤) ابن قيم الجوزية- مؤسسة الرسالة.

الرابط المختصر :