; المجتمع التربوي.. عدد 1743 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي.. عدد 1743

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 17-مارس-2007

مشاهدات 11

نشر في العدد 1743

نشر في الصفحة 52

السبت 17-مارس-2007

طريق الدعوة مثابرة وإصرار «۱ من ۲»

الإرادة.. من ملامح الشخصية المسلمة التي يسعى الداعية لإيجادها

  • الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته.. وعلت همته.

  •  نجاح الدعوة مرتبط بتحقق الإرادة في نفوس أتباعها.

  • تحول العرب بعد الإسلام من أناس خاملي الذكر إلى قوة جبارة تحكم العالم.

  •  من لديه غاية لا يتوقف أبدًا في أحد منعطفات الحياة. 

إسماعيل حامد

باحث إسلامي

«إن المسلم بقواه الكامنة، وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة المتاحة له يستطيع أن يبنى حياته من جديد».

كلمات سطرت بأحرف من ذهب، صاغها الشيخ محمد الغزالي – يرحمه الله- يبصر الدعاة بطريقهم، ويبث فيهم روح المثابرة والإرادة والعزيمة.

ثم خاطب المسلم منا بقوله: «فلا تعلق بناء حياتك على أمنية يلدها الغيب، فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير. إن الحاضر القريب الماثل بين يديك, ونفسك هذه التي بين جنبيك، والظروف الباسمة أو الكالحة التي تلتف حواليك، هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك، فلا مكان لإبطاء أو انتظار» ومن هنا يدرك الدعاة إلى الله أن أول عوامل النجاح، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم «لا أستطيع – مستحيل)، وهو بعبارة أخرى؛ التخلص من العجز الذهني، وقصور العقل الباطن، ووهن القوى العقلية. وتلك هي روح المبادرة، فإن الأخذ بالأسباب الشرعية والمادية يجعل ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة، وقديمًا قيل: «نصف الحياة حلم ونصفها الآخر حقيقة».. وكثيرًا ما تتحول الأحلام إلى حقيقة أو العكس، فأحلام الأمس حقائق اليوم.

المثابرة إرادة 

«لا يوجد صعب تحت الشمس» عبارة قالها الناس في كل زمان ومكان، فما دامت هناك إرادة وتصميم وعزم بلغ الإنسان أعظم ما يتمنى, وصدق الإمام البنا حين قال: «إن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته».

فما الإرادة؟

الإرادة في اللغة: «أراد الشيء، بمعنى أحبه وعني به ورغب فيه»([1]) والإرادة هي القوة الخفية لدى الإنسان وهي تعني اشتياق النفس وميلها الشديد إلى فعل شيء ما، وتجد أنها راغبة فيه ومدفوعة إليه.. والإرادة قوة مركبة من: رغبة + حاجة+ أمل.

ورحم الله الإمام البنا حينما أكد ضرورة توفر تلك الإرادة في العاملين للإسلام بقوله: «إن تكوين الأمم، وتربية الشعوب وتحقيق الآمال، ومناصرة المبادئ تحتاج – من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل – إلى قوة نفسية تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف, ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر, وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له, يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره». 

بل إن الامام البنا لم يقف بالإرادة وتوافرها عند حدود دعاة الإصلاح فقط، بل يجعلها من ملامح الشخصية المسلمة التي تسعى الدعوة لإيجادها في أرض الواقع فقال: «نحن نريد نفوسًا حية قوية فتية, وقلوبًا جديدة خفاقة، ومشاعر غيورة ملتهبة, وأرواحًا متطلعة متوثبة. إن الإسلام يريد في الفرد وجدانًا شاعرًا يتذوق الجمال والقبح, وإدراكًا صحيحًا يتصور الصواب والخطأ, وإرادة حازمة لا تضعف أمام الحق، وجسمًا سليمًا يقوم بأعباء الواجبات الإسلامية حق القيام، ويصبح أداة صالحة لتطبيق الإرادة الصالحة وينصر الحق والخير».

 فعلى قدر تحقق تلك الإرادة في نفوس أصحاب الدعوات وحملة الرسالات, وأتباعهم، يكون نجاح تلك الدعوات في الوصول لأهدافها.

روح المثابرة: أخي الحبيب.. قد يتوقف الإنسان في أحد منعطفات الحياة، ولكن من لديه غاية لا يتوقف أبدًا، وهذا هو الذي دفع الصحابة للعمل من أجل الفردوس الأعلى. ولنا في الحبيب  القدوة الحسنة في المثابرة وقوة الإرادة، ففي حالات السلم نجده يعلنها قوية: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، وفي حالات الجهاد نجده يعلنها أيضًا قوية: «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي».

ومن أثر تلك المثابرة والإرادة القوية, تربت أجيال الصحابة الكرام، فنجد كلمات أبي بكر رضى الله عنه وقت الردة خير تعبير عن أثر تلك التربية النبوية «أينقص الدين وأنا حي! والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه الرسول الله لقاتلتهم عليه»، وقوله: «ولو خالفتني يميني لجاهدتها بشمالي»([2]

وفي سيرة الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز يرحمه الله ما يوضح لنا قصة إنجاز ورواية مجد، فها هو يروي عن نفسه فيقول: «إن لي نفس تواقة كلما وصلت إلى شيء تاقت إلى ما هو أعلى منه، وقد وصلت إلى الخلافة، وقد تاقت نفسي إلى الجنة», ويقول أيضًا عن نفسه في رواية أخرى: «إن لي نفسًا تواقة، لقد رأيتني وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان، ثم تاقت نفسي إلى العلم وإلى العربية والشعر، فأصبت منه حاجتي وما كنت أريد، ثم تاقت نفسي - وأنا في السلطان - إلى اللبس والعيش والطيب, فما علمت أن أحد من أهل بيتي ولا غيرهم كان في مثل ما كنت فيه، ثم تاقت نفسي إلى الآخرة والعمل بالعدل، فأرجو ما تاقت نفسي إليه من أمر آخرتي».

المثابرة طريق لا نوم فيه

جاءنا عن الحبيب المصطفى قوله «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة», ولكن لابد للسلعة الغالية من بذل ثمن مناسب يليق بها.. ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر..!! وسيدفع من أجل «عينيها» كل ما يستطيع بطيب نفس، وسلعة الله غالية... بل غالية جدًا وعزيزة.. فمن رغب فيها بجد، فليعزم على ألا ينام في عرض الطريق.

 ولقد طلبت السيدة خديجة رضي الله عنها من حبيبها وقرة عينها محمد  أن ينام.. فقال لها: «مضى عهد النوم يا خديجة»!!

نعم.. مضى عهد النوم، ولا راحة في الطريق حتى يضع الدعاة أقدامهم في الجنة. نطق بذلك الفاروق عمر «الراحة للرجال غفلة»، وأكد المعنى نفسه الإمام أحمد بقوله: «لا راحة للمؤمن إلا في الجنة». 

فلا تعرف عيون المشتاقين النوم أو الغفلة، ولا تعرف عيون الخائفين الراحة أو السكون, بل هو الجد والعمل والاجتهاد والمثابرة الدائمة. 

فحاول أخي الداعية، أن تكون يقظًا على الدوام.. يقظاً مع الله.. مشدودًا إليه... واستمت في مواصلة الرحلة مهما حدث, وامض في إصرار وملء قلبك ثقة بربك الكبير المتعال.. فإذا أنت هناك!! في جنة الخلد مع الحبيب المصطفى.

الطموح كنز لا يفنى 

لا يسعى للنجاح من لا يملك طموحًا, ولذلك كان الطموح هو الكنز الذي لا يفنى, فكن طموحًا وانظر إلى المعالي، فإن الرجل الواحد بوسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته.

وهذا ما يفسر لنا سر تحول العرب بعد دخولهم الإسلام، فبعد أن كانوا أناسًا خاملي الذكر، أصبحوا بالإسلام قوة جبارة تحكم العالم بالعدل والسلام، وخرج منهم علماء في شتى مجالات الحياة، رغم ما بهم من عجز، إلا أنهم كانوا قادرين على تفجير ما لديهم من طاقات ولو كانت محدودة, فأناروا العالم بنور العلم الذي بهداه تقدم الغرب، وصنعوا حضارتهم الحالية التي ننبهر من روعتها؛ رغم أنها وليدة حضارتنا الإسلامية والتي نجهل قوتها الكامنة.

صور رائعة

۱ – تجربة الإمام الشافعي: فقد ولد الإمام الشافعي سنة ١٥٠ هجرية، في العام نفسه الذي توفي فيه الإمام أبو حنيفة, وعندما شب محمد بن إدريس الشافعي دفعت به أمه إلى مكتب في مكة لحفظ القرآن، وكانت الأسرة فقيرة، فلم تجد أمه ما تدفعه للمعلم.. فكان المعلم مهملًا في تحفيظه القرآن، ولكن الشافعي – هذا الفتى الصغير – كان يستمع إلى ما يحفظه المعلم لرفاقه فيحفظه، حتى إذا قام المعلم من مجلسه جلس الشافعي ليحفظ قرناءه ما قرأه عليهم المعلم!

 لاحظ هذا معلمه فقال: ما تبغي؟ فقال له الشافعي: أعلم قرنائي، على أن تعلمني أنت.. وأكفيك أمر الصبيان. وافق المعلم على هذا، وأعفاه من الأجرة، واستمر هذا الحال حتى حفظ الشافعي القرآن وهو ابن سبع سنين.([3])  

٢- ابن الأثير: كان مقعدًا، ومع ذلك ألف كتبه الرائعة «كجامع الأصول والنهاية في غريب الحديث... إلخ».

٣- ابن القيم: أتدري كيف كتب كتابه القيم «زاد المعاد»؟ لقد كتبه وهو مسافر متحديًا مصاعب السفر ومشاقه.

٤- شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله, كتب غالب فتاواه الكبرى وهو في السجن، رغم مرارة الظروف وقلة المعين.

٥- توماس أديسون: إنه مخترع الكهرباء الذي قام بـ ۱۸۰۰ محاولة فاشلة قبل أن يحقق إنجازه الرائع، ولم ييأس بعد المحاولات الفاشلة التي كان يعتبرها دروسًا تعلم من خلالها قواعد علمية وتعلم منها محاولات أدت به في النهاية إلى اختراع الكهرباء.


الهوامش

[1])) المنجد في اللغة

[2])) تفسير القرطبي 5/ 293

[3])) سلسلة أشبالنا العلماء

الأعداد والعمليات الحسابية في القرآن

محمد مصطفى ناصيف

إن إنتاج علماء المسلمين الرائع في علم الحساب والرياضيات نابع من إيمان وعقيدة ارتبطت بالقرآن العظيم وآياته البينات التي تحدثت عن الحساب والأرقام والكسور والجمع والطرح  والضرب والقسمة وغيرها من العمليات الحسابية 

وفي إشارة للعدد والإحصاء قال تعالى: ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا  (الجن:28)، وجاء في سورة مريم قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ من في السَّمَاوَاتِ والأرض إلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لقد أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا  (مريم:94).

كما ذكر العمليات الأربع في آيات عديدة من الكتاب العظيم، ففي عملية الجمع ورد قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ (الهمزة:1-2).

وورد عن عملية الطرح قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (العنكبوت:14). 

أما عملية الضرب فقد تحدث عنها القرآن الكريم في سورة الأنفال الآية ٦٥: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (الأنفال:65 )

أما بالنسبة للقسمة فورد ذكرها في الآية ٢٨ من سورة القمر: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ (سورة القمر:28)

ومن العمليات الحسابية التي اشتملت على الكسور، ما ورد في قوله سبحانه في الآية 11 من سورة النساء: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلَأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُس ممَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبْوَاهُ فَلأُمَهُ الثَّلُثَ فَإِن كَانَ له إخوة فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.

الأرقام

كما وردت جميع الأرقام من 1 إلى 9, واشتملت بعض الآيات القرآنية على أرقام، واحتوت آيات أخرى تسلسلًا رقميًّا متتابعًا. 

فمن الآيات التي ارتبطت بالرقم الآية ٢٣ من سورة ص: ﴿إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ

والعدد ٢ ارتبط بالآية 3 من سورة الرعد: ﴿ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين. وكذلك الآية ١٩٦ من سورة البقرة اشتملت على ذكر العدد:﴿ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، والرقم ٤ جاء في الآية الثانية من سورة التوبة: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ والرقم 5 ورد في الآية ٢٢ من سورة الكهف ﴿وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ، والرقم ٦ ورد في الآية 4 من سورة الحديد: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، والرقم ٧ تكرر في الآية ٤٦ من سورة يوسف ﴿إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ.

أما الرقم 8 فقد ورد في الآية 7 من سورة الحاقة ﴿وسَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا.

أما الرقم 9 فقد ورد في الآية 101 من سورة الإسراء: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ

المتسلسل العددي

ومن الآيات القرآنية التي ذكرت المتسلسل العددي قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُ (المجادلة: (۷).

وهناك آيات كريمات عديدة احتوت على أرقام متفرقة فالرقم ..٥٠٠00 ورد في سورة المعارج: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.

وكذلك الرقم مائة ألف فقد ورد في الآية ١٤٧ من سورة الصافات ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ وإن دل ذلك فإنما يدل على عظمة كتاب الله تعالى، وشموله وعموم نفعه.

 

رضى الناس غاية لا تدرك 

محمد السيد 

كاتب سوري

قال تعالى: ﴿وَكَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا (الكهف: ٥٤)... 

«بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» وقال رسول الله: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، ثم تلا ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ  (الزخرف:58) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وقال الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه «الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم» في (ص ٢٤٠) تعليقًا على حديث رسول الله الأنف الذكر: «وهذا أمر ملاحظ: إن القوم إذا حرموا التوفيق تركوا العمل، وغرقوا في الجدل خصوصًا أن هذا الخلق الذميم موافق لطبيعة الإنسان التي لم يهذبها الإيمان»

 وأقول: لقد وصل بنا الأمر إلى إدخال آفة الجدل والمراء إلى بديهيات الأمور، وقطعيات الشريعة والمعلوم منها بالضرورة.. هذا الذي إذا دخل عليه المراء بالإنكار أو الاستهزاء أو الرفض أدخلنا في متاهة الضياع وحبوط العمل والعياذ بالله، وهو ما أدى بالضرورة إلى دخول الناس في السباب والشتم والتخوين في أمور حاملة أوجه وقابلة للجدل والاجتهاد، والآراء فيها بين راجح ومرجوح.

ولم يتوقف أمر الجدل هذا عند حد تسفيه صاحب الرأي الآخر، بل دخل على خطوط المراء من لا تأمنه لا في دينه ولا في خلقه، ولا تثق برأيه الاجتهادي ولا السياسي، بل دخل في الأمر من أهل الأديان الأخرى أو من الملاحدة، يريدون النيل من رأي الإسلاميين الذين يجتهدون داخل نصوص دينهم في الأمور الفرعية القابلة للرأي والاجتهاد. فهل وصل بنا الأمر إلى هذا الحد..؟ 
لقد وُضعت بعض الفصائل الإسلامية في مأزق محير، إذا أخذوا فيه بالحزم والنص الحازم وصفوا بالأصوليين المتشددين المتزمتين، وإذا أخذوا في القضية نفسها بالأرفق من الرأي الذي لا يخرج عن شرع ربهم، قيل: لقد اخترق هؤلاء الثوابت في سبيل الاصطفاف مع الأعداء.

 إذا اشتغلنا بالسياسة وقدمنا مقتضياتها دون تجاوز لمبادئنا، قالوا أين المبادئ والثوابت؟ وإذا ابتعدنا عن المرونة والرفق والتعامل مع واقع الحال، قالوا أهملوا الوطنية وحياة الناس، هذا مع أن قواعد ديننا وشرعنا تقول: ليس لأحد أن يفرض على أحد رأيه في الأمور الاجتهادية، وقد قال عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: «ما يسرني أن أصحاب رسول الله  لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً. وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا، ورجل يقول هذا كان في الأمر سعة.

 وقد رد مالك من قبل دعوة الخليفة العباسي الرشيد له ليحمل الناس على موطنه في المسائل الاجتهادية. وقد قرر العلماء المسلمون: «إنه لا يجوز الإنكار على صاحب رأي مجتهد فيه».. فلا مجال لإنكار مجتهد على مجتهد ولا مقلد على مقلد مثله، فكيف إذا جاء الإنكار على مجتهد من رجل ليس من المسلمين، أو رجل غير مجتهد على مجتهد؟!

 وقد أوصى الإمام يحيى بن معاذ إخوانه فقال لهم: «ليكن حظ أخيك منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه».. إن أصحاب الشعارات، وأهل التنظير، تسمع الكثير من القول منهم، ولكنك لا ترى من الفعل والتطبيق في الأخوة إلا القليل النادر،

 ولا يفوتنا في هذا المجال قول الشافعي: «يا ربيع اكس ألفاظك»، أي أنك إذا تكلمت مع إخوانك أو عنهم أو مع غيرهم فلا تجعل كلامك يبسًا بل اكسه بشيء من الرفق الذي يحببه إلى قلوبهم، ويقربك من عقولهم، ويفرش له القبول في أفئدتهم، و «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه، رواه مسلم، وقد قال ربنا وهو خير القائلين: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: ١٥٩)

بعد كل هذا الذي أوردناه في معالجة أمر الخلاف في فروع الدين، أو في أمر الدنيا والسياسة المستجدة نخلص إلى أن هذه الأمور، لا يكون فيها رأي جازم واحد، بل هي موضع الاجتهاد والآراء، تختلف وتقترب من الصواب أو تبتعد حسب فقه الإنسان المجتهد ومدى علمه بها.

ومن هنا فإن التعامل بمثل هذه الشؤون، لا بد أن يكون بالإعذار نلتمسه لأصحاب الاجتهاد الذي يخالفنا، فلا نقيم عليهم النكير، ولا نتلمس لهم النعوت غير المناسبة، فقد يكون رأينا أيضًا عندهم مثل رأيهم عندنا، كما أوضح الإمام الشهيد حسن البنا – رحمه الله – الذي قال في رسالة دعوتنا: يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدورًا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علمًا. وفي كل دعوة حقًا وباطلًا، فهم يتحرون الحق ويأخذون به، ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية، أي لا نقول عنهم قولاً يخرجهم من وطنيتهم هكذا بلا كسوة للألفاظ ولا اعتبار للأخوة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مجلة الأسرة تقدمها: «أم ابتهال»

نشر في العدد 95

9

الثلاثاء 11-أبريل-1972

ثقافة وفنون: العدد 1037

نشر في العدد 1037

15

الثلاثاء 09-فبراير-1993