; ظاهرة العنف عند بعض الجماعات الإسلامية (الحلقة الثانية) | مجلة المجتمع

العنوان ظاهرة العنف عند بعض الجماعات الإسلامية (الحلقة الثانية)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 28-ديسمبر-1993

مشاهدات 16

نشر في العدد 1081

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 28-ديسمبر-1993

* هناك تجارب في العمل الإسلامي شوهت الصورة الحقيقية للعمل الدعوي.

* ليست هناك جماعة تتخذ العنف منهجًا.. ولكنها تُدفع إليه دفعًا كما حدث في الجزائر.

المحور الثاني: أين يظهر العنف والأسباب الموجبة له؟

المجتمع: بعد أن تناول الإخوة تعريف العنف، نود أن نتطرق إلى تحديد مكان العنف في الحركة الإسلامية، سواء ما كان يختص في المكان البيئي أو الشريحة العمرية؟

د.عیسی زکي: الجانب النفسي للداعية أو غياب التأصيل الشرعي.

لا يخلو زمن أو عصر من تواجد هذه الظاهرة، ونحن نتحدث عن هذه الظاهرة، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار أننا نتحدث عن هذه الظاهرة في الحركة الإسلامية، أي أن بعض الجماعات الإسلامية تمارس هذا العنف وبالتالي تجعل النقاش في هذا الموضوع مؤصلًا تأصيلًا اجتماعيًّا، ولا أعتقد أن المقصود من السؤال هو التوزيع الجغرافي للعنف بقدر ما هي الظروف الاجتماعية التي إذا ما وجدت برزت ظاهرة العنف كنتيجة طبيعية.

ولا بد ونحن نتناول هذه الظاهرة أن نتحدث بصراحة، ونذكر الجماعات التي اتخذت العنف منهجًا في تغييرها للواقع، ولا شك أن لذلك أسبابًا عدة منها:

  1. التركيبة النفسية الداعية المسلم العنيف:

وهذه التركيبة هي التي تجعل ذلك الداعية ينحو هذا المنحى، حتى ولو تبنى الفكر الشيوعي سوف يكون عنيفًا، هذه المسألة لم تحظ بالاهتمام الكافي في جميع التربويين الإسلاميين، ولم يضع العاملون من الحركات الإسلامية مناهج تعالج هذا الشخص.

  1. غياب التأصيل الشرعي للكثير من قضايا العمل الإسلامي، أعتقد أن هناك تجارب في العمل الإسلامي شوهت الصورة الحقيقية للعمل الدعوي، ومثال على ذلك تجربة شكري مصطفى في مصر، وجهيمان في المملكة العربية السعودية، وكل هذه التجارب كانت تعتمد على منطلقات غير مؤصلة تأصيلًا شرعيًا، وكلتا التجربتين لجأت للعنف سواء بالطرح الفكري أو باستخدام القوة.

ومع وجود تباين في أفكار كل منهما إلا أن هناك أصولًا عامة تجمع التجربتين، وتدليلًا على ذلك فإن اعتناق مجموعة شكري قضية تكفير المجتمع كقضية شرعية ما كان ينبغى أن يفتي فيها إلا عالم، وغياب العلم عند هؤلاء أدى بهم إلى ذلك، فكانوا يمشون في شوارع القاهرة، ويرون بعض المنكرات ولا ينكرونها، فعندما كانوا يُسألون عن ذلك يقولون هذا مجتمع كافر، وليس بعد الكفر ذنب.

وكانت جماعة شكري تتبنى إطلاق الاجتهاد بلا ضوابط وحرية تصحيح الحديث بلا ضوابط، وكان شكري يقول في إحدى التحقيقات أعطوني قاموسًا في اللغة العربية والقرآن وصحيح البخاري، ويكفى بالاجتهاد. وكذلك الحال بالنسبة للاجتهاد المفتوح من غير ضوابط شرعية أدت بجهيمان لتبني فكرة المهدي، وأخذ البيعة عند الكعبة، وما حدث من مآسي عند الحرم.

خالد العدوة: الاستبداد السياسي:

لقد أشار الدكتور عيسى زكي إلى الجانب النفسي كسبب من أسباب العنف، وأنا أعتقد أن الجانب النفسي ما هو إلا نتيجة لجوانب كثيرة، وعلى رأسها الجانب السياسي، فمن الخطأ التحدث عن نفسية الدعاة بمعزل عن الواقع الذي يعيشون فيه، ومعلوم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قد تغيرت مواقفه عندما كان في المدينة عنها عندما كان في مكة، وذلك كله مرهون بالبيئة وواقعها، وأتصور أن العنف يظهر كنتيجة حتمية وطبيعية إذا ما وجد الاستبداد السياسي، وكل نظام دكتاتوري يقابله عنف يحاول إزالة هذا المرض الجاثم على مستقبله ومقدراته.

لقد أشار «سياد بري» كنموذج للحاكم المستبد في العالم الثالث عندما وقف في جموع من الطلاب بالجامعة، وقال: «أخذناها بهذا» وهو يشير إلى مسدسه، «ومن أراد أن يفتح فمه ملأناه بالرصاص الذي بهذا المسدس»، وأعتقد أن الجماعات الإسلامية مظلومة، وليس هذا حكمًا عاطفيًا، وإنما أعتقد أنها ظلمت، وجرى عليها من التعذيب والاستئصال الدموي ما يدع الحليم حيران، ومن هنا فهو حق طبيعي أن يدفع الإنسان عن نفسه، وهذه قاعدة قال بها القرآن، وقال بها القانون الوضعي، وقالت بها العقول البشرية السوية.

فقد قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ (الشورى:40)، فأي حكومة تستخدم العنف، وتلغي إرادة الشعوب، ولا تسمح لهم بالتعبير عن آرائهم السياسية، فكل ردة فعل مقابل هذا العنف لا تعتبر فى تصوري عنفًا، وإنما هي أسلوب اضطراري وليس اختياري.

أما بالنسبة لما طرحه الدكتور عيسى عن الجماعات التي اتخذت العنف منهجًا للتغيير كجماعة شكري مصطفى، فأعتقد بأن عبد الناصر هو المسؤول عن عنف تلك الجماعة، لقد كانت مخابراته هي التي تقتل المواطنين المصريين، وعلى رأسهم الدعاة، وتدفعهم إلى هذا الأسلوب من استخدام القوة.

وتقتضي الأمانة أن نذكر بأن شكري مصطفى زج به بالسجن، وكان عمره ثماني عشرة سنة، ورأى كيف يعلق الرجال بأعقابهم، ويجلدون، وتسلخ جلودهم، ومن يقوم بمثل هذه الأعمال لا شرعية له.

وأعتقد أننا نحن في العالم الإسلامي نعيش أزمة سياسية في الدرجة الأولى، أما الجوانب النفسية فهي عارضة وليست هي الأصل.

ونحن في الكويت- بفضل الله- نعيش في هامش من الحرية، لذلك نستنكر مثل هذا الأسلوب المستخدم من البعض، ولكننا لو عشنا الظروف أو المحن التي يعيش فيها أولئك لاستخدمنا نفس الأسلوب، وأقول إن الدكتور عيسى ضرب مثلًا على العنف من حركة شكري مصطفي وجهيمان، ولكن لماذا لا نذكر الجزائر؟ فعندما وصل الإسلاميون للسلطة بالأسلوب الديمقراطي الذي يقره الجميع، وفي إطار القانون جرى انقلاب أطاح بهذه النتائج، وفتح السجون لهؤلاء، وتعقب الدعاة، واستطاع تصفية مجموعة منهم، حتى وجدوا أنفسهم أمام استخدام القوة.

د. وائل الحساوي: الجهل الشرعي والتعهد السياسي:

لا أبتعد كثيرًا عما ذكره الإخوة الأفاضل، ولكني أعتقد أن أسباب هذه الظاهرة تعود إلى أمرين هامين:

الأول: الجهل الشرعي، وهذا يشمل الجهل في فهم المنكر ذاته، ثم كيف يغير هذا المنكر، وعندما ننظر إلى هذه الجماعات التي تمارس هذا اللون من العنف، لا نجد علماء في هذه الجماعات يدركون مغزى الشريعة وطرق التغيير وغيرها، ولكن تغلب عليهم الحماسة أو الشجاعة في غير مكانها، وليست هذه الظاهرة بالجديدة، فقد رأينا الخوارج، وكيف كانوا يكفرون بالمعصية، وكيف خرجوا على الخليفة- رضي الله عنه- نجم عن جهل بأصول الشرع، فحتى لو وجدت خلافة إسلامية وعدالة إسلامية، ستظل مثل هذه الحركات تخرج بين فترة وأخرى، بسبب عدم وجود الفهم الشرعي.

الثاني: قضية القهر الموجودة في المجتمعات، ولذلك تجد العنف في المجتمعات مرادفًا للقهر السياسي، والظروف السياسية المتأزمة، وهذا ولا شك أنه يهيئ ويؤدي لظهور مثل هذه النتائج، وهو لا يعالج إلا بإيجاد حكم شوري واستقرار المجتمعات بالعدل.

محمد الراشد

لا أظن أنه من الصواب نسبة العنف إلى الجماعات الإسلامية وحدها، أو إلى جماعة بعينها، فقد تستخدم العنف جماعة ضد دولة أو جماعة ضد جماعات أخرى كما يحدث في أفغانستان من عنف بين الجماعات الإسلامية، وهذا يدعونا للتوسع في هذه القضية، فنرى العنف في إطار الحركة الإسلامية يتخذ عدة مستويات:

  1. فهناك عنف بين جماعة ودولة.
  2. وهناك عنف ما بين حركة وحركة.
  3. هناك عنف ما بين دولة ودولة.
  4. وهناك عنف بين مجاميع إسلامية مع بعضها البعض، حتى وجدنا أن بعض الجماعات كانت أحيانًا تقتل من يخرج عنها، معتقدة أنها جماعة المسلمين، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقسم أسباب العنف إلى قسمين:

أولًا : طبيعة الأفكار السائدة في محيط الحركة الإسلامية:

  1. من هذه الأفكار ما يتعلق بفهم النصوص الشرعية، وهو ما يتعلق بالتكفير، والحكم بما أنزل الله، وتطبيقات الإيمان على المجتمع الإسلامي تجاه.. أيضًا ناتجة من ردة فعل معينة، وهذه النصوص المكتوبة في دساتير المجتمعات الإسلامية، فقد نرى في بعض دساتير البلاد الإسلامية ما قد تكون نصوصًا كفرية، أو قد تصبغ على المجتمع الصبغة العلمانية.
  2. وبعض قضايا التكفير ناشئة من سياسة الحاكم في التعامل، حيث إنه لا يتعامل مع المسلمين كما يتعامل مع الكفار الخارجين عليه.
  3. ومن هذه الأفكار السائدة هي فهم النصوص الشرعية في القضايا الخاصة بالسياسات الشرعية بالتعامل مع الحاكم.

وهي ما يتعلق بالمفاسد والمصالح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من الأمور، والنصح للحاكم، وجميع هذه القضايا لها نصوص شرعية تجيز للجماعات الإسلامية أن تفهم منها، وتتعامل معها في الواقع.

  1. الاختلاف في تقدير المصالح والمفاسد، فالبعض يظن أنه سيترتب على السكوت منكر أكبر، فلذلك يستخدم العنف لتقليل الباطل كما يظن.
  2. فهم أسلوب التناصح والإصلاح:

وهي طريقة تعامل أفراد الحركة بعضهم مع بعض، كالشدة بالتعامل مع أفراد الجماعات الإسلامية الأخرى، وتكفير الكتاب والمفكرين ورموز الحركات الإسلامية نتيجة للاستدلال ببعض أساليب العلماء بعضهم مع بعض في تصحيح الأخطاء، والنصح ومجال الإصلاح.

ثانيًا : طبيعة الظروف الخارجية للحركة الإسلامية:

وهي الشريحة الثانية من أسباب بروز ظاهرة العنف: 

  1. ما يتعلق بالنظام في المجتمع، حيث تجرم بعض النظم الحاكمة اشتغال الإسلاميين بالسياسة، ومن ثم تعتبر اشتغال الإسلاميين جريمة يجوز التعامل معها بالقوة، مما يؤدي إلى ردة فعل طبقية كما يحدث في الجزائر وتونس ومصر.
  2. السياسات الاستراتيجية لمصلحة النظام الدولي:

والذي يعتبر الآن ذا قطب أحادي، وهو تنفيذ سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، مما يوجد مجموعة من السياسات تنعكس آثارها على صورة زيادة بالحصار على الحركة الإسلامية، وتنفيذ هذه السياسات ينشأ عنه ردة فعل داخل الحركة الإسلامية، وعلى سبيل المثال تنفيذ السياسات الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، وإنهاء قضية القدس، وتعزيز الموقف الإسرائيلي، ونظرة الغرب للإسلام على أنه مرادف للعنف.

المجتمع : نود طرح نقطتين للنقاش، وكلاهما متصل بالمحور الذي نحن بصدد الحديث عنه:

الأولى : ما ذكره المستشار سالم البهنساوي صاحب كتاب «التكفير وقضية المسلمين» عن بداية نشوء الفكر التكفيري في مصر عندما اعتقل الإخوان المسلمون في مصر أيام نظام ناصر، وتعذيب صفوة المجتمع المصرى بجميع أنواع التعذيب، في الوقت الذي كان يعامل فيه اليهود والداعرات داخل السجن معاملة غاية في الإنسانية، مما جعل البعض، ومنهم شكري مصطفى يقول: «إن هؤلاء الذين يقومون بتعذيبنا لا يمكن أن يكونوا مسلمين»، حينها بدأ الإمام الهضيبي عقد مناقشات عقائدية في قضايا التكفير داخل السجن، سببت رجوع الكثير عن هذا الفكر المنحرف، ورجوعهم للمنهج السلفي الصحيح، مما جعل إدارة السجن تمنع عقد مثل هذه الندوات.. والتساؤل المطروح: هل النظام كان يريد لمثل هذا الفكر أن ينتشر؟؟

 الثانية: لقد ثبت في عدة حوادث في العالم الإسلامي، خاصة العربي أن مخابرات النظام هي التي تقوم بتدبير بعض الانفجارات لإلصاق التهمة بالإسلاميين، ولتكون مبررًا لتصفيتهم، فما هو تعليقكم حول هاتين النقطتين؟؟

وهل ما ذكرنا يعتبر سببًا رئيسيًّا من أسباب بروز ظاهرة العنف في الحركة الإسلامية؟؟

د. عیسی زکي

لا بد أن نفرق بين أمرين:

الأول: الجماعات الإسلامية التي تستخدم العنف للدفاع عن النفس، وهذا له طريقة في الدراسة، وهذا بلا شك أنه عنف مشروع ما دام واقعًا في إطار الدفاع عن النفس ضمن قواعد شرعية معروفة، حيث إن هذه القواعد ذاتها، والتي تجيز استخدام القوة للدفاع عن النفس، تقول بعدم استخدامها إذا ما ترتب على استخدامها منكر أشد من المنكر المبتغى إنكاره.

والأمر الذي يجب التنويه عليه أن هذه الجماعات الإسلامية والتي تريد التجديد لهذه الأمة وإنقاذها، لا نقبل منها أن تكون ممارساتها كردود فعل، وتدخل في صراع لا يوجد فيه تكافؤ بينها وبين الخصم المقابل بسبب إرادتها للدفاع عن نفسها.

وأعتقد أن الدعوة الإسلامية يجب أن تكون أكثر حكمة، حتى وإن تعرضت للقهر والاعتداء والظلم، وبالرغم من اتفاقنا على أن الحركة الإسلامية تقع من ضمن شريحة المظلومين في العالم، وهذا ما تؤكده أحداث كثيرة، آخرها حادث تفجير المركز التجاري في نيويورك، والذي تبين من بعض الخيوط دور الموساد و«سي آي إيه» فى هذه العملية لتوريط الإسلاميين، ومع هذا فلا ينبغي أن تكون هذه الحوادث، وذلك الاضطهاد والظلم مسوغًا في بناء الدعوة الإسلامية سياساتها وتوجهاتها، وحتي فكرها على أساس «ردة فعل»، فتقابل العنف بعنف، باللحظة التي لا تملك هي الوسائل المتكافئة لذلك العنف المقابل، والرسول- صلى الله عليه وسلم- عندما كان في مرحلة الدعوة في مكة، ما كان من أسلوبه المواجهة بالقوة، مع أنه كان يعيش هو وصحبه مرحلة الاستضعاف والظلم والقهر.

وتأتي الآيات في مثل ذلك الجو من الظلم الذي يلاقيه المسلمون ليقول تعالى فيها: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ (النساء:77).

ولكنه عندما ذهب إلى المدينة، واستقر في الدولة، وأصبح يملك قوة الساعد والعدة استخدم القوة لفتح الجزيرة كلها. 

الثاني: الجماعات الإسلامية التي تستخدم العنف ليس للدفاع عن النفس، إنما كأسلوب دعوي، وكأسلوب من أساليب توصيل الرسالة، وهذا اللون هو الذي نرفضه من العنف، وذلك عندما يتحول كأسلوب واستراتيجية ومنهجية لنشر الدعوة، ومع الأيام تصبح هذه الجماعات تؤصل لذلك العنف تأصيلًا، ويصبح منحى عمل.

خالد العدوة

نرجع إلى ما ذكرتموه عن دور المخابرات في بروز هذه الظاهرة، وهي نقطة في غاية الأهمية إذا ما أردنا تتبع جذور هذه الظاهرة، وأصبحت موجودة في واقع بعض المجتمعات بصورة يومية، بل أصبح رجل الشارع العادي يدرك الكثير من الجزيئيات السياسية، والتي منها أن هذا المجتمع الإسلامي ما هو إلا مجتمع مسير مسلوب الإرادة، ويخطط له من قبل المخابرات الأجنبية، ويقع تحت تأثيرها واستراتيجيتها، ومعروف دور الاتحاد السوفييتي قبل سقوطه في العالم العربي، وكذلك الحال في الولايات المتحدة، وتدخلها في الوقت المناسب عندما تتعرض مصالحها للخطر، كما حدث لتركيا عندما حكم حزب السلامة، وكما هو الحال في الجزائر عندما تحركت فرنسا، وحركت عملاءها عندما كاد الإسلاميون أن يأخذوا الحكم، ولا أعني أن هذا هو نهاية الأمر، أو أنه لا توجد مساحة للانطلاق، إنما عنيت أن الإسلام يهان ويعتدى على مقدساته وعقيدته؛ حتى تكون هناك ردة فعل تعلق عليه قبعة الإرهاب، ولم أر في الواقع ديانة من الديانات السماوية، أو الوثنية- خاصة في عصر حقوق الإنسان المزعومة والشرعية الدولية- اعتدي على مقدساتها كما يحدث للمقدسات الإسلامية.

والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، فهذا المدعو سلمان رشدي واعتداؤه على أمهات المسلمين الطاهرات في كتابه «آيات شيطانية».

وقد قدم دكتور في جامعة الكويت بحثًا بعنوان: «الجوانب الإبداعية في رواية سلمان رشدى»، وعندما قدمت سؤالًا لوزير التربية عن ذلك، انبرى العلمانيون في جامعة الكويت بالدفاع عنه، وأنزلت هيئة أعضاء التدريس بيانًا عن السؤال الذي قدمته، وأنه من أنت حتى تسأل عن هذا الشخص. ولا أشك أن ما كان يكتبه فودة بإيعاز من المخابرات.

النقطة الأخرى التي أحب أن أنوه لها: أنه لا أعتقد كما قلت أن هناك جماعة إسلامية تتخذ من العنف منهجًا، وإنما تدفع لها دفعًا، وكما أن الحاكم المسلم غائب في العالم الإسلامي، كذلك هو الحال بالنسبة للعلماء فهم غائبون أيضًا، وأنا ألتمس الكثير من العذر لشباب الصحوة الإسلامية لإسقاطهم للعالم الذي يدور في فلك السلطات؛ لأن سلف الأمة ما كانوا يثقون بهم، وعده بعض العلماء جرحًا في أمانته وثقته، ويردون حديثه، وقد قال ابن المسيب: «إذا رأيتم العالم على باب السلطان فلا تأخذوا منه شيئا فإنما هو لص».

والحقيقة أنه إذا كانوا من أهل العلم والدراية، فلا مانع من الأخذ منهم بشرط الحذر الشديد إذا وافق ذلك مسلكًا مستقيمًا بالفتيا، أما أن يقول أحدهم: إن البنوك جميعها إسلامية، ولا فرق بين البنوك الإسلامية والربوية، فكيف أثق بمثل هذا العالم؟!. 

وأنا أؤيد الرأي القائل بأن الجماعات الإسلامية الكبيرة التي كان لها الخبرة الطويلة في العمل الإسلامي، والتي استفادت من خبرة الدعوة، وفي استقطاب الناس، والتلطف معهم، والتدرج بهم إلى الوصول للهداية، كان يجب أن يكون لها دور في تحجيم هذا التشرذم، وفتح أبواب الحوار لتطويق الخلاف، وترشيد بعض الإخوة الذين يجنحون إلى القوة والشدة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الافتتاحية

نشر في العدد 1

1861

الثلاثاء 17-مارس-1970

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970