; المجتمع التربوي (1590) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1590)

الكاتب توفيق علي

تاريخ النشر السبت 28-فبراير-2004

مشاهدات 12

نشر في العدد 1590

نشر في الصفحة 54

السبت 28-فبراير-2004

عام هجري مضى.. وقفات للتأمل

حري بنا بعد نهاية العام الهجري وإطلالة العام الجديد أن نقف معًا وقفات للتأمل:

الوقفة الأولى مع النفس بالمحاسبة:

 قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (الحشر: 18)

يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآية: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير».

 ومن حق الله علينا بعد انقضاء كل عام وكل موسم أن نرى ماذا جنينا فيه أن نجري بيننا وبين أنفسنا كشف حساب كما يفعل التجار عقب كل موسم وبعد كل حصاد فإن تحقق لهم الربح الوفير سعدوا واطمأنوا، وإن وجدوا غير ذلك فتشوا عن السبب وعالجوه حتى لا تتكرر خسارتهم وتمنى بالإفلاس تجارتهم.

هكذا كان السلف الصالح: 

قال الحسن البصري: «إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته».

وقال الإمام ابن تيمية.. «ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين ويدنو العبد به من الله سبحانه في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو به بالعمل».

ولكن كيف نحاسب أنفسنا؟ 

قال الإمام ابن القيم: «...وجماع ذلك أن يحاسب نفسه»:

أولًا: على الفرائض: فإن رأى فيها نقصًا تداركه إما بقضاء أو إصلاح

ثانيًا: ثم يحاسبها على المناهي: فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية

ثالثًا: ثم يحاسب نفسه على الغفلة: فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله

رابعًا: ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه «ماذا أرادت بهذا؟ ولمن فعلته؟».

خامسًا: ثم يحاسب نفسه، كيف علاقته بالآخرين واهتمامه بشؤونهم ومشيًا في حاجتهم

سادسًا: ثم كيف هو حال نشاطه الدعوي ودوره الحركي في مجتمعه وأمته.

 فالبدار، البدار أيها الإخوة الكرام لتنمية ما حسن وإصلاح ما فسد وتقويم ما أعوج

 ولتكن معركتنا الأولى مع أنفسنا فإن انتصرنا عليها كنا على غيرها أقدر، ولنقم دولة الإسلام في قلوبنا حتى تقوم على أرضنا.

الوقف الثانية: ذهاب بعض الصالحين:

عن مرداس الأسلمي قال: قال النبي ﷺ «يذهب الصالحون الأول فالأول ويبقى حفالة كحفالة الشعير أو التمر لا يباليهم الله بالة» «فتح الباري لابن حجر العسقلاني، باب ذهاب الصالحين ٢٥٦/١١».

ومن الصالحين الذين قضوا نحبهم في هذا العام« عام الحزن» -إذا جاز لنا أن نسميه كذلك- هذا الرجل الذي ترك فراغًا في الجزائر يصعب أن تجد قطبًا مثله ومن أقواله الحركة الواعية هي التي تكون مفتحة العيون والآذان والعقول لكل ما حصل من أحداث أو ما يمكن أن يحدث وتربط النتائج بالأسباب غير مغفلة موازين القدر الإلهي تقع عينها على الحية من غير تجسس وتتابع أذنها من غير تحسس وتعمل عقلها من غير رجم بالغيب أو سوء ظن لأن بعض الظن إثم.؟، وكم أدى ذلك إلى مزالق شرعية مهالك حركية أو أسقطات حضارية.

- إنه الأستاذ محفوظ نحناح «رئيس حركة مجتمع السلم حمس» بالجزائر.

- الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش، رمز الإسلام في العالم الغربي قبل وفاته بنصف ساعة قام فتوضأ، ولولا الله ثم هذا الرجل ما بقيت البوسنة والهرسك عام ۱۹۹۲م عندما اتفق الصرب والكروات على تفتيتها.

- الأستاذ عز العرب فؤاد: مات صائمًا بالمسجد ليلة النصف من شعبان وكانت ليلة جمعة عقب تأدية صلاة المغرب، ولما دعاه إمام المسجد ليفطر معه قال له: سأفطر في مكان أخر.

 الحاج« حسن جودة»: انتقل إلى رحمة الله تعالى فجر الخميس «۱۹ من رمضان ١٤٢٤هـ ۱۳ من نوفمبر ۲۰۰۳م» وهو يستعد لصلاة الفجر بالوضوء وصيام يوم جديد، وكان من رجال العمل الإجتماعي المبرزين في بني سويف بمصر، وكان الناس يلتفون حوله، يستفتونه في شؤون دينهم كما يسألونه العون على شؤون دنياهم، ولم يبخل بوقتٍ أو جهدٍ، بل نذر نفسه الله والدعوة في سبيل الله.

- الأستاذ عبد المنعم سليم جبارة: الرجل الذي خدم دينه بعيدًا عن الأضواء والضجيج مات ليلة السابع والعشرين من رمضان.

- الشيخ أحمد سحنون: علامة الجزائر توفي وهو يتهيأ لصلاة العيد حيث أصيب بجلطة دماغية عجلت بوفاته عن عمر يناهز ٩٦ عامًا.

- الشيخ مساعد العبد الجادر: كان من أوائل من أوقف الوقف وحبس العين ودر الريح على تربية شباب الدعوة والحركة الإسلامي بدولة الكويت.

- المستشار محمد المأمون الهضيبي: المرشد العام للإخوان المسلمين كان من الرعيل الأول الذين اضطلعوا بمسؤولية الدعوة في وقت مبكر وحملوا على عاتقهم تكاليفها وأعباءها وأستمر على ذلك دون كلل أو ملل رغم كبر السن والمعاناة الطويلة في سجون الطغاة.

وافاه الأجل مساء الخميس ليلة الجمعة الموافق ١٥ من ذي القعدة سنة ١٤٢٤هـ، نسأل لنا وله منزل الشهداء ومرافقة الأنبياء.

وغير هؤلاء كثيرون ربما لا نستطيع إحصاءهم، ولكنها إشارة مع دعوة أصحاب وتلاميذ هؤلاء لكتابة آثارهم حتى تكون زادًا للأجيال القادمة..

دروس من ذهاب الصالحين:

١- إن الدعوة أقدم من الداعية، وأكبر من الداعية، وأبقى من الداعية، فدعاتها يجيئون ويذهبون، وتبقى هي على الأجيال والقرون ويبقي أتباعها موصولين بمصدرها الأول الذي أرسل بها الرسل وهو باق سبحانه. 

٢- حُسن الخاتمة، فمن عاش لشيء مات عليه.

3- من عاش لغيره عاش، ولكن عاش كبيرًا ومات كبيرًا.

4- الإقتداء بهؤلاء الأعلام يقول ابن بطال في تفسير قول رسول الله ﷺ : «لا يباليهم الله بالة».... فيه الندب إلى الإقتداء بأهل الخير والتحذير من مخالفتهم أن يصير ممن خالفهم ممن لا يعبأ الله به».

ثالثًا: نهاية الطغاة:

 يقول الله عز وجل: ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ (الأحقاف: 20).

يقول ابن كثير: «جوزوا من جنس عملهم فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن إتباع الحق وتعاطوا الفسق والمعاصي جازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة والحسرات المتتابعة».

ومن هؤلاء

١- شاهد العالم أجمع النهاية الدليلة المهينة لطاغية العراق صدام حسين وحيدًا، لم تنفعه حاشيته وزبانيته ولا آلته الأمنية الوحشية ولا ترسانته العسكرية بعد أن جلب الويلات والمصائب للأمة.

٢- شهد العالم النهاية الذليلة لدكتاتور يوغسلافيا السابق سلوبودان ميلوفيتش، بعد أن أرتكب أبشع مجزرة للإبادة الجماعية ضد المسلمين في البوسنة وكوسوفا.

٣- في جورجيا كانت نهاية شفرنادزه في ٢٠٠٣/١١/27م أقتحم المحتجون مقر البرلمان بعد تزويد الانتخابات.

دروس وعظات

١- أن وعد الله حق حيث يقول سبحانه تعالى: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) (الزخرف: 41-43)) 

يقول الإمام ابن كثير: «أي لابد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ولو ذهبت أنت ولم يقبض الله تعالى رسوله حتى أقر عينه من أعدائه وحكمه في تواصيهم وملكه ما تضمنته صياصيهم ليطمئن الدعاة العاملون، فقد أقر الله أعينكم بهلاك طاغية ومن قبله طغاة وسوف يهلك الآخرون بنص كتاب الله.

٢- الإصلاح الداخلي والتعاون مع الشعب، وإطلاق الحريات، وسماع نصائح المخلصين من الأمة حتى نقف معًا في خندق واحد ضد أعداء الأمة.

٣- أن العمل الصالح يبقى لأهله والعمل السيئ كما يذهب الزبد.

يقول عز وجل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: 17)

 الوقفة الرابعة: الكوارث الطبيعية:

إن المتأمل في أحداث الزلزال الذي وقع في مدينة (بم) التاريخية في إيران والتي راح ضحيتها آلاف وأصيب كذلك آلاف، وكذلك حوادث الطائرات كالتي حدثت في بنين وحادثة الطائرة المصرية يجد أن الموت الذي نفر منه ملاقينا، وأن العاقل هو الذي يصنع موتته، وأن التضحية التي تقدم في هذه الكوارث أضعاف أضعاف التي يقدمها إخواننا المجاهدون سواء في فلسطين أو الشيشان أو العراق أو غيرها.

وصدق القائل:« إن الأمة التي تحسن صناعة الموت توهب لها الحياة».

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 6

153

الثلاثاء 21-أبريل-1970

نشر في العدد 11

62

الثلاثاء 26-مايو-1970