; عبر من موقعة أحد (2) | مجلة المجتمع

العنوان عبر من موقعة أحد (2)

الكاتب د. عبد المنعم تعيلب

تاريخ النشر الثلاثاء 09-يونيو-1970

مشاهدات 60

نشر في العدد 13

نشر في الصفحة 25

الثلاثاء 09-يونيو-1970

العبرة الأولى:

الغيرة على الحرمات وصيانة المقدسات والذود عن العقيدة والوطن شيمة أهل الإيمان فما أعطى رسول الله الدنية ولا أقعده مباغتة العدو له، وتفوقه عليه في العدد والعدة، ولا نال منه انخذال ثلث من خرجوا معه ولا وهن من عزمه ما أصابه من جراحات، وما لحق أصحابه من تقتيل وتمثيل، وما فتَّ في عضد المؤمنين ما أشيع أثناء المعركة من قتل رسول الله بل كان الواحد منهم حين تدلف إلى سمعه تلك الشائعة يقول: نقاتل على ما قاتل عليه محمد، وكيف لا والقرآن يهيب بهم: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ (آل عمران: 144- 145.)

ومن هنا كان ما حدث على عظم المصيبة بفقد كثير من أجلَّاء الصحابة كان ما حدث ذكرًا وفخرًا يعتز به أهل الإيمان وتعلو به أقدارهم بين يدي الله ويشهد بفضله أديم الأرض الذي ارتوى من تلك الدماء الزكية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحد جبل يحبنا ونحبه».

وإن سلامة الدين والوطن مطلب تبذل في سبيله المهج وترتخص من أجله الدماء والأموال.

العبرة الثانية:

القاعدون عن نصرة الحق والمتربصون بالأمة الدوائر مطرودون من رحاب الإيمان، وساعات الجهاد تهتك أستار المنافقين وتكتشف زيف المزورين، ولقد كان من بركات هذه الغزوة فضح نوايا هؤلاء الكاذبين وتمييزهم عن أهل الإيمان الصادقين، وفي ذلك يقول الله الحكيم العليم: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: 166- 167 -168).

العبرة الثالثة:

حب الله وحب دينه ورسوله أغلى في نفس المؤمن من كل محبوب، ولهذا لم تضعضع البلايا يوم أحد يقين الفرد أو الجماعة؛ بل زادتهم بالله ارتباطًا وبدينه استمساكًا.

يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها وأبوها وأخوها مع النبي بأحد، فلما نعوا إليها قالت:

فما فعل رسول الله؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين: قالت أرونيه حتى أنظر إليه، قال: فأشير إليه، حتى رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل: أي صغيرة، وشعراء المسلمين ينشدون في شأن الشهداء:

فكلهم مات حر البلاء

على ملة الله لم يخرج

وحين يبتهج المشركون بما لاقى المسلمون ويقول أبو سفيان شامتا: يوم بيوم بدر.. فيرد المسلمون قائلين: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار.

وصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تهلع ولا تجزع وإنما تستقبل مصيبتها في أخيها حمزة رضي الله عنه برضا وتسليم، أقبلت رضي الله عنها لتنظر إلى حمزة وقد استشهد ومثّل به المشركون. وكان أخاها لأبيها وأمها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام: القها فارجعها لا ترى ما بأخيها، فقال لها: يا أمة، إن رسول الله يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم، وقد بلغني أنه مُثل بأخي وذلك في الله؟ فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله.

فلما جاء الزبير إلى رسول الله فأخبره بذلك قالت: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، واستغفرت له.

 

العبرة الرابعة:

سلامة القصد وخلوص النية شرط للانتساب إلى جند الله والقبول في وصفه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عبأ جيشه رأى جماعة مع عبد الله بن أبي يريدون الخروج فقال: أو قد أسلموا؟

قالوا: لا يا رسول الله، قال: مروهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين. ومجرد التطلع حتى إلى ما يكون من غنائم مما يذهب بثمرات النصر، وهكذا أشار القرآن الكريم إلى أن النصر واتى المسلمين أول المعركة وحين اختلفوا وتوجه بعضهم إلى جمع الغنائم وترك المواقع؛ انكشف ظهر المسلمين، ونالتهم سيوف المشركين، يقول الله سبحانه: ﴿حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ﴾ (آل عمران: 152).

العبرة الخامسة:

مهما يكن من خطأ في التأول أو زلة عارضة يتذكر بعدها المرء الحق والواجب؛ فينهض بما حمل، فإن الله يعفو ويصفح فإن الذين هزهم هول المفاجأة والذين تحرك في نفوسهم هاجس غفر الله لهم زللهم وقبلهم حين عادوا من قريب إلى ساحة الله، يقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ (آل عمران: 122)، ويقول سبحانه: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ﴾ (آل عمران: 152)، ويقول عز من قائل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ (آل عمران: 155).

العبرة السادسة:

أحباب الله لا يخافون أحدًا سواه، فهم يطيعونه وهو يؤيدهم ويتوكلون عليه، وهو ينصرهم ويصبرون على الأذى في سبيل مرضاته، وهو يحسن لهم العاقبة، ويلقي في قلوب أعدائهم المهابة منهم، وهل رأيت أطوع لله وأصبر على أمره من هؤلاء الغر الميامين الذين أنهكوا قتلًا وجرحًا، وما منعهم ذلك من مطاردة الأعداء والاستخفاف بتهديدهم ووعيدهم، فأنعم بهؤلاء المؤمنين ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ (آل عمران: 172-173-174).

وبعد:

فيا وراث محمد عليه السلام، ويا خلفاء صاحبته من بعده، كونوا مع الله يكن الله معكم، وانصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، واستبشروا بالنعمة والفضل والسلامة والرضوان إذا اتخذتم الله وكيلًا والخوف من الله سبيلًا، واعلموا أن أولياء الشيطان يخافون عباد الرحمن، وصدق الله العظيم ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 175) ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40).

عبد المنعم ثعيلب

الرابط المختصر :