الثلاثاء 12-أكتوبر-1982
في الوقت الذي كان فيه المسلمون يذبحون في لبنان كان الإسلاميون يعتقلون في مصر، وبناء على ما نشرته مجلة المصور المصرية بتاريخ 24/ 9/ 1982م فإنه تم اعتقال مجموعة جديدة بلغت 180 شخصًا حتى ذلك التاريخ.
وفي الحقيقة أنه ما تكاد تعلن السلطات المصرية عن الإفراج عن عدد من المعتقلين حتى تعيدهم إلى السجن مرة أخرى، أو تلقي القبض على عدد آخر غيرهم ودون إعلان في غالب الأحيان.
ويواجه المعتقلون في أقبية السجن الحربي وليمان طره ألوانًا من التعذيب البدني والنفسي رهيبة، في محاولة يائسة لتحطيمهم جسديًا ونفسيًا، ولكن هذه المحاولات التي عرفها الإسلاميون في مصر منذ عهد الملك فاروق، ومن بعده عبد الناصر، ثم السادات، لم تجد نفعًا في صرف تطلعات الشعب المصري المسلم إلى تطبيق شرع الله في الأرض والخلاص من المشاكل التي يعاني منها المسلمون في مصر، ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ (طه: 124).
الحوار
وإذا كان اضطهاد الإسلاميين في بلادهم معروفًا فإن الشيء الجديد لدى النظام الحالي في مصر هو استخدام أسلوب جديد لم يكن معروفًا في العهود السابقة وهو (الحوار) فقد استعانت أجهزة الأمن المصرية بعدد من (الخبرات الدينية) اقتحمت على المعتقلين زنازينهم، وأقامت حوارًا معهم لتثبت لهم أن أفكارهم ليست من الإسلام في شيء، ولأن الذين أجروا الحوار من أتباع السلطة كانوا جهلة ومأجورين، وأنهم على باطل، فقد فشلوا فشلًا ذريعًا ولم يستطيعوا أن يصرفوا أحدًا من الشباب المؤمن عن عقيدته التي حولت الكائن البشري الخامل إلى طاقة فاعلة متصلة بالله الذي لا حدود لقدرته، وتبين للمسئولين في مصر أن اضطهاد اضطهاد الإسلامبولي ورفاقه لم يكونوا إلا نماذج من هذا الإنسان المصري الجديد.
فاجتمعت اللجان المختصة لتدارس الأمر وتداركه واستخلاص النتائج، ووضع الخطط الجديدة، وخرجوا بما يلي:
1- أن أجهزة الأمن المصرية عاجزة حتى الآن عن القضاء على الحركات الإسلامية التي تسميها (التطرف الديني) والتي تتمثل في نظرهم في (تنظيم الجهاد) وفي (جماعة التكفير والهجرة).
2- أن أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة والتي تشرف عليها الحكومة عاجزة هي أيضًا عن أن تقنع الشارع المصري بأن يتخلى عن هذه الجماعات، أو يعاديها، أو يقف منها موقفًا سلبيًّا.
3- أن خطباء المساجد الذين عينتهم الحكومة لم يستطيعوا بدورهم أن يشدوا إليهم جماهير المصلين المسلمين الذين عزفوا عن الاستماع إلى أحاديث تتناول جانبًا من العقيدة هي العبادات دون التطرق إلى مشاكل الناس الحياتية والسياسية التي هي من صميم العقيدة.
4- أن الأزهر الشريف الذي كان دومًا منطلق الثورات على الظلم والاستبداد والانحراف لم يستجب الاستجابة الكافية لنداء الحكومة بأن يقف بصفها ضد الحركات الإسلامية، وأن يشارك في الحوار «لغسل أدمغة» الشباب المسلم وجعله يتراجع عما آمن به.
5- أن وزارة الأوقاف في مصر غائبة تمامًا عن الحوار الدائر بين رجال الأمن والشباب المسلم داخل السجون، وأنها لا تريد أن تشارك في هذا الحوار.
6- أن بعض الشباب الذين ظنت أجهزة الأمن أنهم ارتدوا عن عقيدتهم تبين فيما بعد أنهم لجئوا إلى التقية ليتمكنوا من الإفلات من قبضة رجال الأمن ويعودوا إلى ممارسة نشاطهم من جديد. ولذلك ففي تقدير رجال الأمن أن 30% ممن أفرج عنهم عادوا للتنظيم.
التضليل
ولذلك لجأت أجهزة الإعلام المأجورة إلى التضليل فأخذت تختلق الأكاذيب وتزيف الحقائق في محاولة يائسة لبلبلة الأفكار وصرف الناس عنهم، ومن هذه الأباطيل:
1- أن عدد الجماعات الإسلامية في مصر هو 99 جماعة، وأن حجم الجماعة في بعض الأحيان لا يزيد عن أميرها وتابعه.
2- أن هذه الجماعات الإسلامية تتلقى الدعم والتمويل والتوجيه من الخارج، وأن «حزب التحرير الإسلامي ومقره الأردن» أرسل لهم شيكًا بمبلغ 60 ألف دولار ومبلغًا قدره 60 ألف جنيه مصري ضبطت معهم.
3- أن سفير إيران في السويد هو المسئول عن الحركات الإسلامية في الوطن العربي، وأن «محمد عبد الموجود الزمر» سافر إلى السويد واجتمع بالسفير الإيراني.
4- أن «التطرف الديني» ظاهرة غريبة عن المجتمع المصري، وأنها ظهرت في الستينات على يد «سيد قطب» الذي تلقى أفكاره عن علماء الشيعة أمثال «أبو الأعلى المودودي» و«أبو الحسن الندوي»!
ملاحظة: المودودي رحمه الله والندوي من خيرة علماء السنة.
5- أن هذا الفكر الغريب عاد إلى مصر على يد الفلسطيني صالح سرية عام 1975م بالهجوم على الكلية الفنية العسكرية، وأن صالح سرية من حزب التحرير الإسلامي.
ملاحظة: الدكتور صالح عبد الله سرية رحمه الله كان من علماء الحديث، وهو فلسطيني أقام بالعراق، وكان من ضباط جبهة تحرير فلسطين، ثم أصبح عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني، وكان يعمل في جامعة الدول العربية، وقد أعدمه السادات.
الاستغلال
وقد استغلت السلطات المصرية حادث مهاجمة سيارة أتوبيس سياحية على هضبة أهرامات الجيزة وإصابة 3 أشخاص، وذلك بتاريخ 27/ 9/ 1982م. ومجموعة من الإشاعات أن عبود الزمر قد هرب من السجن، وأن هناك خططًا لتهريب معتقلين واختطاف طائرة، إلى غير ذلك.. استغلت السلطات المصرية كل ذلك لتمديد قانون الطوارئ سنة أخرى.
وتروج أجهزة الأمن أن الإسلاميين يعدون لمحاولة انقلاب، وفي نفس الوقت تقول: إن الأمن مستتب، ويزعجها أن يقال: إن الأحوال مضطربة في مصر.
حقائق
ونحن هنا في تقييمنا لما يحدث في مصر لا بد من تسجيل الحقائق التالية:
1- أن المعارضة الحقيقية والفاعلة في مصر هي المعارضة الإسلامية، وهي التي تملك الشارع المصري ولها تواجد كثيف في الجامعات وبعض المواقع الحساسة كالجيش والأمن وقطاع العمال.
2- أن هذه المعارضة الإسلامية معارضة جذرية تنطلق أساسًا من واجب تطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات الحياة كافة ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّه﴾ (الأنعام: 57) وترفض علمانية الدولة والتبعية السياسية للغرب أو للشرق، والصلح مع اليهود.
3- أن الإسلاميين في مصر لم يصلوا إلى حد المواجهة المسلحة مع السلطة، وإن كانت هناك اشتباكات حصلت أو اغتيالات فإنما هي دفاع مشروع عن النفس.
4- أن المعارضة غير الإسلامية في مصر لا تمثل خطرًا على السلطة، بل وتلتقي مع السلطة في علمانية الدولة وفي التبعية ولكن للشرق بدل الغرب، وفي الصلح مع اليهود ولكن بشروط أفضل.
5- أن قرار تمديد قانون الطوارئ سنة أخرى مبعثه الخوف من أن تقوى الجماعات الإسلامية في مصر وتصل «بالديمقراطية» إلى ما لم تصل إليه «بالعنف».
6- أن النظام الحالي يحاول احتواء المعارضة بشقيها الإسلامي وغير الإسلامي عن طريق التفرقة بين «المعتدلين والمتطرفين»، وعن طريق تجميد القيادات الإسلامية النشطة وإسكاتها إلى الأبد، وعن طريق الإيهام أن بعض القيادات الإسلامية لا تقف موقفًا معاديًا من النظام، وعن طريق إقناع اليسار المعارض أن معركة النظام مع الإسلاميين هي نفسها معركة اليسار أيضًا وأن الخطر مشترك.
7- أن اليساريين في مصر وهم يحاولون أن يقيموا تحالفًا مع الإسلاميين يريدون أن يركبوا الموجة ويكسبوا الجماهير ويحموا أنفسهم، وفي نفس الوقت يحدوا من اندفاع التيار الإسلامي، وربما كانت السلطة تشجعهم على ذلك ولكن بتحفظ.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل