; عملاء ولكن لمن؟ | مجلة المجتمع

العنوان عملاء ولكن لمن؟

الكاتب الأستاذ مصطفى محمد

تاريخ النشر الثلاثاء 26-يناير-1971

مشاهدات 16

نشر في العدد 45

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 26-يناير-1971

عملاء
ولكن لمن؟
للأستاذ مصطفى محمد

نشرت صحيفة الإيمان التي تصدر بالرباط هذا المقال نكتفي بنشر هذا القدر البسيط منه:
كنت مرة مع نفر من الإخوة ‏نتجاذب أطراف الحديث، وكنت أقول بالإسلام كحل حتمي لجميع قضايانا الحاضرة ‏والمستقبلة، فأجابني أحدهم: يظهر أنك من الإخوان عملاء الإنجليز ومرة ثانية وعلى ‏تباعد في المكان والزمان كنت في جلسة أخرى نتحدث بنفس الموضوع، فقال لي أحد الحضور: هل أنت من الإخوان عملاء الأمريكان؟

‏ ولقد سمعت ذلك مرات ومرات، وكنت في إجازة في صيف العام الماضي في تركيا، وهالني أن علمت أن الصحف تصف هذه الجماعة الإسلامية ‏بأنها من عملاء الشيوعية.

وأخيرًا كنت في لهف لقراءة كتاب لعبة الأمم ‎الذي ‏أحدث نشره ضجة عالمية لما تضمنه الكتاب من علاقات مشبوهة للكثير من أبطال الثورات في العالم، وعجبت حين علمت أن مؤلف الكتاب مابلز كولاند يصف هذه الجماعة بالعمالة لألمانيا الغربية ‏عملاء، ولكن لمن؟ 

هكذا دفعة واحدة، ‏الحركة الإسلامية، عميلة لجميع الأطراف في العالم، ولو كان أصحابها مشردون في كل بلد، مضطهدون في كل قطر، ‏محاربون في رزقهم ووظائفهم وبيوتهم وعائلاتهم، تغص بهم ‏السجون على سعتها، والمعتقلات ‏على كثرتها، منهم الذي هجر بلده منذ عشرين سنة فرارًا من الطغيان، ومنهم الذي أُصيب ‏بعاهات مستديمة من التعذيب الذي لم تشهد الدنيا له مثيلًا في أي مكان، هذا عدا عن النفر الذي تحدى الطغيان فدفع ‏ضريبة الإيمان فعلق على المشانق على دفعات أولها خمسة وثانيها ثلاثة، عدا الذين أعدموا بالسر وكُتِب في سجلاتهم ‏أنهم غادروا السجون وعدا الذين كانوا طعمة للنيران إثر إضراب بسيط يحتجون فيه ‏على المعاملة التي يلاقونها في السجون، هكذا دفعة واحدة، الحركة الإسلامية عميلة لكل الأطراف في العالم؟

أنا أعرف، كما يعرف كل إنسان عنده خلق وضمير أن العمالة في دنيا الناس نوعان: عميل ينفذ لسيده مخططًا معينًا لقاء مكاسب شخصية أو حزبية يتفق عليها، أو عميل يتبنى شعارات معينة من إنتاج خارجي، أيضًا لقاء مكاسب يتفق عليها، فمن أي النوعين عمالة الحركة الإسلامية؟

وما هي المكاسب الشخصية التي حققتها في دنيا العروبة والإسلام إلا إذا اعتبرنا أوسمة الشهادة، وشهادات السجون والتعذيب والاضطهاد والتشريد في كل البلدان عربيها وإسلاميها بدون تمييز مكاسب ومنافع، ثم ما هي الشعارات المريبة التي تبناها الإسلاميون وروجوا لها لقاء منافع ومكاسب، ولكن يبدو أن في الأمر شيئًا. 

المسلم العابد القانت، الذي يموت دون عرضه ووطنه وأرضه، يحاسب نفسه على الكلمة إن تفوه بها خطأ، هذا عميل، أما المجرم الفاسق، الذي يُقيم لياليه في سهرات حمراء مع الرفاق من جماعة إيلي كوهين، ويسلم الأرض قبل أن يصحوا من نشوة السكر، ويتمتع بتعذيب الطائفة المؤمنة في نشوة مجنونة حمقاء، وينادي ليل نهار أنا عميل لماركس الشرق أو عبد لمادية الغرب ثم يقبض ثمن ذلك كله كرسيًا مذهبًا وعرشًا دائمًا، فهو الوطني والمناضل والاشتراكي والحر إلى آخر هذه الكلمات التافهة الفارغة من كل معنى وقيمة، لا بد أن يكون في الأمر شيئًا.

المسلم الذي يدعو أمته إلى عزتها الحقيقية ونصرها الأكيد يقول الكلمة ويتوقع من الأعداء في الداخل والخارج حربًا ضروسًا لا هوادة فيها ولا رحمة، هذا رجعي خائن، أما تلامذة ماركس وأقزام لينين وأبناء جان بول والعم سام تلامذة الجامعة الأمريكية في بيروت، فهؤلاء وطنيون أحرار شرفاء. 

وأخيرًا. فإن الطليعة المؤمنة تسير في طريقها، لا تثنيها وعورة الطريق ولا كيد الطغاة، حسبها مرضاة الله وتحقيق منهجه القويم.

 ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (الأنعام: 153).

 

مصطفى محمد

الرابط المختصر :