العنوان عندما تصبح الدعوة إلى الله جريمة تستحق السجن في المغرب.
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 02-يوليو-1985
مشاهدات 26
نشر في العدد 723
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 02-يوليو-1985
المجتمع تضع أمام العالم الإسلامي قضية الشيخ عبد السلام ياسين من أجل أن يترافع عنها الشرفاء.
•لا إله إلا الله.. تهمة تقتضي الإخلال بالأمن العام في بعض البلاد الإسلامية!
•مؤسسات الأمن تخطف وتسجن زوار الشيخ عبد السلام ياسين لمدة خمس سنوات.
عبد السلام ياسين صاحب صحيفتي «الصبح والخطاب» الإسلاميتين، ومدير مجلة الجماعة الإسلامية مريض في سجن الرباط. أطلقوا سراحه وسراح إخوانه.
•أين هي مؤسسات حقوق الإنسان ولجان العفو الدولية مما يعانيه الشيخ السجين في سجن «لعلو» المغربي؟
•الشيخ عبد السلام ياسين يعاني من الأمراض الشديدة وهو محروم من أبسط حقوق الإنسان داخل سجن «لعلو» في المغرب.
في المغرب.. صار رفض العبودية لغير الله جريمة لا تغتفر، وهو ما حدث لفضيلة الشيخ المربي والداعية المعلم الأستاذ عبد السلام ياسين، فقد اعتقل فضيلة الشيخ في ديسمبر ۱۹۸۳ بمدينة «سلا» ليحاكم في يونيو ١٩٨٤ بالسجن لمدة سنتين وغرامة مالية تقدر بخمسمائة درهم «٥٠٠ فرنك فرنسي» بتهمة الإخلال بالأمن العام، وهي التهمة التي أصبحت في بلادنا مرادفة لقول: «لا إله إلا الله، ولا معبود سواه والحكم لله».
والحقيقة أن أولئك الذين صدوا وما زالوا يصدون عن سبيل الله، راعهم الشعار الذي خرجت به جريدة «الصبح» والتي صدر منها عدد واحد فقط لتتوقف تعسفًا: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ (سورة هود: 81).
نصرة المؤمنين ومؤازرة العلماء
وقد كان اعتقال الشيخ ياسين فرصة للمؤمنين ليظهروا نصرتهم ومؤازرتهم للعلماء العاملين، لدرجة أن عدد زوار الشيخ عبد السلام ياسين وصل أحيانًا إلى ثلاثمائة زائر، مما حدا بمؤسسات الأمن إلى شن حملة اعتقالات واختطافات شملت كبار الدعاة إلى الله وكثيرًا من الشباب المؤمن، وكان آخرها اعتقال جملة من أفراد الجماعة، حيث حوكموا بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة «دراسة القرآن الكريم في غير محله».
ومنذ دخل الشيخ ياسين السجن وهو يعاني الأمرين من إدارة سجن «لعلو»، حيث حرم من أبسط الحقوق ومن ضمنها حقوق العلاج.
الحالة الصحية للشيخ في سجن لعلو
وقد بلغت الحالة الصحية للشيخ الداعية درجة كبيرة من الخطورة، فزيادة على طبيعة سجن «لعلو» الذي يعد «سيبيريا» ثانية، فإن إدارة سجن «لعلو» لم تملك للانتقام من الشيخ ياسين إلا أن تدعو طبيب السجن لإعطاء مسكنات للشيخ ياسين، مما زاد الطين بلة، وخصوصًا وإن الشيخ يعاني من الذبحة الصدرية من جراء قضائه لثلاث سنوات ونصف في السجن إبان السبعينيات، لا لشيء إلا أنه قال: «ربي الله».
ومن مضاعفات تدهور حالته الصحية، مرض غريب أصاب الشيخ في عينيه، زيادة على عدم قدرته على الكلام وعجزه عن الخروج لمقابلة أفواج الزائرين، فأين هي حقوق الإنسان وكيف السبيل إلى الإفراج عن الشيخ المظلوم؟ وهل هناك غير تضامن المسلمين في شتى أنحاء العالم مع هذا السجن المظلوم؟ ولكي يقف المسلمون في العالم على حقيقة دعوة الشيخ عبد السلام ياسين ومنهجه وأعماله، يطيب «للمجتمع» أن تقدم لقرائها ما يلزم، داعية المولى جلت قدرته أن يفرج كربة الشيخ المظلوم وسائر المظلومين في عالمنا المسلم المنكوب.
من هو الشيخ عبد السلام ياسين؟
ولد الشيخ عبد السلام ياسين سنة ١٩٢٨ في أحد أرياف المغرب الفقير في حضن فلاح بسيط، فنشأ نشأة قلة وحرمان، وكأن حكمة الله عز وجل أرادت أن تغرس في قلبه منذ الصبا الشعور الحسي بمدى معاناة هذه الأمة حتى في قوت يومها بعد أن زاغ بها حكام الفتنة عن المحجة، وكغيره من القلة من شباب عصره الذين كان لهم حظ تلقى نصيبًا من التعليم، كان الباب الوحيد المفتوح أمامه هو العلوم الشرعية فحفظ القرآن الكريم صبيًّا، ثم ولج أحد المعاهد الدينية بمدينة مراكش جنوب المغرب، لينهل من مختلف المعارف الفقهية، فنال منها نصيبًا لا يستهان به.
طموح مبارك
وما لبث طموح الشيخ عبد السلام ياسين أن اتجه لتحصيل بعض المعارف الأجنبية، فلم يجد لذلك سبيلًا غير المجهود الشخصي فانصرف إلى ذلك في عصامية فائقة وحصل منها ما يجعله في مصاف النابغين، وقد أهلته ثقافته المزدوجة إلى أن ينخرط في سلك التعليم ويتدرج في سلمه ليصل إلى مناصب مهمة. ومنذ مطلع حياته الوظيفية بدأت أمارات الاستقامة تظهر في سلوك الشيخ عبد السلام ياسين، حيث عُرف بين زملائه بنبذه الشديد لكل مظاهر الفساد الإداري من رشوة ومحسوبية واستغلال للنفوذ إلى غير ذلك، وبديهي أنه في قاموس الدعوة إلى الله عز وجل لن تُجدي شيئًا استقامة فردية معزولة وسط عباب من الفساد والانحراف، لكنها كانت على كل حال بذرة طيبة جعلت الشيخ عبد السلام ياسين ينهض فيما بعد لعتق رقبته من أغلال الإسلام الوراثي، وليبحث عن سبيل لخلاص الأنفس وخلاص الأمة من هذه الفتنة التاريخية التي تردت فيها.
البناء ومحاربة البدع
وكان الشيخ عبد السلام ياسين في بداية درب الله الطويل على موعد مع شيخ صالح قرر أن يصبر نفسة معه لذكر الله وتزكية النفس للسمو بها فوق المعاني الأرضية الرخيصة، وبطبيعة الحال فإن ملازمته لذلك الرجل الصالح لم تكن اتباعًا لمسلك بعض الناس الذين يئسوا من حال الأمة ففضلوا الانعزال في عملية بحث عن تقوى فردية قاعدة، بل لقد كانت همته متجهة إلى جعل ذلك الرباط محضًا تربويًّا لتخريج الدعاة إلى الله عز وجل، غير أنه ما لبث أن تبين صعوبة تحقيق مرماه، خاصة بعد وفاة الشيخ حين لاحظ تفشي البدع ومظاهر الترف بين المريدين، إضافة إلى غياب الحس الجهادي لدى معظمهم، فكان خياره الأخير أن ينابذهم منابذةتامة.
رسالة إلى الحاكم
ولم يكن انتهاء هذه التجربة إلى ما انتهت إليه ليقل من عزم الشيخ عبد السلام ياسين على مواصلة الطريق، وبهمة العالم العامل الذي يضع نصب عينيه بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم، قام ليصدع بكلمة الحق أمام النظام، فوجه إليه رسالة مفتوحة يقترح عليه فيها منهاج تجديد الحكم بما أنزل الله، بعد أن بين له مختلف مظاهر الفساد والاحطاط الذي آلت إليه البلاد بعد أن تولى أمرها وسيرها بما لا يرضي الله عز وجل، ومنذ مقدمة الرسالة كان إلحاح الشيخ عبد السلام ياسين واضحًا على أن باعثه الوحيد لكتابة الرسالة إنما هو الشعور بواجب إسداء النصح للحاكم، حيث يقول: «رسالتي إليك ليست ككل الرسائل، إنها تفرض الجواب عنها فرضًا، وحتى السكوت عنها جواب بليغ. إنها رسالة مفتوحة حرصت كل الحرص أن تحصل في أيدي الأمة قبل أن تصل إليك منها نصحتك.. ولكنك لن تملك إلا أن تجيب عنها بعنف السلطان وجبروته حين ترفض الوضوح الذي تتسم به، والنصيحة التي تحملها إليك وإلى المسلمين عامتهم وخاصتهم، أو تجيب عنها بالإخبات إلى الله والرضوخ للحق إن دعاك لذلك النسب الذي شرفك الله به، وتداركك الله سبحانه وتعالى بنور يقذفه في قلبك تميز به الحق والباطل، وتسمع به الكلمة الطيبة التي جاءك بها بشير هذه الصفحات التي ما خططت فيها حرفًا إلا ابتغاء رضا الله ربي، لا عدوانًا ولا كيدًا والله حسبي منك ومن العالمين».
السجن الأول
وكان جواب الحاكم جواب من تأخذه العزة بالإثم إذا قيل له اتق الله، فامتدت يده إلى الشيخ ليغيبه في السجن مدة ثلاث سنوات كاملة، فما وهن الشيخ عبد السلام ياسين لما أصابه وهو يعلم علم اليقين أن سجنه كان خلوة في سبيل الله.
وبمجرد أن شاءت إرادة الله عز وجل أن يخرج الشيخ عبد السلام ياسين من غياهب السجن انطلق في بث بشارة الإسلام كلما سنحت له فرصة بذلك، ولم يكن هذا النشاط ليسلم من المضايقة والتعسف؛ خاصة بعد أن لمس النظام من خلال الرسالة مدى قوة كلمة الشيخ وجرأتها في الحق.
إصدار مجلة «الجماعة»
وما أن اقترب بزوغ فجر القرن الخامس عشر حتى قرر الشيخ عبد السلام ياسين أن يدخل الدعوة من أوسع أبوابها، فأصدر مجلة عبرت عن معنى عنوانها «الجماعة» منذ عددها الأول، حيث حوى نداءً حارًّا لكافة العاملين للإسلام في البلد لتوحيد الصفوف بغية تشكيل تيار قوي ينهي حالة الغثائية التي يعيشها المسلمون، ويسفه أحلام أعداء حاكمية الله عز وجل ويفضح دجل الأحزاب الجاهلية التي استهلكت كل المساحيق لتزيين صورتها عند الشعب المستضعف. ولقيت المجلة صدى طيبًا لدى كثير من الإسلاميين وحتى لدى العامة الذين ملوا عطاء أقلام الإسلام الرسمي التي لا تجيد أكثر من التسبيح بحمد النظام، وغدت المجلة منبرًا لكثير من أصحاب الضمائر الحية ذوي الحرقة على ضياع الإسلام، وأعلن عدة علماء تأييدهم للشيخ عبد السلام ياسين.
منهاج شمولي لبث الدعوة
وبعد صدور سبعة أعداد، تعرض اثنان منها للحجز البوليسي، جاء العدد الثامن حاملًا معه أهم إسهام للشيخ عبد السلام ياسين في حقل الدعوة، حيث كان هذا العدد مطلعًا لسلسلة من الأعداد الخاصة «وعددها أربعة» حوت منهاجًا شموليًّا لبث الدعوة إلى الله، ولنترك الشيخ عبد السلام ياسين بنفسه يعرف بهذا المنهاج حين يقول في مقدمة العدد الثامن: «ود أعداء الإسلام والكائدون له من بني جلدتنا أن ينكفئ الإسلاميون من ميادين الفكر المتفاعل في ميدان الصراع الثقافي إلى منظومات أفكار مبرمجة متوقفة عن النمو، ذلك الانكفاء الفكري يضمن استمرار الحركة الإسلامية في هامشية الحركة السرية التي يريد أعداؤنا أن نخوض في غلسها، ونحن أحوج ما نكون ليعرف كل مؤمن معايير التربية الإيمانية وطرائق تجديد الإيمان في القلب حتى يستيقظ الحافز الجهادي في النفوس، ويستنير العقل المؤمن بنور العلم الذي به ندبر الجهاد. وبعد تربية جيل الإيمان والجهاد نحتاج إلى علم تنظيم جند الله في كتائب يسمو نظامها بتماسكه وقوته إلى مستوى الإرادة الجهادية، وإلى مستوى المهمات الجسام التي تتحدى الإسلام والمسلمين في مستقبل قوى العدوان على الإسلام ستزداد فيه تنظيمًا .
لن نكون أقل جرأة من أعداء الإسلام
فهل نكتم أساليبنا في التربية والتنظيم مخافة أن يطلع عليها الأعداء فيكون الانكفاء الذي يريدونه لنا؟ يضمر الفكر في غلس التخفي فينحرف العمل في الضالات الحركية، أنكون أقل ذكاء وجرأة على الأمور من طوائف المذاهب المقاتلة للإسلام التي تخطط وتفكر وتنشر على أوسع نطاق ليعلم كل عضو في تنظيماتهم مهمته بالضبط؟ أما نحن فننشر مساهمتنا في علمي التربية الإسلامية والتنظيم لما نعلم يقينًا أن قبول عملية التهميش التي تُفرض تخنق العمل الإسلامي من حيث لا تستطيع المؤامرات خنقه، والله من ورائهم محيط.
الحاكم ومحاصرة الدعوة
وقد كان المنهاج النبوي عبارة عن تقسيم اجتهادي لشُعب الإيمان البضع والسبعين كما وردت في الحديث المشهور إلى عشر خصال تستغرق حياة المؤمنين تربية وتنظيمًا أفرادًا وجماعة، وكان صدوره إيذانًا بتأسيس أسرة الجماعة التي سارع إلى الالتحاق بها عدد وفير من شبابٍ أعياه العيش على الهامش والإحساس بانعدام أي دور فعال، وبطبيعة الحال لم يكن هذا ليرضي الحاكم وهو الذي كان يدعي أنه ضامن الإسلام في البلاد، فأشهر كل أسلحته لمحاصرة هذه الخطوة المباركة وهي في بداية أمرها، فكانت الخيبة والفشل مصير كل مكيدة يدبرها للدعوة المظفرة.
السجن الثاني
وبلغ الخذلان منتهاه حين امتدت يده مرة ثانية إلى الشيخ عبد السلام ياسين لتسجنه ظلمًا وعدوانًا بعد أن هالهم الإقبال الشعبي منقطع النظير الذي لقيته صحيفتا «الصبح» و«الخطاب» اللتان لم يصدر منهما إلا عدد واحد، فإذا بالسجن يتحول إلى منبر للدعوة ومناسبة لعتق رقاب عدد من الشباب الماركسي من أغلال الكفر والإلحاد إلى حرية الإسلام ورحمته، وأصبح سجن «لعلو» محجًّا لعشرات الزائرين الذين جاؤوا يعبرون عن تضامنهم ومناصرتهم للشيخ البطل الذي ظل شامخًا حتى وراء القضبان وهو يفضح عيوب النظام ومثالبه ويبشر بغد الإسلام الزاهر.
وهكذا انقلبت نتيجة السجن إلى ضد ما كان يريده الحاكم حين أراد أن يخرس هذا اللسان الذي يأبى إلا أن ينطق بالحق.
•ملاحظة: إلى الإخوة المغاربة الراغبين في اقتناء مجلة المجتمع: بإمكانكم مراسلتنا لتسجيل اشتراكاتكم مرفقين القيمة المالية المطلوبة، مع ضرورة وضوح العنوان، وسوف تصلكم مجلتنا بالبريد إلى عناوينكم إن شاء الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل