العنوان ثمرات الإنفاق
الكاتب محمد الجاهوش
تاريخ النشر الثلاثاء 13-سبتمبر-1994
مشاهدات 19
نشر في العدد 1116
نشر في الصفحة 46
الثلاثاء 13-سبتمبر-1994
المجتمع التربوي
لكل عمل صالح أثر في حياة المسلم يلمس ذلك في تيسير أموره، وراحة نفسه وتسديد خطواته، وبركة وقته ورزقه، وفي عافية بدنه، ونجابة أولاده، وسعادة بيته، وجميع شأنه، والإنفاق من الأعمال الصالحة التي تؤتي ثمارها في حياة المسلم، ويبقى ذخرها لآخرته، وقاية، وشفاعة، وتخفيف حساب.
والمتأمل في النصوص التي تحث على الإنفاق وترغب فيه يستطيع استخلاص الكثير من الفوائد التي تعود على المنفقين.
۱ - تطهير النفس وتزكيتها:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ (التوبة: ١٠٣)
فالجود بالمال يبعث في النفس نشوة الشكر، ولذة الطاعة، والطمأنينة إلى حسن المصير، فقد ضمن الله للمخلصين في إنفاقهم التطهير والتزكية، أية سعادة تعدل سعادة الصبر وهو يقدم على ربه طاهراً، زكيا، نقيا من الذنوب والعيوب؟
۲ - مغفرة الذنوب:
﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفَهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورُ حَلِيمٌ﴾ (التغابن: ۱۷) والمغفرة نوع من التزكية والتطهير يأتي بعد مفارقة ما يستوجب الإثم والندم، فتغسل الصدقة أدران الأخطاء وتزيل ران القلوب وتجدد الأمل في النجاة والفلاح.
٣- تنمية المال:
حيث أنه ما نقص مال من صدقة قط، ولا ازداد عبد بطاعة الله إلا عزا، ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْضُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة : ٢٤٥).
فلو فقه الناس قول الله - عز وجل .. فيضاعفه أضعافا كثيرة، لما أحجم ذو مال عن البذل، ولا توانى عن المسارعة في جني هذا الربح العظيم الذي يزيد عن السبعمائة ضعف عندما يقع موقع القبول
﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: ٢٦١) ولعلك على ذكر أخي المسلم من بشارة المصطفى للمنفقين، وكيف أن الله - تعالى يقبل صدقاتهم وينميها لهم حتى تربو وتزكو وتصبح مثل الجبل العظيم.
4- الوقاية من النار:
وهل للمسلم من أمنية تعدل النجاة من النار؟ إنه ليتقرب إلى الله بجميع ما شرع ليفوز بالجنة، ويزحزح عن النار، وما تحمل القائمون نصب الأبدان، وإرهاق السهر راكعين ساجدين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، إلا حذر النار.
وما صبر الصائمون على ظمأ الهواجر وحرقة الأكباد إلا رجاء اتقاء النار، ولا استهدف المجاهدون العدو بصدورهم ونحورهم تمزقها الرماح وتطيح بها السيوف، إلا طمعاً في الجنة وفرارا من النار.
ومن رحمة الله - تعالى - أنه أكرم المنفقين بالنجاة من لفحها ولهبها بالكسرة تسد جوعة جائع، وبالشربة تروي فؤادا ظمآن، وبالقطعة من اللباس تستر عورة عار، بل وبالتمرة ترمى ولا يؤبه لها، فتكون حجابا من النار، قال: ما من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة.
وإمعانا في الفضل والكرم ينال هذه المكانة من ينفق على إطعام البهائم وإروائها، حيث جعل الله - تعالى - في كل كبد رطبة أجرًا، وقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا أطعمتها ولا تركتها تقتات من خشاش الأرض.
ه - تحقيق التكافل:
ولئن آتى الإنفاق ثماره على مستوى الأفراد، وحقق لهم الكثير من المكاسب، فإن أثره من حياة الأمة يفوق ذلك.
إنه الوسيلة لتحقيق التكافل الاجتماعي وتجلية حقيقة الأخوة الإسلامية التي ميز الله - تعالى - بها هذه الأمة، إذ به يقضي على مظاهر الفقر، وتسد خلة أصحاب الحاجات وتؤمن الكثير من الخدمات لمن قصرت بهم أسباب الكسب أو أقعدهم الضعف والعجز لا سيما بعدما تخلت الكثير من الدول عن القيام بهذه الواجبات.
6 - نشر المحبة:
والإنفاق بهذا المفهوم التكافلي يرسخ - مفهوم الحب الحقيقي بين طبقات المجتمع - وينشر الوئام والألفة ويمحو من قاموس العقل المسلم مسمى صراع الطبقات ويصبح الفقير حارسا لأموال الغني يتمنى - دوامها ونماءها، لأنه رزق من ريعها، ولم - يحرم خيرها.
وجدير بالأمة التي يسود الحب بينها، وتظلل الأخوة مسيرتها أن ترقى في سلم - السعادة صعدا، وتتسنم قمة الهرم في - الأمم، وتصبح من التماسك والقوة بحيث تصد كل من أرادها بسوء - وتنتصر على كل من يحاول النيل من عزتها وكرامتها.
خاتمة:
وصفوة القول في هذه الإلماحة السريعة أن الإنفاق معلم إيماني، وقيمة وجدانية ودليل على سمو النفس وانتصارها على الشح والهوى وهو مجال تنافس للمسارعة إلى الخيرات واللحاق بالسابقين الأولين من سلف هذه الأمة الذين بذلوا وما بخلوا، ووسعت أموالهم حاجة إخوانهم من أهل العوز، وكانت أساساً في إرساء دعائم حضارتهم، وسبيلا إلى نشرعقيدتهم.
فيا فوز من اهتدى واقتدى، وأطاع الله فيما آتاه، ولم يبطره جاه، ولا أطفاه غنى، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، سدد الله الخطى ووفق الجميع.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل