العنوان غزة والكيان الصهيوني.. محفزات التصعيد وكوابحه
الكاتب د. صالح النعامي
تاريخ النشر الأربعاء 01-سبتمبر-2021
مشاهدات 21
نشر في العدد 2159
نشر في الصفحة 30
الأربعاء 01-سبتمبر-2021
«حماس» فطنت إلى محاولة الحكومة الصهيونية تفريغ الإنجازات الاستراتيجية للمقاومة بالحرب الأخيرة من مضمونها
المستويات السياسية والعسكرية بـ«تل أبيب» تحذر من مخاطر الاستدراج لعمل عسكري يدفع لإعادة احتلال غزة
أكثر ما يقلص من قدرة المقاومة على المناورة بمواجهة الكيان اعتبارات «الوسيط» المصري
لو حدث انفجار للأوضاع الأمنية بالضفة فسيدفع ذلك «تل أبيب» لمحاولة تبريد ساحة غزة
شهدت الآونة الأخيرة تصعيداً واضحاً بين حركات المقاومة في قطاع غزة وجيش الاحتلال، بلغت ذروتها الجمعة 20 أغسطس الماضي، عندما استشهد فلسطينيان وأصيب عشرات آخرون بالرصاص الصهيوني، وأصيب أحد قناصة الاحتلال بجراح بالغة عند إطلاق شاب فلسطيني النار عليه من مسافة صفر أثناء تظاهرات دعت إليها الفصائل الفلسطينية على طول الحدود بين غزة والكيان لإحياء ذكرى إحراق المسجد الأقصى.
وعلى الرغم من أن الاحتلال الصهيوني رد على الحادثة بشكل محدود، فإن كل المؤشرات تدل على أن فرص اندلاع مواجهة شاملة بينه وبين المقاومة الفلسطينية تعاظمت بشكل كبير بسبب حرص كل منهما على إفشال محاولة الطرف الآخر فرض معادلة تخدم مصالحه الاستراتيجية.
على الرغم من أن التدهور الكبير الذي طرأ على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، وتحديداً في أعقاب العدوان الأخير، يجعل المقاومة تحاول تجنب خوض منازلة عسكرية جديدة؛ فإن قيادتها باتت تعي أنها مطالبة بعمل كل ما في وسعها لإفشال محاولة الحكومة الصهيونية الجديدة بقيادة «نفتالي بينيت» فرض معادلة جديدة تربط بين السماح بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار باستعادة الجنود والمستوطنين الصهاينة الذين تأسرهم حركة «حماس».
في الوقت ذاته، فقد فطنت «حماس» إلى حقيقة أن الحكومة الصهيونية تحاول تفريغ الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها المقاومة خلال الحرب الأخيرة من مضمونها عبر فرض المزيد من إجراءات الحصار، مثل عدم السماح بإدخال الكثير من المواد والسلع المهمة، سيما التي تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد بالقطاع بهدف إحداث شرخ بين المقاومة وحاضنتها الجماهيرية؛ على أمل أن يسهم ذلك في التمهيد لصعود تيارات وقيادات يمكن أن تمثل بدائل سياسية عن حركة «حماس»، أو على الأقل يسمح بالمس بمستوى ثقة ورهانات الجماهير الفلسطينية على المقاومة وإنجازاتها، بهدف لسع وعي هذه الجماهير وتيئيسها من الحصول على عوائد إيجابية في ظل تبني خيار مواجهة المحتل.
ومما زاد الأمور تعقيداً حقيقة أن عدم استقرار الحكومة الصهيونية، التي تضم أحزاباً وحركات غير متجانسة أيديولوجياً في ظل وجود معارضة شرسة يقودها رئيس الوزراء السابق «بنيامين نتنياهو»، جعل «بينيت» يحرص على الظهور بمظهر القائد المتشدد للتدليل على أنه لا يقل قدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة بمواجهة المقاومة في محاولة للحفاظ على شعبيته وشعبية حزبه.
وتعي المقاومة أنه ليس بوسعها مطلقاً التجاوب مع خطوط الاحتلال الحمراء، وعلى وجه التحديد في كل ما يتعلق بالتوصل لصفقة تبادل أسرى يتمكن الكيان الصهيوني بموجبها من استعادة أسراه لديها؛ حيث إن الثمن الذي يبدو الاحتلال مستعداً لدفعه مقابل أسراه لا يمكن أن تقبله المقاومة؛ فحركة «حماس» تلمح إلى أنها مستعدة لإنجاز صفقة يتم بموجبها الإفراج عن المئات من الأسرى الفلسطينيين الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد بسبب إدانتهم بقتل جنود ومستوطنين؛ في حين تبدو «تل أبيب» مستعدة لإطلاق سراح عدد أقل من هذا بكثير.
وقد أدى التوقيت دوراً مهماً في دفع المقاومة إلى التصعيد ضد الاحتلال ومحاولة ثنيه عن محاولة فرض معادلته؛ حيث إن الكيان الصهيوني يركز كل جهوده حالياً على محاولة التأثير على الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، ومنع إدارة الرئيس «جو بايدن» من العودة إلى هذا الاتفاق؛ حيث توجه «بينيت» إلى واشنطن في محاولة لتحقيق هذا الهدف، وبالتالي فإن اندلاع مواجهة واسعة مع المقاومة سيشتت الاهتمام العالمي ولن يخدم المصالح «الإسرائيلية» تحديداً.
في الوقت ذاته، فإن المقاومة تعي أن حالة انعدام اليقين إزاء الأوضاع في الضفة الغربية وتحذيرات المؤسسة العسكرية الصهيونية من انفجارات أمنية هناك يقلص من دافعية «تل أبيب» إلى خوض مسار يفضي إلى تصعيد في الوقت الحالي.
إلى جانب ذلك، فإنه باستثناء محاولة استعادة الهدوء في منطقة الجنوب وتحديداً في مستوطنات غلاف غزة، فإنه لا يوجد لدى «إسرائيل» مصالح استراتيجية يمكن أن تحققها عبر مواجهة كبيرة مع المقاومة في القطاع؛ حيث إن المستويات السياسية والعسكرية في «تل أبيب» تحذر من مخاطر الاستدراج إلى عمل عسكري يدفع الكيان الصهيوني إلى إعادة احتلال غزة؛ وذلك ليس فقط بسبب الكلفة العالية التي ستتكبدها «إسرائيل» على صعيد الأرواح وما يترافقه من تدهور أوضاعها الاقتصادية؛ بل أيضاً لأن «إسرائيل» تعي أنه لا يوجد حتى الآن طرف ثالث، يمكن أن يتولى إدارة الأمور في القطاع؛ وهذا يعني أن مغامرة «إسرائيل» بشن حملة برية تفضي إلى احتلال غزة يعني تورط الكيان الصهيوني في رمالها إلى أمد بعيد؛ مع كل ما ينطوي عليه الآمر من تداعيات وتبعات بعيدة المدى.
وفي المقابل، فإن تعهد «بينيت» بانتهاج سياسة أكثر تشدداً من سلفه «نتنياهو» في مواجهة المقاومة بغزة تجعله يتشبث بإصراره على الربط بين استعادة الأسرى الصهاينة مقابل ملف إعادة الإعمار.
الدور المصري
لكن أكثر ما يقلص من قدرة المقاومة على المناورة في مواجهة الكيان الصهيوني هو اعتبارات «الوسيط» المصري الذي يحتكر الإشراف على الجهود الهادفة إلى التوصل لتهدئة في غزة.
وعلى الرغم من أنه كانت هناك دائماً الكثير من الشواهد التي تدل على أن «الوسيط» المصري يمارس ضغوطاً على المقاومة للتجاوب مع المواقف الصهيونية، فإن ما حدث مؤخراً يدل بشكل لا يقبل التأويل على أن هذا «الوسيط» تجاوز كل السوابق وأخذ يحاول دفع غزة إلى التعايش مع السقف الصهيوني.
ولعل أوضح مثال على ذلك، كان قرار مصر المفاجئ إغلاق معبر رفح بعد أن نظم الفلسطينيون، مؤخراً، المظاهرات على طول الحدود بين غزة؛ وإصابة جندي صهيوني بجراح بالغة، وفي المقابل، فإنه لم يحدث أن استخدمت مصر أوراق القوة الكثيرة التي لديها في محاولة الضغط على «إسرائيل» لتغيير سياساتها تجاه القطاع المحاصَر.
وقد فسرت القيادات الصهيونية نفسها السلوك المصري على أنه محاولة لدعم موقف حكومة «بينيت» وجيش الاحتلال؛ فقد كتب وزير القضاء الصهيوني السابق «حاييم رامون»، في حسابه على «تويتر»: «شكراً مصر التي أغلقت معبر رفح رداً على أحداث الجمعة التي أصيب فيها الجندي «برئيل شموئيلي»، في وقت يواصل «بينيت» مد غزة بمواد البناء.. يبدو لي أن السيسي يهمه أمن جنود جيشنا ومستوطني غلاف غزة أكثر من بينت»، على حد تعبير الوزير الصهيوني.
ومن الواضح أن القاهرة توظف ملف الوساطة بين المقاومة والكيان الصهيوني في محاولة لتأمين مصالحها لدى الولايات المتحدة، ومحاولة استغلال هذا الملف لإقناع إدارة الرئيس «بايدن» بعدم الإنصات للأصوات التي تتعالى داخل الحزب الديمقراطي والمطالبة بمعاقبة السلطات بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وحتى الصهاينة يفسرون الحرص المصري على احتكار ملف الوساطة بينهم وبين المقاومة على هذا النحو، ففي تحليل نشرته صحيفة «معاريف»، مؤخراً، رأى معلق الشؤون العربية «جاكي حوكي» أن دعوة السيسي لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» لزيارة القاهرة رغم إصراه على مواصلة الاستيطان في الضفة وتهويد القدس وتشديده على أنه لن يسمح بتدشين دولة فلسطينية، يأتي لأن السيسي يرى أن استرضاء «بايدن» ومنعه من معاقبة نظامه بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان يتطلب غمر «إسرائيل» ببوادر حسن النية المصرية.
ومن الواضح أن مواصلة مصر نهجها الحالي في التعاطي مع غزة لن يساعد المقاومة على تحسين قدرتها على دفع الكيان الصهيوني في التجاوب مع مطالبها، وهذا يمثل بحد ذاته وصفة لاستمرار جولات التصعيد، التي يمكن أن تنتهي بمواجهة شاملة، على غرار المواجهة الأخيرة.
سيناريوهات متوقعة
ولكن هناك بعض السيناريوهات التي يمكن أن يساهم تحققها في تغيير الموقف الصهيوني واستعداد «تل أبيب» لعدم الربط بين مشاريع إعادة الإعمال وملف الأسرى الصهاينة لدى حركة «حماس»، وتتمثل هذه السيناريوهات في:
أولاً: انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية؛ وهو احتمال لا تستبعده المؤسسة الأمنية الصهيونية، فانفجار الأوضاع هناك سيدفع «إسرائيل» إلى محاولة تبريد ساحة غزة.
ثانياً: تصعيد على الجبهة الشمالية نتاج عمليات إطلاق صواريخ تستهدف العمق الصهيوني تتم انطلاقاً من جنوب لبنان وتدعي «إسرائيل» أن من ينفذها مجموعات فلسطينية؛ مما قد يمهد الطريق أمام اندلاع مواجهة مع «حزب الله» اللبناني.
ثالثاً: تحولات إقليمية جذرية تساعد عزة والمقاومة على تجاوز منظومة الحصار الصهيونية.