; نساء مجاهدات في العصر الحديث.. فاطمة عبيد «أم الإخوان».. صبر وأمومة بلا حدود | مجلة المجتمع

العنوان نساء مجاهدات في العصر الحديث.. فاطمة عبيد «أم الإخوان».. صبر وأمومة بلا حدود

الكاتب مريم السيد هنداوي

تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007

مشاهدات 15

نشر في العدد 1765

نشر في الصفحة 42

السبت 18-أغسطس-2007

كانت حلقة الوصل بين المستشار حسن الهضيبي وإخوانه داخل السجن.

قامت بدور الإخصائية الاجتماعية مع بيوت الإخوان المعتقلين تبحث أحوالهم وتعتني بشؤونهم من مأكل وملبس وتزوج بناتهم.

«أم أحمد، هذا لقبها الذي اشتهرت به فاطمة محمد عبيد، والتي ولدت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي.. تربت كما تربت الكثيرات من المصريات على العفة والطهارة وحب الإسلام، لم تتلق التعليم غير أنها عرفت تعاليم الإسلام، وكانت من أوائل الأخوات اللاتي عملن مع الإمام الشهيد حسن البنا عام ١٩٤٣ م. يقول الأستاذ محمود الجوهري- سكرتير قسم الأخوات المسلمات كانت أم أحمد ضمن الأخوات اللائي تعرفن على دعوة الإخوان المسلمين، في وقت مبكر، وكانت تتقدم أخوات شبرا ضمن خمسين أختا خصهن الإمام البنا بلقاء أسبوعي لتربيتهن» (1).

تزوجت الفتاة الصالحة فاطمة عبيد وعاشت في حي شيرا بالقاهرة ورزقها الله أولادًا صالحين منهم الأخ أمين صدقي الذي اعتقل وعذب عذابًا شديدًا بعد حادثة المنشية وحكم عليه بالسجن.

 عبء الدعوة

 ومنذ اللحظة الأولى حملت «أم أحمد» عبء الدعوة مع أخواتها، فدخلت بها كل بيت وأصبحت أما لكل بيت دخلته، سواء أكان رب الأسرة موجودًا أم غير موجود. 

وفي عام ١٩٤٥ م انتخب قسم الأخوات لجنة تنفيذية من بعض الأخوات للإشراف على عمل القسم ضمت هذه اللجنة كلًا من: أمال عشماوي «رئيسة» فاطمة عبد الهادي «وكيلة» أمينة علي «أمينة الصندوق»، فاطمة توفيق «سكرتيرة أولى»، منيرة محمد نصر «سكرتيرة ثانية».

 وعضوية كل من زينب عبد المجيد هانم صالح سنية الوشاحي فاطمة عبيد زهرة السنانيري، محاسن بدر فاطمة البدري (٢). 

نشاطها الدعوي 

وبرز دور «أم أحمد» في فترة المحن التي تعرض لها الإخوان، حيث كانت تقوم بدور الإخصائية الاجتماعية مع بيوت الإخوان المعتقلين فتبحث حالتهم وتعتني بشؤونهم من مأكل وملبس..

 وكان لهذا الأمر أثره في استقرار أوضاع أسر الإخوان وصيانة زوجاتهم ورعاية الأولاد من التشرد، بل وصل الأمر إلى أنها كانت تقوم بتجهيز بعض بنات الإخوان وتزويجهن (۳).

ويقول الأستاذ الجوهري: بعد الحل الأول « ١٩٤٨» قامت مجموعة من «الأخوات» -سلمهم الإمام الشهيد مذكرة تفند مبررات حل جماعة الإخوان- بتمريرها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكي ورئاسة الوزراء... 

ويواصل: «أما عن مساعدة الأسر الفقيرة فقد برز دور الأخوات عندما اعتقل كثير من الإخوان في حادثة السيارة « الجيب» في عام ١٩٤٧ م، فقامت الأخوات بجهد خارق للعادة، ونظمن رعاية شؤون سجناء الإخوان في سجن طرة».

وفي هذا الوقت استأجرت الأخوات شقة قريبة من السجن، وشكلن لجنة منهن بحيث يكون في هذه الشقة يوميًا اثنتان أو ثلاثة من الأخوات لتجهيز الأدوية وبعض الطعام، وغسل الملابس التي يأخذنها يوميًا من السجن... 

وكانت القائمات بهذا الجهد «أمينة علي»، و «فاطمة عبد الهادي»، «وفاطمة توفيق»، «وسنية الوشاحي» و « زهرة السنانيري»، و « فاطمة عبيد» رغم بعد سكنها عن تلك الشقة (٤). 

همزة وصل 

ولم يقتصر دورها على ذلك، بل كانت بمثابة حلقة الوصل بين المرشد العام للإخوان حسن الهضيبي وإخوانه في السجون، كما كانت تجوب سجون مصر من القاهرة إلى أسيوط إلى الواحات لتوصيل رسالة من المرشد للإخوان.

 كما أنها كانت تبحث على راحة الإخوان داخل السجون، فكانت عندما تذهب لزيارة ابنها أمين في الواحات كانت تحمل معها الأطعمة والملابس لنحو عشرين معتقلًا من الإخوان، وكانت تتكبد عناء السفر من القاهرة حتى الواحات «نحو ٨٠٠ كلم» -رغم كبر سنها- وهي صابرة محتسبة عند الله متذكرة ما قامت به أسماء بنت أبي بكر مع رسول الله ﷺ وأبيها وقت الهجرة. 

دروس في المحنة 

وفي محنة ١٩٥٤ م، أمر الرئيس عبد الناصر بقطع رواتب كل الإخوان المعتقلين حتى بشرد الأولاد وتيأس النساء فيؤدي ذلك إلى تفكك أسرهم وضياعها. 

فانتفضت الأخوات وقسمن أنفسهن قسمين قسمًا يرعى حاجات المعتقلين والقسم الآخر يرعى بيوت وأسر المعتقلين واشتركت أم أحمد في مجموعة رعاية الأسر وقامت بدورها على أتم وجه فعملت على حماية الزوجات ورعاية الأولاد من التشرد... 

اعتقال مائتي سيدة 

وفي محنة ١٩٦٥ م لم ينس النظام الحاكم الدور الذي قامت به الأخوات بعد حادثة المنشية في رعاية أسر الإخوان المعتقلين فوجه سهامه إلى الأخوات وأمر باعتقال مائتين، في مقدمتهن الحاجة زينب الغزالي وزوجة المستشار الهضيبي وبناته وحميدة قطب وأم أحمد، التي كانت قد تجاوزت الثمانين من عمرها، لكنه لم يرحمها واعتقلها في 19 أغسطس ١٩٦٥ م.

 تعذيب وحشي 

وعندما علمت السيدة زينب الغزالي بخير اعتقالها قالت: «إنه شيء جميل.. ما دام في الأرض التي ضاعت معالمها امرأة مؤمنة تعتقل في سبيل الله، وفي سبيل دولة القرآن وهي في الخامسة والثمانين من عمرها، فمرحى مرحى يا جنود الله» (٥).

وتصف أم أحمد اعتقالها فتقول: «جاء أحد الضباط ومعه أربعة من المخبرين وأخذوني إلى وزارة الداخلية وأحضروا ابني «أمين» الذي أمضى في السجن ما يقرب من عشر سنوات وأخذوا يعذبونه أمامي، حتى إن أحمد راسخ، أحد رجال المباحث العامة كان يقول لي: نحن تعذبك بتعذيب ابنك أمامك، وبقيت في وزارة الداخلية يوما وليلة ثم أفرجوا عني لكن بعد أسبوع عادوا ليأخذوني فقلت: إن ابني مات وجاءوا يسلموني الجنة، غير أنهم ذهبوا بي إلى السجن الحربي، وأدخلوني في زنزانة ثم أخرجوني الأخرى وكانت غرفة الإعدام فشعرت أنهم سيقومون بإعدامي، وكان الجو فارسًا، وبعدها أخذوا في التحقيق معي وسألوني عن زينب الغزالي وعلاقتي بها، فقلت: إنني أقابلها في المسجد وكان يحقق معي «شمس بدران» و «جلال الديب»، وأرادا أن يجبراني على الاعتراف بأن لي صلة بالمرشد العام لكني لم أذكر شيئًا فقالوا: سنقتلك أنت وابنك «أمين»، لكنهما أرسلاني للزنزانة وبقيت فيها فترة من الزمن، ثم أفرجا عني..» (٦). 

اتهامات باطلة 

وتقول السيدة زينب الغزالي -يرحمها الله-: «سألوني عن «أم أحمد» في التحقيق، فقلت لهم هذه السيدة الفاضلة كل صلتها بالإخوان أنها كانت تقوم بخدمة الأسر وتعد لهم يد العون بالطعام والكساء والمسكن فقال لي شمس: إن عبد الفتاح إسماعيل أعطاك جوال ديناميت لتعطيه لأم أحمد، فقلت: لقد كان جوالًا به ملابس قطنية للمساجين وبعض السمن والزيت والملابس لأهالي المعتقلين فرد علي شمس وهل هذه ليست جريمة؟ إحنا سنقطع رقابكم من أجل ذلك» (۷).

ويروي الشيخ محمد عبد الله الخطيب أنه رأى حمزة البسيوني في إحدى ليالي التحقيق يهدد الحاجة أم أحمد، قائلًا لها: «يا ولية أنت يا بنت ال... إذا لم تتكلمي فستضربين ضربًا لم يأخذه أي رجل» (۸).

ورغم هذه الظلم والعسف والاضطهاد ظلت دعوة الإخوان راسخة شامخة في قلوب أبنائها رجالًا ونساء، وبالرغم من عدم وجود عمل تنظيمي إلا أن العلاقات الفردية وبعض الممارسات الدعوية، خاصة الاهتمام بأسر الإخوان المعتقلين ورعايتهم بقيت مستمرة تقوم بها مجموعة من الأخوات المسلمات بصورة فردية وتلقائية... وطبعا في الخفاء. حتى جاءت فترة السبعينيات فيرز جيل جديد من الأخوات المسلمات... 

رحيلها

ظلت «أم أحمد» -رغم تقدم سنها- تعمل للدعوة وسط الأخوات، وقد سخرت نفسها ومالها وولدها لدعوتها حتى لقيت ربها عام ۱۹۸۳ م، بعد أن تركت أخوات ضرين المثل الأعلى في التضحية للإسلام. 

-------------------------------

الهوامش

 (۱) مجلة لواء الإسلام- العدد الرابع السنة ٤٣ غرة ذي الحجة ١٤٠٨ هـ ١٩٨٨/ ٧/ ٥

 (۲) جمعة أمين عبد العزيز أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين الكتاب الخامس الطبعة الأولى دار التوزيع والنشر الإسلامية ٢٠٠٥ م. 

(٣) مجلة لواء الإسلام- مصدر سابق

 (٤) محمد عبد الحكيم خيال ومحمود محمد الجوهري الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية دار الدعوة ١٩٩٣ م. 

(٥) زينب الغزالي أيام من حياتي دار التوزيع 

والنشر الإسلامية 

(٦) جابر رزق مذابح الإخوان في سجون ناصر دار الاعتصام ۱۹۷۷ م. (بتصرف) 

(۷) جابر رزق- مرجع سابق (بتصرف) 

(۸) المرجع السابق

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الحركة الإسلامية في الهند

نشر في العدد 6

112

الثلاثاء 21-أبريل-1970

مناقشات حول الحركة الإسلامية

نشر في العدد 11

37

الثلاثاء 26-مايو-1970